ماذا لو أن هيلاري كلينتون أصبحت رئيسة بدلا من ترامب؟




في عام 2016، دنا الناخبون الأمريكيون بشدة من إيصال هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، وكان نظراؤهم البريطانيون على وشك رفض الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست). فماذا لو كانت الأمور قد سارت على نحو مختلف، وتحقق هذان الأمران بالفعل؟ الآن، يُصوّر مؤلفو بعض الروايات الأكثر مبيعا والمسلسلات التليفزيونية الناجحة عوالم بديلة تستند إلى سيناريوهات افتراضية محيرة مثل هذه. من بين هذه الأعمال رواية تحمل اسم "رودهام"، للكاتبة كيرتيس ستينفيلد، تتصور شكل حياة هيلاري، إذا لم تقترن بالرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.   للتذكرة، بدأت هيلاري - التي كانت ستُبقي في تلك الحالة على اسمها قبل الزواج هيلاري رودهام – السير على درب تحقيق طموحاتها السياسية قبل بيل كلينتون. بالمثل، تدور بعض أحداث رواية "أجنسي" (الوكالة)، لكاتب الخيال العلمي ويليام غيبسون، في عالم أصبحت فيه هيلاري رئيسة للولايات المتحدة، ولم تخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. حقبة رئاسة هيلاري كلينتون المفترضة تشكل كذلك الفترة الزمنية لأحداث الحلقة الأولى من الموسم الحالي من المسلسل التليفزيوني "ذا غود فايت" (القتال الحَقْ)، الذي يدور في أروقة المحاكم وشركات المحاماة، والمفعم في الوقت نفسه بأجواء سياسية. ورغم أنه تبين أن وصول هيلاري للمكتب البيضاوي لا يعدو حلما راود أحد أبطال المسلسل، فقد كان ذلك الحلم جذابا طيلة فترة عرضه على الشاشة.   ولا تخلو العوالم البديلة من مسحة نسوية كذلك. إذ يصوّر مسلسل "فور أول مانكيند" (لكل بني البشر)، الذي تقدمه خدمة "آبل تي في بلس" – التي لا تلقى بالمناسبة التقدير الذي تستحقه – ما الذي كان يمكن أن يحدث إذا استطاع الاتحاد السوفيتي السابق إيصال رجل ثم امرأة إلى القمر قبل الولايات المتحدة.   وفي المسلسل، نرى الرئيس السابق ريتشارد نيكسون – الذي لم يعُرف عنه أي اهتمام بحقوق المرأة – وهو يطالب بأن تمضي بلاده على الدرب نفسه. ويبلغ الخيال النسوي ذروة غير مسبوقة تقريبا، مع أحدث روايات الكاتبة مارغريت آتوود "ذا تيستمناتيس" (الوصايا)، التي تمثل جزءا ثانيا من رواية "ذا هاندمايد تيَل" (قصة الخادمة). وتصوّر آتوود في هذا الجزء انهيار جمهورية "جلعاد" الخيالية المناهضة لحقوق النساء. وفي وقت ربما يكون القراء والمشاهدون قد سئموا الروايات والأعمال المألوفة، والتي تستشرف مستقبلا كابوسيا، فإن الأعمال الجديدة التي تحدثنا عنها في السطور السابقة توفر بديلا لهؤلاء المتلقين، إذ تتضمن سيناريوهات مفعمة بالأمل من جهة، وتتصل بشكل وثيق بالعالم الواقعي من جهة أخرى.   ورغم تزامن طرحها وعرضها مع أزمة وباء كورونا الحالية، فإنها تشكل تذكيرا قويا لنا بأنه كان من المحتمل أن يصبح عالمنا الآن مختلفا بشدة عما هو عليه في اللحظة الراهنة، حال حدوث بعض التغيرات في الماضي. فحتى ظهور تلك الروايات والمسلسلات، كانت الأعمال التي تتناول التاريخ من منظور يغاير ما حدث فيه بالفعل تروي في الغالب قصصا قاتمة عن أوطان يحكمها رؤساء مستبدون. ففي المسلسل التليفزيوني "ذا بلوت أغينست أميركا" (المؤامرة ضد أمريكا)، نرى فاشيا يُدعى تشارلز ليندبيرغ، وقد أصبح رئيسا للولايات المتحدة. وفي مسلسل "هانترز" (الصيادون)، نجد مجموعة من اليهود الأمريكيين وهم يتعقبون نازيين أعادوا تنظيم صفوفهم وعلا نجمهم من جديد – بحسب الأحداث – في سبعينيات القرن العشرين. كما يُصوّر مسلسل "ذا مان إن ذا هاي كاسل" (الرجل في القلعة المرتفعة)، عالما انتصرت فيه ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. وتمثل هذه المسلسلات صفارات إنذار، تحذرنا من المخاطر السياسية التي تواجه عالمنا. لكن الحديث عن عام بعينه مثل 2016 يبدو ذا طابع مختلف، ربما لأننا كنا بالفعل في ذلك العام قاب قوسين أو أدنى من أن نعيش في عالم ترأس فيه هيلاري كلينتون الولايات المتحدة، ويرفض خلاله الناخبون البريطانيون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد تتمثل أهمية ذاك العام كذلك في أن النتائج التي ترتبت على موافقة البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى انتخاب الأمريكيين دونالد ترامب رئيسا، كانت صادمة. وبينما قد يبدو سيناريو انتصار النازيين في الحرب العالمية الثانية عسيرا على التصور، فإن كثيرين منّا كانوا قد تخيلوا بالفعل إمكانية هزيمة خيار البريكست أو فوز هيلاري بالرئاسة، وهو ما يجعل أحداث أعمال تفترض حدوث هذين الاحتمالين أقرب إلى التصديق وإلى الذهن أيضا. وتتسم الرواية التي كتبتها كيرتيس ستينفيلد بأنها الأكثر جرأة في هذا المضمار، إذ تأخذنا في جولة داخل ذهن مُتخيل لهيلاري، وتستخدمها هي نفسها راويةً للأحداث. وبرغم أن كتابة رواية تعتمد على التوغل في ذهن شخص لا يزال على قيد الحياة تبدو فكرة غير موفقة تماما، فإن ستينفيلد نجحت في جعل هذا الأمر مقنعا، تماما كما فعلت في تقديمها لشخصية مُستمدة من شخصية السيدة الأولى السابقة في الولايات المتحدة لورا بوش، في سياق أحداث روايتها "أميركان وايف" (زوجة أمريكية)، التي صدرت عام 2008. ولا تختلف الأحداث الواردة في المقاطع الأولى من الرواية كثيرا عن ما جرى في حياة هيلاري كلينتون بالفعل. وتقدم الكاتبة من خلال هذه المقاطع صورة، تبدو صادقة وكاشفة، لملامح التركيبة النفسية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، على نحو يحدو بك للشعور بأنك تقرأ سيرة ذاتية، لا عملا روائيا. مع ذلك، يكتسي السرد الروائي بطابع حميمي، تفتقر إليه كتب السيرة الذاتية. وعندما نطالع في هذا القسم من الرواية تفاصيل لقاء بيل وهيلاري للمرة الأولى في كلية القانون بجامعة ييل، كطالبيْن ذوي نظرة مثالية للحياة، نشعر بمدى التوافق بينهما جنسيا وفكريا، وذلك خلال انخراطهما في ما تصفه شخصية البطلة في العمل بـ"علاقة رومانسية حافلة بمشاعر النشوة والحيرة معا". ورغم أن بيل لا يشكل الرجل الأكثر وفاء وإخلاصا، بين من يحيطون بهيلاري، فإننا نفهم من خلال الأحداث السبب الذي حدا بها لاتخاذ قرار بأن تتبعه إلى ولاية أركنساس، حيث بدآ حياتهما معا، وانطلقت مسيرته السياسية. بعد ذلك، تختلف مجريات الرواية عما دار في الحياة الواقعية. على أي حال، لن أفسد عليك استمتاعك بالعمل كثيرا، إذا قلت لك إن هيلاري – في الرواية – ستفقد الثقة بـ"بيل"، وتنتقل للحياة في ولاية إلينوي، حيث تبدأ من هناك مسيرة سياسية متميزة. وحتى في هذا الصدد، تعتمد ستينفيلد بدهاء على لمحات من الحياة الواقعية لهيلاري، مع تطويع هذه التفاصيل قليلا لخدمة النص الروائي. إذ تنقل عن بطلتها قولها في ثنايا العمل إن بقاءها زوجة لبيل كان سيجعلها تقضي حياتها في "إعداد البسكويت واحتساء الشاي"، وهو ما استلهمته الكاتبة من تصريح مشابه أدلت به هيلاري في الواقع، وأثار ردود فعل عكسية. كما تجعل ستينفيلد مناوئي هيلاري في الرواية يهتفون ضدها بالقول "أخْرِسوها" على غرار شعار "اسْجِنوها"، الذي كان يردده خصومها في الحياة الواقعية. ومثل أي عمل روائي محكم يقدم تصورا لـ"تاريخ بديل"، تؤدي كل هذه التفاصيل إلى أن نشعر بأن أحداث "رودهام" قابلة للتصديق بشكل كامل. لكن ستينفيلد آثرت أن تُضَمِّن روايتها عنصرا واحدا مغرقا في الخيال، ألا وهو إظهارها لدونالد ترامب، لا كمرشح رئاسي هذه المرة، وإنما كمهرج لا ضرر منه تقريبا. وإذا انتقلنا إلى رواية "الوكالة"، سنجد مؤلفها غيبسون يُصوِّر لنا واقعا سياسيا افتراضيا بديلا، تجري أحداثه في فترتين زمنيتين مختلفتين. إحدى هاتين الحقبتين في لندن في القرن الثاني والعشرين بعد كارثة ما حلت بالعالم، وجعلت الناس يحيطون أنفسهم بالحقائق البديلة، أما الثانية فتتمثل في سان فرانسيسكو عام 2017، حيث عالم مختلف عن ذلك الذي نشهده الآن، تمخضت فيه انتخابات الرئاسة الأمريكية واستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، عن نتائج مغايرة لما حدث في الواقع، وذلك "بفعل تقليص مقدار التلاعب الروسي في وسائل التواصل الاجتماعي". وكأي رواية خيال علمي تحترم نفسها، يشكل الذكاء الاصطناعي محورا لأحداث "الوكالة"، عبر شابة تُدعى فريتي، نراها – في عام 2017 - وهي تختبر تطبيقا جديدا في هذا المضمار. أما لغير المغرمين كثيرا بطابع الخيال العلمي هذا، فتشكل الخلفية الاجتماعية والسياسية للأحداث الجانب الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لهم. ومن وجهة نظر أبطال الجزء الذي تدور أحداثه في القرن الثاني والعشرين من الرواية، تبدو النتائج المغايرة التي أسفر عنها استفتاء "بريكست" والانتخابات الرئاسية الأمريكية "تغيرا إيجابيا". ولا عجب في ذلك بطبيعة الحال. ووفقا لأحداث (الوكالة) لم يعد هناك برلمان في هذه الحقبة المستقبلية، لكن شخصيات المقاطع التي تدور في القرن المقبل واجهت وباءً لم تعانِ منه نظيرتها، التي تظهر في الجزء الخاص بعام 2017. وبالنظر إلى أن الرواية نُشِرَت في يناير/ كانون الثاني الماضي، يبدو واضحا أنها كُتِبَت قبل أن يصبح وباء كورونا جزءا من حياتنا اليومية. وهو ما يجعل هذا العمل بمثابة تذكير واضح بأن بوسع الكثير من العلماء توقع أن كارثة ما على وشك الوقوع. من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن هيلاري كلينتون لا تُذكر بالاسم في الرواية، فإن شخصية الرئيسة الأمريكية، التي تُصوَّر فيها، تبدو مماثلة لشخصيتها بوضوح. فعلى جدران أحد المراحيض، كُتِبَت عبارة "اسْجِنوها"، التي كان يرددها خصوم هيلاري في الواقع كما أسلفنا. كما أن البطلة، فريتي، تتذكر مناظرة يتصرف خلالها منافس المرشحة، التي أصبحت رئيسة في ما بعد في الرواية، على نحو يُذكِّر بما فعله ترامب في إحدى مناظراته ضد هيلاري بالفعل. ليبدو الأمر كما لو كانت فريتي تسترجع المناظرة التي أُجريت بين الاثنين قبل شهر من الاقتراع الرئاسي. ورغم أن هذه الأحداث الخيالية الواردة في (الوكالة) لا تجعل الواقع الكابوسي – الذي تتحدث عنه الرواية – وضعا مثاليا، ولا تخلق عالما أشبه بـ"المدينة الفاضلة"، فإن العمل يقدم لنا واقعا أفضل في تفاصيله من الذي نعيش فيه الآن بالفعل. ويغيب تصور "المدينة الفاضلة" كذلك عن الحلم الذي يراود ديان (كريستين بارانسكي) المحامية المؤيدة لهيلاري والكارهة لترامب، التي تظهر في إطار أحداث (القتال الحَقْ). في الحلم، تصل المرشحة الديمقراطية للرئاسة إلى المكتب البيضاوي. لكن عدم انتخاب ترامب يؤدي بطبيعة الحال إلى ألا تخرج المسيرة النسوية المناوئة له في عام 2017، وألا تتشكل كذلك حركة "مي تو". تأثير الفراشة أما مسلسل (لكل بني البشر)، فيقطع شوطا أبعد على طريق تصوير ما يمكن أن يتغير في العالم، جراء ما يُعرف بـ"تأثير الفراشة"، وهو مصطلح يشير إلى التحولات التي قد يشهدها نظام ديناميكي ما تبعا لتغيرات محدودة قد تشهدها بعض أجزائه. فالمسلسل يتبنى رؤية طموحة على صعيد استكشاف الفضاء، ويتضمن تصويرا دراماتيكيا للحظات الهبوط على القمر. كما يمثل عملا ميلودراميا يعتمد على إبراز تفاصيل حياة أبطاله، الذين تضم قائمتهم أشخاصا حقيقيين عاشوا بالفعل إلى جانب رواد فضاء من بنات أفكار المؤلف. ولذا اصطبغ المسلسل بطابع واقعي، جعله أشبه بعمل درامي يستند إلى الحقائق وحدها، مثل فيلم "فيرست مان" (أول رجل)، الذي يقدم السيرة الذاتية لرائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ؛ أول إنسان سار على سطح القمر. ورغم أن العمل يحمل عنوان (لكل بني البشر)، فإن الجانب الأكبر من حبكته يتعلق – للمفارقة – بنصف المجتمع فحسب، إذ يتناول شخصيات مُتخيلة لرائدات فضاء أمريكيات، يُظهرهن المسلسل وقد انطلقن إلى الفضاء في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، أي قبل عقد كامل من حدوث ذلك في الواقع. لكن الأحداث تبرز في الوقت ذاته الصعوبات التي اكتنفت تحقيقهن لإنجازاتهن المفترضة هذه، إذ نراهن وهن يعانين الأمريْن لكي يصبحن على قدم المساواة مع أقرانهن الرجال. ونرصد شعورهن بعدم الأمان أو عدم الاستقرار كذلك، ونلحظ ما يؤدي إليه ذلك من خسائر تلحق بهن على صعيد علاقاتهن بمن حولهن. وفي العالم البديل الذي يقدمه لنا المسلسل، نرى نيكسون وقد خسر الانتخابات التي أبقته في واقع الأمر في منصبه لفترة ثانية، ليذهب المنصب لتيد كينيدي. رغم ذلك، تُظهر الأحداث أن عهد هذا الرجل، وهو أفضل بالطبع من حقبة نيكسون التي شهدها العالم في الواقع، لم يسر بسلاسة، تماما كما حدث في (القتال الحق). علاوة على ذلك، يحفل (لكل بني البشر) بحالات وفاة كثيرة، نجم بعضها عن حوادث في الفضاء، فيما حدث البعض الآخر، لسبب أو لآخر، على سطح الأرض. وتمثل رواية (الوصايا)، التي نُشِرَت في الخريف الماضي، إحدى اللبنات المحورية لهذه الموجة الأوسع نطاقا من الأعمال الأدبية، ذات الطابع النسوي. وقبل أن نتناول هذا العمل بالتفصيل، ربما يجدر بنا أن نذكر أنه بالرغم من أن مؤلفة الرواية آتوود خبيرة في تصوير سيناريوهات افتراضية ذات طبيعة متفائلة قليلا، كبديل للأفكار سوداوية الطابع التي تسود عادة مجتمعات "ما بعد الكارثة"، فقد خلقت تلك الكاتبة أحد أكثر العوالم كابوسية على الإطلاق في (قصة الخادمة) التي نُشِرَت عام 1985. فقد صوّرت هذه الرواية دولة تحمل اسم "جمهورية جلعاد"، أُنشِئَت بعد حرب أهلية ثانية شهدتها الولايات المتحدة. وبحسب الأحداث، يستغل قادة هذه الدولة الخادمات سبايا للجنس ولإنجاب الأطفال أيضا. وقد بدت أحداث العمل مُنذرة بالشؤم بشكل أكبر، حينما تم تحويله إلى مسلسل تليفزيوني عام 2017، إذ تزامن ذلك مع تزايد المخاطر التي تُحدق بحقوق المرأة على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق، تبدو مارغريت آتوود، عندما تقدم لنا بصيصا من الأمل في (الوصايا)، التي تمضي أحداثها في منحنى يأخذنا من الظلمات إلى النور، أكثر إقناعا من المؤلفين الآخرين، حينما يحاولون بث الأمل في نفوسنا من خلال أعمالهم. وتجري الأحداث الرئيسية لـ(الوصايا) بعد 15 عاما من انتهاء الجزء الأول، ونرى فيها أن "جلعاد" باتت على شفا الانهيار. وتُروى القصة على ألسنة ثلاث شخصيات نسائية، من بينها "العمة ليديا" ذات الشخصية المروعة البشعة، التي ترضى بأن تكون إحدى أدوات الظلم والقهر في يد الطغمة الذكورية الحاكمة. ووفقا للأحداث، تُسطِّر ليديا سرا ذكريات تتناول ما أقدمت عليه في الماضي، على نحو يحفل بمشاعر الندم، وتخطط لمد يد العون لراويتيْن أخرييْن، وهما شابتان إحداهما شبت عن الطوق في "جلعاد"، والأخرى تنتمي لحركة مقاومة السلطة الحاكمة هناك، وقد فرت إلى كندا وبحوزتها أدلة على الجرائم وممارسات الفساد التي تشهدها تلك الدولة. وفي مذكراتها، تدرك ليديا أن تجاهلها وباقي السكان لنذر تصدع المجتمع وتدهور أوضاع المناخ هو ما جعل من الممكن قيام دولة مثل "جلعاد". وتقول بلهجة يكسوها الندم "كان علينا أن ننتبه مبكرا لنذر مثل الفيضانات والحرائق والأعاصير والزوابع والاقتصاد الفاشل والبطالة". ألا يبدو هذا مألوفا بالنسبة لك، ولو بقدر ما؟ لكن إكساب الأعمال الدرامية، التي تتحدث عن سيناريو بديل للتاريخ، طابعا متفائلا لا يكفي على ما يبدو لجعلها محكمة وناجحة. وربما يتضح ذلك من خلال مسلسل "هوليوود" للمخرج الأمريكي ريان ميرفي، الذي يتصور ما الذي كان سيصبح عليه الحال إذا كانت عاصمة صناعة السينما العالمية قد نجحت منذ أربعينيات القرن الماضي في أن تتجاوز كل تحيزاتها القائمة على العرق والجنس، أو على توجهات مثل "رهاب المثلية الجنسية". وربما يمكن لنا القول إن "هوليوود" يصلح لأن يشكل نموذجا لكيفية تقديم عمل درامي رديء المستوى عن التاريخ البديل. رغم ذلك، يبدو هذا العمل الدرامي الساحر - من حيث الشكل - ممتعا بقدر ما، حتى في ظل جُمَلِه الحوارية الركيكة، والأداء التمثيلي المتكلف لأبطاله. فرغم أن "هوليوود" – كعاصمة للسينما - تقوم في الأساس على الخيال، إلا أن المسلسل الذي يحمل اسمها أقل ارتباطا بالواقع من أي قصة خرافية أخرى يتعين على أبطالها تكبد قدر ما من المعاناة لتجاوز الصعاب. فالعمل يُعيد تصور تاريخ صناعة السينما في هوليوود على نحو يجعل بإمكان ممثلة سوداء البشرة القيام بدور البطولة في فيلم ذي ميزانية ضخمة يضم نجوما لامعين، يُنتج قبل نحو ثمانية عقود، ما يفسح لها الطريق للفوز بإحدى جوائز الأوسكار، التي تضم قائمة الفائزين بها أيضا كاتب سيناريو الفيلم المثلي وأسود البشرة كذلك، وأيضا مخرجه الأمريكي من أصل آسيوي. ويبدو الأمر كما لو كان لدى ميرفي عصا سحرية، يمس بها أي عقبة مثل التحيز على أساس عرقي أو جنسي، لتتلاشى في التو واللحظة. لكن مثل هذه الأعمال الروائية والدرامية الجريئة، التي تطرح تصورات بديلة للتاريخ الذي مررنا به، لا توحي بأنه سيكون بوسعنا السفر عبر الزمن إلى الماضي، لكي نمنع ظهور فيروس كورونا المستجد مثلا، أو نحول دون حدوث تحيزات من أي نوع، أو لكي نبطل تأثير تداعيات "البريكست". فـ"كل نظام سياسي يحفل بالثغرات، وكل بيروقراطية فاسدة"، كما يقول مؤلف مسلسل (لكل بني البشر) على لسان ممثل يجسد شخصية العالم الألماني فيرنر فون براون. وتشير هذه المقولة إلى ضرب من الواقعية المفرطة، تحتفي به تلك الروايات والمسلسلات التي تحدثنا عنها سابقا. لكن هذه الأعمال لا تكتفي بذلك على أي حال، بل تقدم لنا أيضا سيناريوهات موضع ترحيب، تشير إلى أن قدرتنا على تخيل ماضٍ مختلف، حتى وإن كان حافلا بالثغرات، سيجعلنا أقرب إلى خلق مستقبل أفضل. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Culture.
مقالات مرتبطة :


إقرأ أيضاً