مظاهرات إيران: ما نعرفه وما نجهله
واجهت السلطات الإيرانية موجة الاحتجاجات الأخيرة بالقمع الشديد، وبحجب شبه كامل لشبكة الإنترنت في البلاد.
وصعّب هذا الحجب المعلوماتي مهمة الحصول على معلومات موثقة عن الوضع في إيران، حيث تشتد الرقابة على وسائل الإعلام المعتادة حتى في الظروف العادية.
فما الذي نعرفه وما الذي نجهله عما حدث في إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية؟
ما الذي نعرفه؟
المتظاهرون
خرجت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وشارك فيها محتجون من خلفيات اجتماعية مختلفة.
وتركزت المظاهرات التي خرجت سابقا في عامي 2017 و 2018، في العاصمة طهران وما حولها. وشارك فيها بالأساس "مواطنون من الطبقة الوسطى أرادوا معرفة مصير أصواتهم التي أدلوا بها في الانتخابات"، حسبما قال خبير في الشأن الإيراني من فريق بي بي سي للمتابعة الإعلامية، فضّل عدم الإفصاح عن هويته.
لكن هذه المرة، تأججت المظاهرات بسبب الزيادة الكبيرة والمفاجئة في أسعار الوقود، بنسبة مئتين في المئة خلال ليلة واحدة، والتي تلقاها الشارع بالكثير من الغضب مع حلول الشتاء وزيادة الاحتياج للطاقة.
وانتشرت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في عموم البلاد، وكانت أشد عنفا عن أي حراك سابق، وتشارك فيها الطبقات العاملة والأفقر في المجتمع، من الذين يصفهم خبير بي بي سي بأنهم "في أمس الحاجة لكسب قوت يومهم، والحصول على الدفء، وتوفير الدواء الأساسي. ويشعر هؤلاء بأنه ليس لديهم الكثير ليخسروه".
الدولة حجبت الإنترنت
قال وزير الداخلية الإيراني، عبدالرضى رحماني-فاضلي: "لقد حجبنا الإنترنت لصالح الشعب الإيراني".
وتسيطر الحكومة الإيرانية بشكل شبه كامل على الإنترنت، وفرضت مؤخرا حجبا تاما على الشبكة لمدة أسبوع بعد خروج المظاهرات ضد رفع أسعار الوقود.
وقال خبير آخر في الشأن الإيراني لدى بي بي سي، وفضل كذلك إخفاء هويته، إن "المدى الجديد للحجب يعكس مستوى جديد من التطور التكنولوجي لدى السلطات".
ومُنعت تطبيقات مثل إنستغرام وتليغرام منذ احتجاجات عامي 2017 و2018، في محاولة لتعطيل الاتصالات وتبادل الأفكار بين المتظاهرين.
ويلجأ البعض للشبكات الخاصة الافتراضية (في بي إن)، "لمقاومة الحجب الحكومي، ويتمكنوا من إرسال واستقبال البيانات بحرية دون المرور على الخوادم العامة التي تسيطر عليها الحكومة. لكن حتى هذا المسلك أصبح صعبا". على حد قول خبير بي بي سي.
وكتب رئيس منظمة تكنولوجيا المعلومات (الهيئة الحكومية المسؤولة عن الإنترنت) إلى المنظمات الحكومية والخاصة يطلب منها إرسال قائمة بالمواقع الأجنبية التي يعتمدون عليها بشكل كبير.
ويرى بعض الخبراء أن هذا التحرك الأخير يشي بخطط إيرانية لعمل "قائمة بيضاء"، تحتوي المواقع التي توافق عليها الحكومة لتظل متاحة.
الدولة تتحكم في الإعلام
وتقول تارانيه ستون، محللة الشأن الإيراني لدى بي بي سي إن "كل وسائل الإعلام الإيرانية، من صحف وقنوات تليفزيونية وإذاعية ووكالات أخبار، تقع تحت سيطرة الحكومة".
وقال خبير محلي آخر لدى بي بي سي إن "الأخبار والمعلومات تتعرض للتلاعب بما يناسب رؤية الحكومة. وتسلط السلطات الضوء على ما يريدون فقط".
الاقتصاد ينهار
تقع إيران تحت ضغط اقتصادي رهيب بسبب إعادة الولايات المتحدة للعقوبات على البلاد في عام 2018.
وتزيد معدلات التضخم حاليا على 40 في المئة، وبلغت نسبة البطالة حوالي 15 في المئة.
وقالت إحدى المتظاهرات لـ بي بي سي: "نواجه الكثير من المشكلات الاقتصادية. اللحم غالٍ، وكذلك الدجاج والبيض... والآن الوقود!".
العنف في ازدياد
إن موجة الاحتجاجات الأخيرة أكثر عنفا وتخريبا من الموجات السابقة، إذ تتعرض الممتلكات العامة والخاصة للتدمير والحرق على أيدي المتظاهرين.
وعلى الرغم من مناشدة الأمم المتحدة للسلطات بعدم استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين، فإن مقاطع الفيديو تُظهر قوات الأمن وهي تطلق النيران باتجاه المحتجين.
وبحسب خبير محلي لدى بي بي سي، أمرت السلطات قواتها "بألا تأخذها بالمتظاهرين أي رحمة، وأن تسحقهم بأسرع وقت".
وتابع: "ولا ينتهي الأمر عند مجرد عدد كبير من الضحايا، بل يمتد إلى اعتقال الآلاف".
ما نجهله
إذا ما كانت المظاهرات مستمرة
يصعب التأكد مما إذا كانت المظاهرات مستمرة، جراء حجب الإنترنت، وعودته البطيئة والجزئية.
كما نجهل ما إذا كان الوضع متماثلا في كافة أنحاء البلاد.
ويقول شهود عيان إن العاصمة طهران تبدو بلا احتجاجات، و"هادئة" في الوقت الحالي.
لكن ثمة حالة من عدم الثقة بشأن ما يجري، إذ يقول أحد السكان إن الأجواء في العاصمة "مشحونة، كأن هناك حرب على وشك أن تبدأ".
إلى أي مدى يمكن الاعتماد على هذه المعلومات؟
تقول خدمة المتابعة الإعلامية في بي بي سي إن حجب الإنترنت يعني "زيادة المصاعب في جمع الأخبار والمعلومات على الأرض، وكذلك التحقق من صحة القليل الذي يصل إلينا أو وقت حدوثه".
كما قال أحد الخبراء إنه عند تحليل عدد من الصور ومقاطع الفيديو "تبين أنها تعود لعامين مضيا. وبعض المقاطع التي نُسبت لإيران كانت من احتجاجات أخرى في وقت سابق في العراق".
من يقف وراء المظاهرات؟
يبدو الحراك وكأنه بلا قائد، ولم يتبن أي من الرموز المعروفة قيادة الاحتجاجات أو إعلان الوقوف وراءها، حسبما قال أحد خبراء بي بي سي.
لكن التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة وتصريحات المسؤولين تقول إن "عناصر خارجية تتلاعب بالمتظاهرين".
وتقول ستون إن الجهات التي تُتهم بتأجيج المظاهرات عادة ما تكون "أنصار الملكية، أو العناصر الخارجية (الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، وحركة مجاهدي خلق التي تروج لخلطة من فكر إسلامي وماركسي".
وأثنى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على قوات الأمن في خطاب عام، لنجاحها في "تحييد مؤامرة شديدة العمق ومتشعبة وخطرة".
وقالت وزارة المخابرات الإيرانية إنها اعتقلت ثمانية "من عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية" أثناء المظاهرات في أنحاء البلاد.
وقال علي عشتري، رئيس قسم مقاومة التجسس في الوزارة، إنه "تم التعرف على واعتقال عدد من العناصر الذين كانوا يحاولون جمع معلومات عن الاحتجاجات الأخيرة، وإرسالها إلى قوى خارجية. ولم يتمكنوا من إتمام مهمتهم".
كم عدد الضحايا والمعتقلين؟ وكيف انتهى بهم الحال؟
لا توجد إحصائيات رسمية بشأن عدد المعتقلين والمصابين والقتلى في موجة الاحتجاجات الأخيرة.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، قدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي) عدد القتلى بـ 161 شخصا على الأقل.
وبعد إعلان الرئيس حسن روحاني الانتصار على مؤامرة "من العدو"، قال عضو بالبرلمان الإيراني إن أكثر من سبعة آلاف شخص اعتُقلوا.
وتقول ستون إن مصير المعتقلين غير معروف حتى الآن، "لكن النيابة طالبت بتوقيع أقصى العقوبات، وثمة مطالبات بإعدامهم من قِبل المتشددين".
لكن السلطات قالت إنها ستفرّق بين المتظاهرين والمخربين، حسبما قالت ستون. "فمن شاركوا في أعمال تخريب، الذين اتُهموا بتلقي تدريب على أيدي قوى أجنبية وأعداء الدولة، يواجهون عقوبات صارمة".