بفكر فيك وانا ناسي

الدولة المغربية كان لها فعل استباقي جيد، وملك البلاد يقود لحد الآن الحرب ضد الجائحة باقتدار والدولة المغربية تستحق التنويه، ولكن ليس بالشكل الذي يريد به بعض الخائفين من أن تدوسهم عجلة التاريخ أن يحافظوا به على امتيازاتهم بالتملق الزائف.

نور الدين مفتاح [email protected]

بين كورونا وكورونا، هناك كوفيد 19! أصلا نحن محتجزون في بيوتنا بسبب كورونا. ومن أجل توازننا النفسي، الخبراء يدعوننا لعدم التفكير في كورونا، ودعوتهم هاته هي أيضا لحظة كورونية بامتياز! ومن الخوف المشروع نكاد نحور مقطعا غراميا رائعا لأم كلثوم ونقول لكورونا كرها: بفكر فيك وأنا ناسي!

اكتشفنا شكل مقابض الأبواب التي كانت معنا لسنوات، وأصبحت البيجامات أهم من ربطات العنق أو الفساتين، وانتبهنا إلى عيوب صباغة هنا، وأريكة هناك، وتشقق هنالك.. واختفت بشكل فظيع تلقائية تعاملنا مع الأشياء البسيطة في بيوتنا، بل حصل شرخ في الثقة بيننا وبين مقابض الصنابير، وأزرار المصاعد والحواسيب وأجهزة التحكم عن بعد، فما إن تغسل يديك حتى تعيد الكرة، وبينهما تستعمل سائلا معقما وبجانبك كأس تتساءل هل تم تعقيمه أم لا، وفي داخلك توتر تتصارع معه لئلا يتعاظم التصادم في هذا البيت الذي يكاد يصبح مرعبا.

كورونا في التلفزيون وكورونا في الرأس، كورونا في كل التدوينات والتغريدات، وكورونا في الواقع حجرا أو بطالة أو اختناقا، كورونا على صفحات كل الجرائد وكورونا في كل نقاش أو مكالمة هاتفية أو تأمل.

وما بين كورونا كورونا هناك كوفيد 19! والغريب أنه بقدر ما تنتجه البشرية من ملايير الكلمات للحديث عن هذا الشيء الفائق الصغر، بقدر ما لا يعرف أحد حقيقة هذه الكارثة على وجه التحديد. وأطباء وخبراء العالم يتكلمون كثيرا ولكنه كلام من لا يعلم لمن لا يفهم. ومع استمرار العجز، ها نحن مصابون بالوسواس القهري.

إن السؤال الذي يهرب إليه الإنسان من هذا الضغط الرهيب هو متى سيتم الإعلان عن الانتصار على هذا الوباء؟ وإذا تواضعت طموحاتنا، سنكتفي بالسؤال عن متى سيرفع هذا الاعتقال غير التعسفي عنا لنعود إلى الحياة؟

وإن كنا في الأسبوع الماضي قد اخترنا من ضمن ثلاثة سيناريوهات أوسطها للخروج من الحجر الصحي، فإن من تابع خطاب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون سيكون قد أصيب بالإحباط. وبما أننا نعرف طبيعة علاقتنا بفرنسا، فالإنصات لما يجري هناك قد يفيد بالتأكيد في توقع ما سيجري هنا، حتى إن لم يكن هذا الأمر من باب البداهة، فهو على الأقل من باب النباهة.

وليس المهم هو ما قرره ماكرون من تمديد الحجر الصحي الصارم إلى غاية 11 ماي المقبل، ورفعه تدريجيا إذا تحسنت الأمور، ولا هو استمرار إغلاق كل أماكن الحياة العامة من مطاعم ومقاهي وحانات وقاعات سينما ومسارح ومتاحف إلى غاية 11 يوليوز، ولا أيضا إقرار استمرار غلق الحدود على الدول غير الأوربية إلى أجل غير مسمى – مع التضحية بتسعين مليون سائح سنويا – ليس هذا هو بيت القصيد رغم قساوة القرارات، ولكن الأفظع هو تساؤل الرئيس الفرنسي في نهاية خطابه عن متى ستنتهي هذه المأساة لنعود للحياة العادية؟ الجواب هو أنه سيكون علينا التعايش مع الفيروس لمدة شهور! ولا حل إلا بالوصول إلى لقاح.

لنترجم هذا بالدارجة، علينا في المغرب أن نتوقع من الآن الذهاب إلى شتنبر !! فلا يمكن للدولة المغربية التي تعرف إمكانياتها أن تغامر، وتشدد مبالغ فيه أسلم من مرونة مشكوك في نتائجها، لأن الذي نراهن به ليس هو خطر الموت بالفيروس ولكن خطر الانفجار الاجتماعي أيضا.

إننا في مأزق تاريخي، والدولة المغربية كان لها فعل استباقي جيد، وملك البلاد يقود لحد الآن الحرب ضد الجائحة باقتدار، وكل الأجهزة التي كان معها جفاء في السابق استبدل اليوم بالثقة، وهي تستحق التصفيق والتنويه، من شرطة ودرك وقوات مساعدة وقياد وقايدات ومقدمين وشيوخ وجيش ملكي وأطباء وممرضين ووقاية مدنية، واللائحة طويلة.

الدولة المغربية تستحق التنويه، ولكن ليس بالشكل الذي يريد به بعض الخائفين من أن تدوسهم عجلة التاريخ أن يحافظوا به على امتيازاتهم بالتملق الزائف. لقد بالغوا حد السخرية السوداء، واعتبروا أننا تفوقنا على الدول العظمى، وأننا فلتة زمان، وأن العالم يلهج بكماماتنا واختراعاتنا، وأن الأجهزة المغربية التي استطاعت أن تطيح بأعتى الإرهابيين قادرة غدا على إلقاء القبض على فيروس كوفيد 19 اللعين! وأستسمح على هذا الكاريكاتور التعبيري، ولكنه الوسيلة الوحيدة ليرى هؤلاء المزمرون وجوههم التي تبعث على الشفقة في المرآة.

نحن نعتقد أن أكبر الكوارث تتمخض في أحشائها أكبر الفرص. ومحمد سبيلا، في ملف عددنا حول مغرب ما بعد كورونا، يقول بقلق المفكر وحكمة المجرب وغيرة الوطني، إنه لاحظ أن وعينا التاريخي كمغاربة يتحسن، وأن هذه فرضية تسندها اعتبارات ترجيحية قوية إذا لم نسقط في غياهب الشوفينية والتمجيد التعويضي للذات.

وها هو عبد الكريم بنعتيق، وهو وزير سابق وليس معارضا عدميا، يقول بصدق المناضل أننا بحاجة لبدائل تطبعها الجرأة والشجاعة للخروج من ثقافة الإجماع والإنصات غير المجدي لتوفر شروط اقتصاد الحياة.

ودعوني أختم بما ختم به الأستاذ سعيد بنكراد مقالته الحارة في الملف ذاته من أن المواطن الذي يخاف الدولة لا يمكن أن يحترم القانون، والذي يستجدي دولته، لن يكترث للواجب.

فشكرا جلالة الملك ولعنة الله على المنافقين والانتهازيين.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً