“لا تدوز على الواد السكـوتي”

إننا ننتظر دخولا استثنائياً بعد جائحة قاصمة، ولا أعرف كيف أترجم هذا الشعور المضبب بداخلي والذي أتمنى من الله أن يكون مجرد حالة شخصية وليس سحابة حقيقية تظلل سماء المملكة ولا نعرف متى ولا بماذا ستمطر. إيوا.. الله يحفظ بلادنا وخلاص.

نور الدين مفتاح [email protected]

 

 

عندما كانت الدولة في الأيام الماضية تنسج خيوط أكبر ترقيع لما فعلته جائحة كورونا بالجلباب الاقتصادي والاجتماعي المغربي، لم يكن صدى هذا الحدث الجلل يتجاوز أسوار مجلسي النواب والمستشارين. لقد خرج الناس من الحجر وانتشروا هائمين لرتق ما فـتـقـتـه الكورونا في حياتهم العادية. أكثر من عشرين مليونا من المغاربة كان عليهم أن يبحثوا عن عرباتهم المجرورة أو فراشاتهم في الأسواق أو عن زبنائهم في البيوت أو عن تسخين الدماء في عروق دكاكينهم أو متاجرهم أو مواقفهم المهنية أو أعمالهم الصغيرة أو وظائفهم التي تضمن لهم شظف العيش.

 

الأسبوع الكامل من المجلس الوزاري الاثنين ما قبل الماضي إلى المصادقة على القانون التعديلي للمالية، مروراً بالمجلس الحكومي وماراطون لجنة المالية البرلمانية، كان امتحاناً عسيراً رسمت فيه الدولة تصورها لمعالجة آثار الجائحة على المملكة ظرفياً. وأكرر أن اهتمام الناس بكيفية التعامل مع كماماتهم كان أكبر من اهتمامهم بهذا الموضوع المصيري، الذي كانت تتناطح فيه الملايير المخصصة لهذا القطاع أو ذاك، ويرسم فيه وزير المالية لوحة جديدة لميزانية دولة بحاجة إلى ترميم.

 

إن الأوراق والأرقام مجرد فرضيات تعكس اختيارات لن تصح إلا بعد اختبارها على أرض الواقع، والكثير من محترفي التطبيل لا تجد بين أيديهم إلا كلمات التبجيل للخوارق المغربية، وفي المقابل لا تجد في يد بعض العدميين إلا اللون الأسود، والإنصاف يدعو إلى الحكم على الشيء لنفسه لا لنفسك.

 

ودون تهوين ولا تهويل، نعتقد أن الجائحة التي ضربت بلادنا تزامنا مع سنة جفاف قاسية ستكون مؤلمة بالنسبة للمغرب والمغاربة، وقطاعات عديدة لن تنهض إلا بعد سنين رغم ملايير الدعم الحكومي، وهذه الجائحة بالتأكيد لن ترهن اختيارات الدولة خلال الولاية الحكومية الحالية فقط، ولكن ستكبلها في ما ينتظره البعض كأول حكومة بدون رأس إسلامي لما بعد الربيع المغربي ودستور 2011.

 

والغريب أن نفس ما وقع مع أخطر قانون مالية في تاريخ العهد الجديد من لامبالاة شعبية، وقع مع الإعلان عن التشبث بنفس التواريخ الدستورية للانتخابات العامة بالبلاد. إننا على مشارف مرحلة حاسمة كانت مخاضاتها السابقة كلعبة شطرنج معقدة، فهذا الحزب الإسلامي الذي نجا من أن يُحل بأعجوبة في 2003 عقب تفجيرات 16 ماي رجع ليقود الحكومة في أكبر انقلاب سياسي لم يكن ليتصوره أكبر مخرجي أفلام الخيال العلمي، بسبب تداعيات ما عرف بالربيع العربي رغم نزول السيد فؤاد عالي الهمة شخصيا لميدان العراك الحزبي، قبل إقفاله عائدا إلى البلاط.

 

وقد وجد عبد الإله ابن كيران نفسه يقود حكومة صاحب الجلالة في صورة مثيرة جعلت المغاربة يعودون للاهتمام بالشأن السياسي، لأن المباراة كانت غير مألوفة ومشوقة، ولأن رئيس الحكومة كان ظاهرة خطابية فريدة. وجاءت انتخابات أخرى زادت غير المنتظر قوّة بحيث لم يكن أحد يتصور أن ينهزم إلياس العماري بكل ما أوتي من أموال ونفوذ وموالاة من شباط ولشكر وغيرهما، ويعود ابن كيران، إلا أن رأس هذا الرجل كان قد طار قبل أن يحصل حزبه على 125 مقعداً! لأسباب جزء منها ظاهر معروف وجزء آخر في التقاليد مألوف وجزء لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.

 

وعندما جاء العثماني كان يحمل معه نقيضه في عنقه وهو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أريد له أن يعوض كفة الميزان الفارغة بعد انسحاب إلياس، وبدأت الحكاية المعروفة في حكومة الإسلاميين الثانية، إلا أنها صارت باردة بسبب طبيعة شخصية رئيس الحكومة الأقل ميلا للمواجهة، وبحكم طبيعة خصمه الجديد عزيز أخنوش الأقل ميلا للإثارة مقارنة مع سلفه العماري.

 

إن مباراة انتخابات 2021 تلوح وكأنها مباراة ستدور بلا جمهور أو بجمهور فاتر يحضر مقابلة حبية لا رهان فيها. ولنسأل أنفسنا الآن لنختبر وقع النتيجة: ما الذي سيتغير إذا جاء العدالة والتنمية في الصدارة، أو احتلها غريمه التجمع الوطني للأحرار؟ أعتقد أن الأمر كما يبدو للعبد الضعيف اليوم سيّان، فما دام الجميع في تحالف واحد فأولاد عبد الواحد أصبحوا كلهم واحدا. وربما المفاجآت ستأتي من بعض الأحزاب التي أهدرت تاريخها ونخوتها النضالية المأسوف عليها في الطواف على الموائد، حتى أنها قد لا تجد مرشحاً يحمل لونها فما بالك بأن يتم التصويت عليها، والعيب ليس في التنظيم أو الفكرة ولكن في قيادات أسكرتها الأنانية حتى طفح بالشامخين الكيل فتراهم يقرأون اللطيف.

 

نعم، الناس سيعزفون على وتر العزوف لأن السياسة في البلاد لا تغري، والمواطن عاد إلى الدولة الراعية، والأزمة الكوفيدية انبثقت منها يد الإدارة التي تبين أنها وحدها تملك مفاتيح تدبير الشؤون العامة للمواطنين. والغريب أنه في الوقت الذي فجرت حالة الطوارئ بكل محتوياتها صورة المغرب العميق بكل تجلياته السياسية والاجتماعية والترابية، في الوقت الذي تستمر فيه لجنة السفير شكيب بنموسى في البحث عن نموذج تنموي جديد بالفتيل والقنديل في الهضاب والجبال والسهول! وقد اكتشفت في أول قطرة من غثيها أن المغرب يعاني من مشكل ثقة بين المجتمع والدولة، وأنه لابد من الاهتمام بالصحة والتعليم والتشغيل والتكنولوجيا. شكرا على انتباهكم!

 

وسيسلم السيد بنموسى كتابه لرئيس الحكومة المقبل، حمامة كان أو مصباحاً أو فراشة ليجد الحل السحري للعمود الفقري للمشاكل البنيوية والهيكلية.. بلا.. بلا.. بلا… للمملكة حتى يعود المواطنون والمواطنات إلى الاهتمام بما تفعله نخبة ثلثها في دماغه لاقط هوائي مثبت اتجاه فرنسا وثلتها في دماغه لاقط لكل مغنم أو هميزة والثلث الأخير متهم إلى أن تتم إدانته.

 

معذرة على هذه الصورة التي تكاد تكون عدمية، وأنا الذي نبهت في البداية من لعبة الفسطاطين، إما العام زين أو لكل شيء أنين، ولكن تقتلني هذه البرودة المجتمعية اتجاه الشأن العام التي لا أرى لها مثيلا في ما أتابع، بل إن هذه اللامبالاة مخيفة والمغاربة يقولون في المثل الشعبي «دوز على الواد الهرهوري لا تدوز على الواد السكوتي».

 

إننا ننتظر دخولا استثنائياً بعد جائحة قاصمة، ولا أعرف كيف أترجم هذا الشعور المضبب بداخلي والذي أتمنى من الله أن يكون مجرد حالة شخصية وليس سحابة حقيقية تظلل سماء المملكة ولا نعرف متى ولا بماذا ستمطر. إيوا.. الله يحفظ بلادنا وخلاص.

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. سعيد

    المحلل ناقش المشاكل ولم اقل التوقعات لان التوقعات في مجملها تبنى على دراسات من مختصين.لكن اين هي الحلول كنت اتمنى ان يبدع ويرسم للبلاد خريطة النجات ولما لا تكون الهاما لدول أخرى، ام نكون نقادا امام الملأ حتى لانفسنا و يكون الفعل هو النقيض تماما في خلوتنا. كفانا من وأد الأمل في شبابنا ومارسوا خطاب شحد الهمم وحببوا الوطن لأبنائه وربوا اجيالا صالحة وهذه هي التنمية الحقيقية.

  2. مواطن

    المعتقد أن المسألة ليست في التوصيفات ولا في التوقعات بل هي في المسؤوليات والمحاسبات من يحاسب من؟؟

اترك تعليق


إقرأ أيضاً