يوم سقط اليوسفي في انتخابات 1963 بسبب جمال عبد الناصر



انتقل إلى عفو الله الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي بالدار البيضاء، عن عمر يناهز 96 سنة، وترك خلفا رصيدا سياسيا وتاريخيا مهما، وسيرة ذاتية اختير لها عنوان “أحاديث في ما جرى” يبوح فيها الزعيم الاتحادي ببعض من الأسرار والمواقف، وجاء نشر هذه المذكرات بعد ما يشبه العزلة قضاها اليوسفي بعيدا عن السياسة ولا يتحدث فيها علنا منذ اعتزالها سنة 2003.

هذه “الشذرات” من مذكرات عبد الرحمان اليوسفي التي ننشرها يوم وفاته هي محطات من سيرة الرجل منذ ميلاده بمدينة طنجة في العام 1924 إلى حين اعتزاله العمل السياسي في العام 2003، حيث تتضمن معلومات نادرة و بعضها يقال لأول مرة، وخاصة المرتبط منها بالصراع مع القصر و قبوله بترؤس حكومة التناوب التوافقي في العام 1998، وأسرار قبوله بوزير الداخلية إدريس البصري، ثم كواليس إعفائه من طرف الملك في العام 2002 وتعيين إدريس جطو وزيرا أولا.

 – إسقاطي في انتخابات 1963 عقابا لي على منعي لجمال عبد الناصر من القدوم للمغرب

في نهاية شهر مارس 1963، عقد وزير الداخلية أحمد رضا كديرة، ندوة صحافية أعلن فيها إنشاء تنظيم سياسي جديد تحت اسم “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية”، بمشاركة كل من عبد الكريم الخطيب، المحجوبي أحرضان، أحمد العلوي و إدريس السلاوي. وفي نفس اليوم، تم إصدار جريدة يومية بالرباط، باللغة الفرنسية تحت اسم “Clarté” برئاسة السيد الزياني، الذي يشرف أيضا على إصدار أسبوعية “Les Phares”، وقد خصصت الجريدة إصدارها الأول لأهمية تكوين جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية.

أثناء الحملة الانتخابية التشريعية، عقد الزعيم علال الفاسي ندوة صحافية أكد فيها على الخصوص، أن تزوير الانتخابات من شأنه تهييئ ظروف مواتية لاندلاع ثورة، و أعلن أن حزبه قام باتصالات مع قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

غداة هذا التصريح، أي منتصف شهر ماي 1963، وجه الملك الحسن الثاني خطابا عبر الاذاعة و التلفزة، بالدارجة المغربية بمناسبة الحملة الانتخابية، دعا فيه الجميع إلى الهدوء، و أعلن عن إرادته المتمثلة في السهر على حرية و أمن كل واحد، و أكد على أهمية الانتخابات باعتبارها مرحلة حاسمة في تاريخ البلاد.

عرفت أجواء الجملة الانتخابية مضايقة كافة المرشحين الذين ينافسون “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية”، وجاءت النتائج النهائية، لتؤكد أنه بالرغم من عمليات التزوير، لم يفلح ثمانية من الوزراء في الحكومة من النجاح، في حين استطاعت المعارضة فرض نجاح ممثليها في أغلبية المدن الكبرى المغربية.

غداة الانتخابات عقد كل من عبد الرحيم بوعبيد و المهدي بنبركة ندوة صحفية، استعرضا خلالها عمليات التزوير التي قامت بها السلطات، كما عقد الزعيم علال الفاسي ندوة صحفية فضح فيها أساليب التزوير وطالب بحل الحكومة.

أعلن وزير الداخلية رضا كديرة عن نتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب المكون من 144 عضوا وقد كانت النتائج كالتالي: 69 عضوا للجنة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، 41 عضوا لحزب الاستقلال، 28 عضوا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية و 6 أعضاء مستقلين.

نجح كل أعضاء الأمانة العامة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين ترشحوا للإنتخابات التشريعية، وفيما يخصني، رشحني الحزب بمدينة طنجة، حيث قمنا بحملة نظيفة أفضت إلى الحصول على أغلبية مريحة من الأصوات، لكن سرعان ما غيرت السلطات على الصعيد المركزي تلك النتائج و أعلنت عكس ما أسفرت عليه صناديق الاقتراع.

قام وزير الداخلية السيد أحمد رضا كديرة، في نهاية شهر ماي، بتسجيل دعاوى قضائية ضد الصحف الوطنية: “التحرير”، “العلم” و “La Nation Africaine”. و أعلنت جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية أن جريدة “Clarté” التابعة لها، ستتوقف عن الصدور مؤقتا.

ولقد أخبرني مصدر، ممن كانوا على اطلاع بطرق الانتخابات آنذاك، أن عملية التزوير تمت بطريقة سلسلة، بحيث يتم تغيير الأصوات التي حصل عليها المرشح الفائز إلى المرشح الذي ترغب في نجاحه الادارة، وتحول الأصوات التي حصل عليها هذا الأخير إلى المرشح الآخر، بحيث تتم العملية في تبادل الأصوات بين الطرفين بكل سهولة. وهكذا يظل عدد الأصوات المعبر عنها كما هو. مضيفا: “رغم أنك نجحت في الانتخابات بمدينة طنجة، فقد تم تغيير النتيجة لصالح الطرف الآخر الذي هو الشريف الوزاني، عقابا لك على التدخل الذي قمت به بالجزائر في نهاية شهر ماي 1963.

بالفعل، كنت في زيارة خاصة للجزائر حينها، وبعد أن استقبلني الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، أخبرته أن الرئيس جمال عبد الناصر يستعد لزيارة المغرب في هذه الفترة، ونحن في غمار خوض الحملة الانتخابية لمجلس النواب، وتنوي الحكومة استغلال زيارة جمال عبد الناصر للمغرب في حملتها الانتخابية، للتغطية على حملات الاعتقالات في صفوف أحزاب المعارضة، وطلبت منه الاتصال بالزعيم المصري ومحاولة اقناعه بتأخير زيارته للمغرب إلى ما بعد انتهاء الانتخابات.

اتصل بن بلة بعبد الناصر، وفاتحه في الموضوع، فرد عليه جمال عبد الناصر أنه يوجد على متن الباخرة، و أنه غادر المياه المصرية متوجها إلى المملكة المغربية، فطلب منه أن يحول الاتجاه إلى الجزائر الحديثة العهد بالاستقلال باعتبار أنه زاز المغرب بعد استقلاله سنة 1961، وهذا ما حصل فعلا.

هكذا فقد حالف النجاح كل أعضاء الكتابة العامة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي ترشحوا للإنتخابات التشريعية، وكنت الاستثناء الوحيد. من حينها، قررت ألا أترشح على الاطلاق في أي استحقاق انتخابي كيفما كان، وهو ما التزمت به إلى الآن.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً