شهادة المنقذ الحقيقي للحسن الثاني .. الإستعدادات بالمدرسـة والطريق إلى الصخيرات



إجراء حوار مطول من هذا الحجم عن انقلاب الصخيرات، بعد مرور عقود من هذه الواقعة، ليس بالأمر الجديد، فقد سبق أن خرج إلى العلن مجموعة من الضباط وضباط الصف والتلاميذ المشاركين في الكابوس الذي عاشته المملكة يوم 10 يوليوز 1971 للحديث عن تفاصيل ما جرى، لكن في هذا الحوار مع الكولونيل كنوش محوش، سنكتشف رواية مختلفة وتفاصيل تروى لأول مرة وأخرى لم نسمع عنها من قبل، فلمدّة 47 سنة قرر محاورنا أن يختار لغة الصمت حيث كثر الكلام، بحكم اشتغاله في الدرك الملكي وهي واحدة من المؤسسات البكماء في مملكة الشرفاء العلويين. وبعد 6 سنوات من تقاعده قرر أن يخرج إلى العلن على مضض تحت ثقل إلحاحنا، ليقول أنه هو المنقذ الحقيقي للراحل الحسن الثاني في انقلاب الصخيرات، ويروي مجموعة من الوقائع غير المسبوقة على غرار إشهاره رشاشه في وجه الملك ثم كيف أقنعه الحسن الثاني بدهائه الخارق بالاصطفاف إلى جانبه وما شاهدته عيناه من مجازر ودماء وأشياء أخرى.

 

فشِلَ الانقلاب ومات اعبابو والمدبوح والعشرات من الطلبة والمدعوين ونجا الحسن الثاني بأعجوبة كما فعل في أكثر من مرة قبل واقعة الصخيرات وبعدها. فشل هذا الانقلاب أحدث “انقلابا” آخر في مسار وحياة محاورنا، فقد رقاه الحسن الثاني نظير خدماته من مجرد “رقيب” إلى رتبة “ليوتنان كولونيل”، بعدما منحه نفس النياشين التي كان اعبابو يضعها على صدر بزته العسكرية، ليصبح في ما بعد وهو العسكري البدوي البسيط مقربا من القصر ويحظى بعطف أقوى شخص في المملكة، لدرجة أن الملك كان يستدعيه بين الفينة والأخرى لإقامته الخاصة في حي السويسي أو في قصر الصخيرات، ويغدق عليه بالعطايا، ويقول أن إدريس البصري رفض أن ينفذ تعليمات الملك. وهذه حكايته مع الانقلاب والحسن الثاني وجنرالات وضباط الانقلاب ومع عناد إدريس البصري ومحنه مع مكائد الخصوم والحساد على الرغم من أن المثل يقول اللهم أكثر من حسادنا.

 

الجزء الثاني

 

الإستعدادات بالمدرسـة والطريق إلى الصخيرات

 

صف لنا الاستعدادات التي عرفتها مدرسة «أهرمومو» على مقربة من انقلاب الصخيرات الذي تم تنفيذه يوم 10 يوليوز 1971؟

 

تقريبا منذ 3 أو 4 أشهر قبل هذه الواقعة، كان التلاميذ يخضعون لتدريبات مكثفة، أنا كنت حينها برتبة «رقيب» رئيس مجموعة، إدارة المدرسة حددت مسبقا العدد الذي سيذهب لتنفيذ هذا المخطط، وقسموا التلاميذ على شكل كتائب، وكانت الاستعدادات تجري بشكل رهيب، إلى درجة أنهم كانوا يفرضون على التلاميذ التدرب جوعا من أجل تعويدهم على قوة التحمل، وأن يبحثوا عما يأكلونه ولو تعلق الأمر بأكل العشب، إضافة إلى تعويدهم على قطع الوديان والجبال.

 

أنا شخصيا كنت أتساءل عن جدوى هذه التدريبات الشاقة، خاصة وأنه من المعروف أن المغرب في تلك الفترة كان من المستبعد أن يدخل في حرب عسكرية، على مختلف الواجهات.

 

تحدثت لنا الآن عن الإعداد البدني.. فماذا عن الإعداد اللوجستيكي؟

> اليوتنان كولونيل اعبابو جندت له إمكانات هائلة جدا، كانوا يمدونه بما يريد. كان في المدرسة حوض صغير يتم ملؤه في أيام الحفلات بالمشروبات الغازية، مساحة هذا الحوض تقريبا في حدود 100 متر مربع، فتم ملئه بالذخيرة الحية، شكل ذلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا، وأمرنا أن نحمل ما نشاء من الأسلحة على حساب التحمل البدني لكل واحد منا.

كم من الأسلحة حملت أنت مثلا؟

> كنت محملا بما فيه الكفاية، كأي عسكري في جبهات الحرب والقتال.

 

صف لنا الخروج من أهرمومو في اتجاه الصخيرات.. العديد من زملائك تحدثوا عن هذه اللحظة، نريد أن نستمع إلى روايتك أيضا؟

> في الحقيقة لم نكن نعرف الوجهة التي سنسير إليها، لكن الأمر الغريب هو أننا كنا ننتظر أن يتم إخبارنا بطبيعة عملنا، في اللغة العسكرية كنا نسميه بالفرنسية «Le Thème»، أنا كنت نائب رئيس الكوموندو رقم «i»، غير أن رؤساء الكوموندو رفضوا أن يخبرونا بطبيعة هذه المهمة العسكرية، فبدورهم كانوا يخبروننا أنهم لا يعرفون طبيعة المهمة، في حدود الساعة الثانية والنصف صباحا حل وقت تناول وجبة الفطور، في باقي الأيام كنت أتناول الفطور بشهية مفتوحة، في ذلك اليوم شعرت بإحساس غريب، كانت الوجبة تتكون من عدة مكونات من بينها «القهوة»، وهي ستصبح لغزا في ما بعد، وسأتحدث عنها بالتفصيل، يومها لم أتناول القهوة «اللغز» واكتفيت بتناول الجبن والشوكولاطة وقطعة صغيرة من الخبز، وحملت معي بعض الأشياء لتناولها في الطريق على غرار الليمون وعلبة سردين وأشياء أخرى، لكن في مقابل ذلك شاهدت التلاميذ يتناولون القهوة بشراهة.

 

صعدنا الشاحنات العسكرية، كانت الوجهة مجهولة بالنسبة إلينا، لما وصلنا إلى منطقة زكوطة، التي توجد بين مدينتي فاس وسيدي قاسم، ترددت أخبار حول أننا سنتوجه إلى بنسليمان، لما وصلنا إلى منطقة بوقنادل على متن شاحنات عسكرية من الطراز الرفيع، فاعبابوا كان يتم منحه أي عتاد عسكري ولوجستيكي يريد، ولا أحد كان يحاسبه، لما توقفنا في بوقنادل أمرونا بعدم النزول، كما أمرونا بإنزال «باش» الشاحنات العسكرية الذي أزلناه حتى يستفيد التلاميذ من التهوية، كما أمرونا بالتأهب وأن نضع أيدينا على زناد الرشاشات تحسبا لأي خطر ممكن، ولما ينطق المسؤول عبارة «Feu» سيتم إطلاق النار.

 

استمررنا في طرح الأسئلة المحرجة حول وجهتنا، فترددت أخبار أخرى تقول إن خلية مراكش التي كانت تريد قتل الحسن الثاني انتقلت إلى بنسليمان وتقوت بشكل رهيب، إنهم يزحفون في اتجاه القصر الملكي في الصخيرات ويهددون حياة الملك الحسن الثاني، فنقلت بدوري هذه المعلومات التي تلقيتها من رئيسي لتلامذتي على متن الشاحنة العسكرية.

 

تحركت القافلة العسكرية ووصلت إلى مدينة الرباط التي دخلتها هذه الشاحنات دخول الفاتحين، مررنا من شارع الحسن الثاني، أكثر من ذلك كان رجال الشرطة يوجهون إلينا التحية العسكرية، ويسهلون مرورنا، إلى أن وصلنا إلى «وادي إكم» الفاصل بين تمارة والصخيرات، نظرت من نافذة المقصورة، فرأيت سيارة للدرك الملكي، فتعالى إلى مسامعي صوت الرصاص الحي، فرأيت دركيا ساقطا على الأرض.

 

استمررنا في المسير إلى أن وصلنا إلى قصر الصخيرات، وهو من القصور المفضلة للحسن الثاني، وفيه يقضي أوقاتا طويلة خاصة في فصل الصيف، كانت الخطة التي وضعها الكولونيل اعبابو ومن معه تقضي بأن يدخل جزء من الكوموندوهات من الباب الرئيسي للقصر ويدخل الجزء الثاني من الباب الخلفي المحاذي لفندق «L’amphitrite».

أنا كنت ضمن الكوموندو رقم (i)، دخلت القصر من الباب الرئيسي المقابل للمشتل، والواضح أننا لم نطبق الخطة الفرنسية في مواجهة الخصم، والتي تقضي بتثبيت الخصم أولا وبالتالي القضاء عليه، وهذه الخطة ناجعة عسكريا، غير أن من خططوا لهذا الانقلاب الفاشل استعانوا بخطة حربية على الطريقة الروسية، حيث تتم محاصرة العدو على شكل كماشة (Pince)، لذلك دخل البعض من الباب الرئيسي ودخل البعض الآخر من الباب الخلفي، ولما دخلنا تقابلنا، وهذه الخطة العسكرية ناجعة أيضا لكن لها بعض السلبيات لأنه إذا بدأت عملية إطلاق النار يمكن للجندي أن يصيب صديقه المتواجد في الطرف الآخر بالنيران الصديقة، وهنا يتضح أن من خططوا للانقلاب أرادوا ضرب عصفورين بحجر واحد، كان هدفهم أن يتم الاقتتال ويسقط الضحايا بينما هم سيتكفلون بالقبض على الملك الحسن الثاني وإعلان نجاح الانقلاب.

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. عمر

    القصة غير كاملة عندما كان يوجه رشاشه للحسن الثاني ماذا قال له الملك وكيف أقنعه الا يطلق النار في تجاهه؟

اترك تعليق


إقرأ أيضاً