عشر حجج في مرافعة من أجل التهدئة

مصلحة الشعب المغربي في أن تكون له علاقات جيدة مع جواره الصعب، ومصلحة المتوسط أن تكون الكلمة العليا فيه هي التعاون، ومصلحة أوربا هي أن يكون المغرب قويّا وكريما لا ضعيفا ومهانا، وهذه هي المعادلة الوحيدة لاستمرار التعايش بين الضفتين.

نور الدين مفتاح [email protected]

لم تقصّر الصحافة الإسبانية ولم نقصر نحن كذلك. هي أزمة بين مملكتين متجاورتين مؤسفة ومؤلمة، ولكن بُذورها موجودة دائما ما بين ثنايا التاريخ وملابسات الحاضر ومطامح المستقبل. الجغرافيا تنفذ فينا حكم المؤبد والتاريخ متلاطم بين مد وجزر. هي أزمة غير مسبوقة بقوتها وعنفها وربما هي أعمق من أزمة جزيرة ليلى لـ 2002، إلا أنها تبقى أزمة محكوما عليها بالطبيعة أن تكون لها بداية وأن تكون لها نهاية.

وبعد كل التصعيد المشروع الذي عشناه في بلادنا، وكل التصعيد الذي عاشته إسبانيا، أعتقد أن الوقت قد حان للشروع في حزم حقائب الغليان، والتهييء لما بعد هذه المواجهة التي لن ينساها التاريخ. مصلحة الشعب المغربي في أن تكون له علاقات جيدة مع جواره الصعب، ومصلحة المتوسط أن تكون الكلمة العليا فيه هي التعاون، ومصلحة أوربا هي أن يكون المغرب قويّا وكريما لا ضعيفا ومهانا، وهذه هي المعادلة الوحيدة لاستمرار التعايش بين الضفتين.

إن آفة تأجيج الأزمات هي الخلط، ولم يسبق أن حصل في ملف من الخلط كما جرى مع الجارة الإسبانية. فقد ابتدأ الأمر بكشف الاستخبارات الخارجية المغربية دخول زعيم الانفصاليين في حالة صحية حرجة إلى إسبانيا باسم مستعار. هذا لم يثر حفيظة الدولة المغربية فقط، وإنما فجر غضبها كما سنرى من خلال ردود الفعل التي توالت. وقد فهمنا جميعا أن ما كان يربط الدولتين، مما هو معلوم وما هو من أسرار الحكم، كان من العمق بحيث إن إدخال إبراهيم غالي باسم بن بطوش كان طعنة خنجر في ظهر المغرب. لم تفهم حكومة سانشيز هذا البعد السيكولوجي في السياسة الثنائية، وتصرفت وكأن الأمر يتعلق بسهو وظيفي لا يستحق الالتفات. وهنا بدأت قطع الدومينو تتساقط إلى أن حدث ما حدث في باب سبتة من صور مؤلمة لقاصرين يقتحمون الحدود مما أضر بنا وبصورتنا، وما استغلته إسبانيا بشكل ماكر إلى أن اختلط الحابل بالنابل وأصبحت الرباط تبذل مجهودا خارقا لتعيد الرأي العام الوطني والدولي إلى الموضوع، أي إلى بن بطوش وقضية دولة تستسيغ أن تهرب رئيس جبهة مقاتلة ضد دولة جارة ضدا على القانون والأخلاق والأعراف وحسن الجوار والملح والطعام.

كانت هذه المحاولات المغربية صعبة وشاقة لأن موضوع الهجرة والقصر حساس جدا على المستوى الأوربي، إلا أن إسبانيا زادت في المكر ليتحول إلى خبث، ونقلت المعركة إلى الاتحاد الأوربي وتم فتح ملفات وجبهات لم يكن أحد يريد أن يخرجها من علبة الباندورا، وها هي خرجت وعلى رأسها احتلال المدينتين السليبتين سبتة ومليلية.

وعلى الرغم من لجوء إسبانيا إلى البرلمان الأوربي، واستصدار هذا الأخير لقرار مخفف بالمقارنة مع المشروع الأصلي، ورفضه لموضوع ما جرى في باب سبتة، وإقحامه لموضوعي الصحراء وسبتة ومليلية في قضية بدأت وانتهت بالنسبة للمغرب مع بن بطوش، إلا أن عناصر بداية العد العكسي للأزمة لابد أن تخرج رأسها من جديد، لأن الشراكة المغربية الأوربية بما فيها إسبانيا قدر محتوم، والخير للجميع في أن يغلق هذا القوس بسرعة. وهذه بعض رؤوس خيوط هذه المرافعة من أجل التهدئة:

1- إسبانيا هي شريك اقتصادي وازن للمملكة، وهي الأكثر ارتباطا بنا ثقافيا وتاريخيا بعد فرنسا وهذا الواقع لن يتغير أبدا.

2- إسبانيا ليست هي حكومة سانشيز بل هي دولة قريبة من المغرب وقد كان هناك خصوم للمغرب كأثنار، ولكن أصدقاءه أكثر كفيليبي غونزاليس وساباطيرو وهؤلاء وغيرهم كثيرون يعرفون المغرب والمغاربة وعلاقاتهم مع السياسيين والمثقفين بين الضفتين متينة.

3- المغرب يبذل مجهودات جبارة لتعميق علاقاته مع أوربا لدرجة أن الحسن الثاني طلب الانضمام للاتحاد الأوربي، وهذا الارتباط مع الغرب أصبح مكونا هوياتيا عند النخبة والطبقة المتوسطة في المغرب أكثر منه مجرد علاقات مصالح بين دول. إلا أن هذا المغرب المتأورب لا يقبل أبدا بالإهانة. هناك أنفة خاصة لا يمكن أن نضعها بين قوسين من أجل المصالح مهما كانت حيوية.

4- قضية الصحراء المغربيّة شوكة تسمم علاقات المملكة مع أصدقائها قبل خصومها في بعض المواقف والمراحل وخصوصا في أوربا، إلا أن لا دولة تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية في القارة العجوز، ولكن الدور التاريخي لإسبانيا في هذا الموضوع يجعل منسوب الحساسية مرتفعا مما يسهل على خصوم الوحدة الترابية الوقيعة بين المملكتين.

5- الكلمات التي عبر بها البرلمان الأوربي عن موقفه من قضية الصحراء ممتازة ومتلائمة مع قرارات مجلس الأمن ومتوافقة مع ما يطلبه المغرب من مؤسسة تريد أن تكون محايدة بحيث تقول بالحل التفاوضي العادل والدائم والسلمي والمقبول للطرفين وفقا لقرارات مجلس الأمن. نعم يودّ المغرب لو أن أوربا حذت حذو الولايات المتحدة الأمريكية واعترفت بمغربية الصحراء، إلا أن هذا الموقف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سببا في خدش الشراكة المتقدمة للمغرب مع أقرب تجمع إقليمي له ثقافيا وجغرافيا ومصيريا.

6- موضوع سبتة ومليلية جد معقد وحساس. ولذلك كانت الدولة المغربية تتعامل معه بواقعية مؤلمة، ولنا أن نتذكر أن إسبانيا رفضت مجرد لجنة تفكير في الموضوع اقترحها الراحل الحسن الثاني، وأن مجرد تحرك 5 جنود من القوات المساعدة إلى صخرة مهجورة تسمى «ليلى» تابعة للمياه الإقليمية المغربية كاد يجر علينا حربا من طرف أثنار.

موضوع سبتة ومليلية المحتلتين غبن تاريخي وظلم ولكن القضية ليس هي موضوع الأزمة اليوم، وعندما تريد المملكة أن تطالب بحقوقها الترابية فإنها هي من ستختار التوقيت والصيغة وليس غالي أو بن بطوش أو البرلمان الأوربي.

7- لا يجب أن تكون المملكة المغربية معقدة من مراقبة حدودها ومحاربة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للقارات، فهذا واجب دولة حضارية محترمة كعضو في المنتظم الدولي وليس خدمة تحت الطلب لأحد، صحيح أن الشراكة مع الاتحاد الأوربي تفترض ذلك، ولكن القيم التي نعلن اعتناقها هي الاتفاقية المعنوية الأسمى التي يفترض أن تحرك عملنا في هذه الملفات الحساسة.

8- لقد بينت الأزمة المغربية الإسبانية لمن يحتاج إلى بيان أن الدولة الواحدة مهما كانت قوية عسكريا واقتصاديا فإنها لا تزن إلا في ميزان التكتلات الإقليمية الحقيقية. وهكذا وجدت غريمتنا النصرة من اتحاد أوربي مكون من 27 دولة فيما نحن في رقعة مغاربية من 5 دول لم نستطع ليس فقط أن نجمع الشمل ولكن أن نصل إلى مجرد كف أذى بعضنا عن بعض، وكل هذه الأزمة المجلجة كانت وراءها الجزائر.

9- إلى السادة الكرام الذين تأخذهم سكرات الاستلاب الغربي إلى الكفر بالعالم العربي واستهجان انتماء المغرب لهذا العمق القومي وسبّ المشرق العربي بفلسطينه على أساس أنه مصدر كل المشاكل، ها نحن لم نجد إلا هذا العالم العربي كانتماء لنرد به على أوربا. هذا الملجأ الرمزي اليوم هو جزء من هويتنا وعلى الأمازيغاويين والعربوفوبياويين أن يتأملوا جيدا ما قام به البرلمان والجامعة العربيين وأن يعتبروا.

10- إذا كان المغرب يعتقد أن الموضوع الرئيس في الأزمة مع المملكة الإسبانية هو بن بطوش، وكانت أنفة الدولة وكرامة المغاربة تتطلب الرد الحازم، فأعتقد أن المغرب قد أعطى ووفَّى، ورد الصاع صاعين، وأجبر إسبانيا على أن يمثل إبراهيم غالي أمام عدالتها، وأن يخرج من البلاد بالشروط المغربية. وإن كان كل هذا غير كاف، فعلى الأقل لابد لأصحاب الحسنات أن يبدأوا في تهييء الضمادات المساعدة على التئام الجروح بدل نكئها، والخير دائماً أمام.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً