العالم المغربي سمير ماشور: الأجور تهمنا في حالة العودة لكن الأهم هو الجو الملائم للإنتاج



في التقرير الذي قدمه، قبل أيام قليلة، السيد شكيب بنموسى أمام الملك، والمتعلق بالنموذج التنموي الجديد الذي يعتبر خارطة طريق الحكومات المقبلة لرسم معالم المستقبل، طفت الكثير من الأسئلة على السطح: هل يمكن أن ننجح في تنزيل هذا المخطط الجديد بنفس النخب والكفاءات التي دبرت المرحلة السابقة؟ أم أننا في حاجة إلى عقليات جديدة لتحقيق نتائج مختلفة بعيدا عن عثرات الماضي وكبواته؟

 

في هذا الصدد، نستحضر ما نشرناه في أسبوعية “الأيام” لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، من تقرير تستشرف فيه معالم عالم 2035، ويمكن أن نقرأ في أحد أقوى فقراته ما يلي: “…الأزمات سوف تكون مسبوقة بمرحلة نمو وازدهار، وسوف يكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مختلف المناطق. وبعد انهيار سوق الشغل، ستمثل الاختراعات التكنولوجية ورقة رابحة لإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي. وسنشهد ولادة عالم جديد، يتحد فيه الإنسان مع الآلة. وفي المقابل، لن تنجح كل الدول في تخطي هذه المرحلة، وحدها الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها، ستنجح في ذلك”.

 

مربط الفرس في ما استنبطناه من التقرير الاستشرافي لـ CIA، هو المتعلق بأن “الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها هي التي ستنجح”.

 

ولذلك قررنا أن نستمع لعدد من الأدمغة المغربية التي هاجرت إلى الخارج حيث تصنع التألق في كبريات الجامعات والمختبرات العالمية، وهم يتحدثون لـ”الأيام” عن شروط الرجوع إلى وطنهم، حيث أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو رغبتهم الأكيدة في العودة إلى الوطن، لكن في أي بيئة؟ وبأية أهداف؟ وبأي طموح؟ وفي أي سياق؟

 

العالم سمير ماشور.. نائب المدير العام لشركة “سامسونغ بايولوجيك” الكورية الأجور تهمنا في حالة العودة ولكن الأهم هو جو عام لاشتغال ملائم للإنتاج

 

هو حقا واحد من أكبر الكفاءات المغربية الموجودة في الخارج، يشغل حاليا منصب النائب الأول للمدير العام لشركة «Samsung biologics»، العملاق الكوري الجنوبي في مجال التكنولوجيا الحيوية الراعي العالمي للجودة والمطابقة التنظيمية، مسؤولا عن تسويق جميع المنتجات والأدوية المبتكرة من الشركة الكورية العملاقة. وهو يجر خلفه مسارا حافلا بالنجاحات، حيث عمل في جميع القارات تقريبا وشغل مناصب قيادية على مستويات عالية جدًا، مع العديد من عمالقة الصيدليات والتكنولوجيا الحيوية واختراع وتطوير الأجهزة الطبية على مستوى العالم، سواء في كندا أو أمريكا أو سويسرا أو فرنسا أو الصين أو أستراليا، وقاد مفاوضات استحواذ عملاق الصيدلة السويسري «Lonza» على «American Capsugel» في صفقة تجاوزت 5.5 مليار دولار أمريكي.

 

سمير ماشور، المزداد بمدينة الرباط، وبها درس، حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية من كندا ودكتوراه أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية، وله اختراعات عديدة، أبرزها اختراعه لحقنة التلقيح غير القابلة لإعادة الاستعمال ضد السيدا، دون أن ننسى الأدوار الكبيرة التي قام بها عن بعد من أجل حصول المغرب على ملايين الجرعات من لقاح «كورونا» سواء الصينية منها أو البريطانية، ففي ظل الحرب الضروس التي خاضها العالم في سوق اللقاحات، تمكن هذا العالم المغربي بفضل علاقاته المتشعبة في عالم الأدوية وعلاقاته بالمختبرات من أن يضمن لبلده المغرب ملايين الجرعات، حيث سبق له أن اشتغل لسنوات في مختبر «فايزر» الأمريكي، قبل أن ينتقل اليوم إلى كوريا الجنوبية، ليصبح هو نائب المدير العام لشركة «سامسونغ بايولوجيك».

 

وحول إمكانية عودته للاشتغال في المغرب وهو الذي يبلغ اليوم أجره الشهري عشرات الآلاف من الدولارات بالعملة الصعبة، يقول سمير ماشور في حديثه لـ «الأيام»: «… جميع الدول في العالم قامت باسترجاع كفاءاتها في الخارج. شخصيا لدي رغبة في العودة إلى المغرب خاصة بعد أزمة كورونا، أريد أن أساعد بلدي في مواجهة الجائحة. لا يمكن أن أجلس في كوريا الجنوبية لأتفرج على ما يحدث في المغرب فهناك عائلتي وأصدقائي ولا يمكن أن أتركهم للمصير المجهول».

 

ويتابع: «على الدولة اليوم أن تفكر في استرجاع العقول المغربية الموجودة في الخارج، ممن لهم خبرة كبيرة. شخصيا قضيت أزيد من 30 سنة من الاشتغال في مختلف قارات العالم الخمس، وأريد العودة إلى المغرب، لكن مع الأسف ليس هناك برنامج واضح لاسترجاع الكفاءات المغربية. عندما هجرت المغرب في سن الـ 17 متوجها إلى كندا كانت نيتي أن أحصل على الدبلومات والشواهد العليا وأعود لخدمة بلدي».

 

واسترسل متحدثا لـ «الأيام»: «أعرف عن قرب وبشكل جيد البروفسور منصف السلاوي، وهو كذلك له رغبة كبيرة جدا في العودة للمغرب، أكثر من ذلك فهو حاول أو يعود وجرب ذلك، لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة. كل ما في الأمر أنه على الدولة المغربية اليوم أن تفكر في استرجاع هاته الكفاءات. هناك مغاربة أكفاء يحتلون مناصب مرموقة وكبيرة جدا، وعلى الدولة أن تنسق معنا لنخدم بلدنا يدا في يد، ونحن مستعدون لذلك، يمكننا أن ننجز شراكات مع الشركات الكبرى التي نشتغل فيها الان، أنا أشتغل حاليا مع شركة «مامسونغ بايولوجيك»، واشتغلت في مؤسسات كبيرة وعملاقة بمختلف القارات، وأنا مستعد للتنسيق معهم، وما على المغرب سوى أن يسهل لنا المأمورية للتنسيق، لما فيه خدمة الصناعة المغربية والاقتصاد الوطني، لكن يظهر أنه ليست هناك استراتيجة واضحة في هذا المجال».

لكن العائق أمام عودة الكفاءات المغربية قد يكون هو التعويضات المالية الضخمة التي يتلقونها في الخارج، ومن الصعب أن تمنح لهم اليوم في المغرب. وفي هذا الإطار يقول سمير ماشور: «صحيح أن رواتبنا في مناصب المسؤولية في الشركات والمؤسسات الكبرى قد تكون مرتفعة، والأجور تهمنا فنحن كذلك لدينا مسؤوليات، وأبناؤنا يدرسون في كندا وفرنسا. رغم ذلك أقولها بصراحة لا يهمني الأجر بالدرجة الأولى، فدخولي للمغرب سيكون بهدف مساعدة بلدي لكن بأهداف محددة. أعرف مسبقا أن المغرب لن يمنحني الراتب الذي أتقاضاه حاليا، لكن عندما أعود للاشتغال في بلدي يجب أن أشعر أن الجو العام للاشتغال ملائم للإنتاج، لا أريد أن أكون ذلك الموظف الذي يتنقل ما بين مكتب ومكتب، لا أحب البيروقراطية في الادارة، فهذه أمور غير متعود عليها».

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً