ميري كريسماس


شامة درشول

لم يكن المغاربة يعرفون وهم يتابعون تفاصيل زيارة بابا الفاتيكان للمغرب، واستقباله من طرف عاهل البلاد الذي يحمل في ذات الوقت صفة “أمير المؤمنين”، والاحتفال بقيم التسامح، والتعايش التي طالما افتخر بها أهل المغرب، أنه بعد بضعة شهور فقط سوف يكونون على موعد مع مجزرة هزت البلاد تمثلت في مقتل سائحتين أجنبيتين ذبحا على يد مجموعة من الشباب المتطرف، وأسفرت التحقيقات عن علاقتهم بمواطن سويسري اعتنق الإسلام، وكان يشرف على تدريبهم للالتحاق بتنظيم “داعش”.

خيم الحزن على قلوب المغاربة، واهتزت ثقتهم فيما ظلوا يعتقدون به لعقود، أنهم يعيشون في دولة طالما تغنى أهلها بتعايشهم، وحيت التقارير الدولية تسامحهم، والتزامهم بما شرعه الإسلام من أن لا فرق بين عجمي ولا عربي إلا بالتقوى. ولم تكد السنة تنتهي حتى استيقظ المغاربة على خبر جديد أرعش قلوبهم، وهو تفكيك خلية إرهابية، واعتقال أعضائها الذين كانوا يخططون لإقامة فرع في المغرب لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامي، والأدهى أن المنطقة التي قاموا باختيارها ليست سوى ضاحية مجاورة لمدينة وزان، تلك المدينة التي عرفت بأن أهلها المسلمون كانوا يقيمون جنبا إلى جنب إلى جوار ساكنتها اليهود، وأن النصارى منهم لم يكونوا يشعرون بغربة في وجود نظام حكم يقوم على أن كل المغاربة لهم الحق في ممارسة معتقداتهم الدينية بما يتوافق مع الدستور، وتحت رعاية إمارة المؤمنين.

كاد شبح الإرهاب والتطرف، أن يكون العنوان الرئيسي للأحداث التي عرفها المغرب في هذه السنة، لولا أن هناك دائما ضوء في اخر النفق، ليس بالضرورة أن يكون ضوء قطار قادم، بل شمسا مشرقة تمثلت في أن بابا الفاتيكان اختار أن يزور أرض المغرب أسابيع بعد توقيعه مع الشيخ أحمد الطيب إمام جامع الأزهر ما بات يعرف ب”اتفاقية الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، الوثيقة التي وقعها أربعمائة شخصية دينية، وثقافية، وفكرية، نصت على ضرورة احترام الاختلاف، ووضعت خارطة طريق من أجل عالم أكثر تسامحا، وأقل نزوعا إلى رفض الاخر، ذاك الرفض الذي تستغله جماعات إرهابية حولت عدم قبول الاخر إلى فرصة للاستثمار في الخوف تحول إلى ما أصبح يسمى ب”بيزنس الإرهاب”.

إن كان الجهل، والحقد، ما دفع بشباب يعيشون في قرى فقيرة إلى استباحة دماء امرأتين قدمتا إلى بلدنا من أجل نصب خيميتهما بين جباله، والاستمتاع بما حباه الله به من نعيم، فما الذي يدفع بمواطن سويسري إلى الارتماء في أحضان جماعات إرهابية؟ ما الذي يدفع بنساء أجنبيات يعشن الحرية، والعدالة، في بلدانهن، إلى التخلي عن كل هذا من أجل الاستجابة لنداء تنظيم يدعي أنه سيمنحهم وطنا جديدا قائما على الأخوة، والعدالة، تحت راية واحدة وهي تصورهم المظلم لدين أنزله الله سمحا؟
ستختلف الإجابات على هذا التساؤل من بلد لاخر، ومن حالة إلى أخرى، لكن شيئا واحدا يبشر بأن السنوات القادمة لن يظل الخير يلعب دور الملاك الصامت، ويترك العنان للشر يسيطر على الأحداث، ذلك أن من بين ما أكدت عليه وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك هو حرص الموقعين على تعزيز ثقافة احترام الاختلاف، وحرية الاخر في اختيار وممارسة عقيدته داخل وطن واحد بات الان اسمه العالم، ولم تعد الحدود الجغرافية في زمن العولمة، والانترنت تفصله.

تضرب الوثيقة التنظيمات الإرهابية في مقتل، فحسب عدد من التقارير التي أصدرتها منظمات أمريكية مثل منظمة الأرضية المشتركة، جاء فيها أن من بين الأدوات التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب أعضائها، وتحويل مواطن صالح، إلى إرهابي قاتل، هو ادعاؤها أنها قادرة على منح هذا المواطن الشعور بأنه بطل، وبأن هذا المجتمع لا يمكنه أن يقوم بدون تضحياته، وهو الشعور الذي باتت الدول تهمله، ولم تنتبه وهي تسير نحو الفردانية، إلى أن المواطن خارج المجموعة كالعائلة، والحي، والمدرسة، هو مجرد شخص ضعيف يسهل افتراسه.

فطن الموقعون على الوثيقة إلى واحدة من أشرس أساليب الجماعات الإرهابية، ووعدت في نصوصها بأن تحول هذا العالم إلى منزل كبير يضم عائلة لا يزيدها الاختلاف، والتنوع إلا جمالا.
تطوي هذه السنة أيامها الأخيرة، دون أن ينتبه عامة الناس أنه رغم ما حملته من دماء سفكت باسم التقرب لله، والحمية للدين، إلى أن تهنئة المسلمين على منصات الشبكات الاجتماعية لإخوتهم المسيحيين وعلى خلاف باقي السنوات، فاقت، المنشورات التي تدعو إلى عدم الاحتفال بهذا اليوم، ففي نهاية المطاف الجمال هو الذي يفوز، أما القبح فإنه يقتل نفسه بنفسه، ولذلك، ومهما حاول القبح أن يقاوم من أجل البقاء، الأخوة الإنسانية هي من ستكون المنتصر دوما.

ميري كريسماس على البشرية جمعاء، عيد ميلاد مجيد على الأخوة الإنسانية…

 

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً