هكذا أًصبحت الدبلوماسية الرياضية أكثر نفعا من التحركات السياسية



ظل الحديث على العلاقة بين السياسة والرياضة لسنوات محصور في توظيف الرياضة لأغراض سياسية وانتخابية بالأساس، لكن العلاقة بدأت تأخد مفهوما جديدا بعدما اصبحنا نتحدث عن الدبلوماسية الرياضية ضمن أشكال الدبلوماسيات الناعمة.

 

منذ بداية مأسسة الرياضة في القرن التاسع عشر، ارتبطت بشكل وثيق مع التغيرات السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، واستعملت لتمرير رسائل سياسية، فمثلا نجح أدولف هتلر في تلميع صورة النظام الألماني بشكل كبير عندما قرر تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في نسختها الحادية عشر عام 1936 بدولة ألمانيا، كما استغل بينيتو موسوليني تنظيم كأس العالم والفوز للمرة الأولى في تاريخه، في حساباته السياسية، وساعدت أولمبياد 2008 الصين في خلق صورة لنفسها كدولة اقتصادية عالمية قوية.

 

بيد أن الأمر مغاير في المغرب حيث انتبه إلى أهمية الرياضة في تقريب وجهات النظر، والانفتاح على الآخر، ليخدم قضيته الوطنية الأولى، واصر على الحضور في جميع المنافسات القارية، وتنظيمها، والحضور في جميع المؤسسات الرياضية، كما انتبه إلى أن هذه التجمعات أصبحت أكثر نفعا على المستوى السياسي، واشد وقعا وتأثيرا في مواقف المسؤولين الافارقة خاصة، وباتت البعثات المغربية، سواء تعلق الأمر بمسؤولين أو ممارسين، تلعب دور سفراء فوق العادة لقضايا سياسية واجتماعية هامة.

 

تمكن المغرب من نسج علاقات رياضية جيدة مع مجموعة من الاتحادات الإفريقية، على خلاف العلاقات السياسية معها، فمثلا ظفر المغرب بأصوات جميع أعضاء الاتحاد الإفريقي لكرة اليد لتنظيم كاس أمم إفريقيا لكرة اليد 2022 في مدينتي العيون وكلميم، ومنها الجزائر وبعض الدول، التي لا تعترف بسيادة المغرب على صحرائه.

 

وسبق لفوزي لقجع أن قال إن التوجه القاري للجامعة هو تكريس علی أرض الواقع لسياسة الملك محمد السادس في بعدها الافريقي من خلال تعاون جنوب جنوب وهو خارطة الطريق التي تتبعها الجامعة من خلال الحرص علی التواجد بشكل مشرف في المحافل القارية، وتدعيم الحضور إفريقيا من خلال التمثيلية بالكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم.

 

ويرى الدكتور منصف اليازغي الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية أن الحديث في السنوات الماضية كان حول توظيف السياسة في الرياضة لأغراض سياسية وانتخابية، لكن اليوم أصبحنا أمام مفهوم استخدام الرياضة للتأثير على المواقف السياسية وتوطيد العلاقات الدبلوماسية، مشيرا إلى أن الأمر ليس جديد، بل بدأ منذ سنوات خلت، حيث كان الملك الحسن الثاني، بالإضافة إلى ولعه بالرياضة، يوظفها لغايات سياسية داخلية وخارجية، كتنظيم كأس السوبر المغربي أو الكاس الممتازة آنذاك شهر مارس من سنة 1976 بمدينة العيون بمناسبة المسيرة الخضراء التي فاز بها نادي شباب المحمدية، أو تنظيم ألعاب البحر الابيض المتوسط في عز الأزمة الاقتصادية، لتوجيه رسائل سياسية للعالم.

 

وقال اليازغي، في حديث مع “الأيام 24″ إن المغرب استغل هذا المعطى بشكل كبير تاريخيا، وبشكل أوسع منذ تولي فوزي لقجع رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي قطع مع سياسة الكرسي الفارغ، من خلال الحضور في المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي الذي غبنا عليه منذ 2004 وما صاحبه من تحركات دبلوماسية على أعلى مستوى في القارة الإفريقية تلتها مجموعة من اتفاقيات الشراكة التي مهدت لعصر جديد في التعاطي مع إخواننا في إفريقيا وهي التي ساهمت بشكل كبير في فوز أحمد أحمد برئاسة الكاف بدعم من فوزي لقجع، مضيفا أن هذا الحضور تأكد حتى في اللجان المسيرة للعبة في الكاف، ومن خلال المشاركة في جميع المسابقات الممكنة بما فيها كأس إفريقيا للمحليين التي ينزل فيها المغرب بكل ثقله، على عكس تونس ومصر مثلا، على الرغم من الانتقادات التي يتلقاها.

 

وأكد الباحث الرياضي، في تصريح لـ”الأيام 24” أن مشاركة المنتخب في الشان لها ابعاد سياسية، مضيفا أنه لن يستغرب إن شارك المغرب في بطولة غرب أفريقيا للأمم مستقبلا، فالهدف من التواجد الرياضي في كل التظاهرات أصبح واضحا، هو توطيد العلاقة مع القارة والحضور بشكل مكثف في التظاهرات التي باتت أكثر نفعا، وتأثيرا في القضايا السياسية.

 

وأشار اليازغي إلى أن تنظيم اللقاءات الرياضية في الأقاليم الجنوبية كان منذ عهد الحسن الثاني، فقد سبق لمنتخب السيراليون أن لعب مباراة ودية مع شباب الساقية الحمراء في العيون سنة 1985، ثم ارتفعت الوتيرة في السنوات الأخيرة مع تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل الصالة في 2019 في العيون الذي اعتبره إنجازا تاريخيا، له أبعاد سياسية كبيرة، تفرض على مجموعة من الدول الإفريقية المعادية للوحدة الترابية للمملكة اللعب في أراض مغربية لا تعترف بها، مضيفا أن تنظيم كأس إفريقيا لكرة اليد 2022 في الصحراء المغربية سيكون لها وقع كبير على الدول المشاركة، وستساهم في مسار الدبلوماسية المغربية الرامي إلى التعريف بقضيته الوطنية بشكل أكبر والتأثير في مواقف بعض الدول.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً