في سنة 1995 أعلن الملك الراحل الحسن الثاني من داخل قبة البرلمان في خطاب تاريخي أن المغرب يعيش مرحلة السكتة القلبية، واستشهد على ذلك بأرقام وإحصائيات كان قد تضمنها تقرير البنك الدولي حول المغرب سواء فيما يرتبط بالإدارة أو القضاء أو سير المؤسسات العمومية والتشريعات والمساطر، والمسؤولين والموظفين، وقال الحسن الثاني آنذاك قولته الشهيرة: "قرأت تقرير البنك الدولي فوجدت فيه أرقاما مفجعة تجعل كل ذي ضمير لا ينام".
طبعا، كل الأرقام التي تضمنها التقرير كانت صادمة، لكن، ماذا تغير منذ إعلان تلك اللحظة عن مفهوم "السكتة القلبية"، إلى حين خاطب الملك المغاربة عن القيامة في 20 غشت مرورا، بخطاب 2014 في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية عن مفهوم الروح الوطنية، بنبرة لا تقل أهمية عن نبرة والده ؟.
وبين خطاب السكتة القلبية الذي مهد لحكومة التناوب وخطاب الروح الوطنية الذي أعقب قيادة الاسلاميين لحكومة الدستور الجديد والقيامة تغيرت أمور كثيرة ودخل الوطن مرحلة، تستدعي مزيدا من تضافر الجهود للخروج بالوطن من كبوة العزوف السياسي والأزمة الاقتصادية ونحن نستقبل حكومة جديدة ثانية بعد دستور 2011.
ومما لاشك فيه أن الخطاب الرسمي من أعلى سلطة في البلاد عندما يكون صريحا وصادما فإن هناك أمرا جلالا ينبغي على النخبة السياسية المتنازعة أن تنتبه له.
خطاب جاء في نبرة يسودها نوع من الحذر والخوف والتوجس، يستدعي التفاعل السياسي أولا ونحن خارجون من انتخابات وصفها الملك في خطاب غير مسبوق من خطبه بالقيامة.
ما يمكن أن يستشف من خلال الخطابين هو كون النخبة السياسية غدت تفتقد إلى الروح الوطنية الحقة، خاصة في ظل نسبة العزوف السياسي لدى فئة الشباب وملايين المغاربة الذين يتعاملون مع الانتخابات بنوع من اللامبالاة .
وإذا ما استمرت المعطيات التي بداخل الواقع المغربي، في هذا المنحى التصاعدي والتي لم تعد تزودها الطبقة السياسية والنقابية والمدنية، بالطاقة الإيجابية المطلوبة فالتشديد في هذا الوقت بالذات على مقوم الوجود الوطني المغربي والأساسي، يشعرنا بأزمة خانقة في عمليات التدبير السياسي للبلاد ولكل المصالح العليا لديها، حيث انعدام الآليات المجسدة للروح الوطنية، واختلالات مقومات المواطنة الفعلية.
بين خطاب "السكتة القلبية" الشهير للراحل الحسن الثاني سنة 1995 وخطاب ما يمكن الاصطلاح عليه، بـ "خطاب الروح الوطنية" من قبة البرلمان في افتتاح دورته الخريفية يوم 10 أكتوبر سنة 2014، وخطاب القيامة الذي سبق 7 أكتوبر، مسافة زمنية تجاوز العقدين من الزمن، تتداخل فيها العلاقات والقيم لتجتهد من أجل مواجهة الآفات التي تنخر الوطن والعمل على إنقاذه من مرحلة التقهقهر الحاصلة الآن .