الفخاخ المنصوبة لحكومة أخنوش

الامتحان بالنسبة لحكومة السيد عزيز أخنوش بدأ ولم ينته مع السقوط المدوي للإسلاميين. إن الخطر الأول أمام هذه الحكومة هو حجم الآمال التي تعلق عليها والتي قد تصبح فخاخا إذا تم التسويق للاعتقاد بأن خروج أصحاب اللحى المشذبة من رئاسة الجهاز التنفيذي هو دخول للمملكة إلى عالم بلا أوجاع! بل هناك من يربط بين الوضع […]

نور الدين مفتاح [email protected]

الامتحان بالنسبة لحكومة السيد عزيز أخنوش بدأ ولم ينته مع السقوط المدوي للإسلاميين. إن الخطر الأول أمام هذه الحكومة هو حجم الآمال التي تعلق عليها والتي قد تصبح فخاخا إذا تم التسويق للاعتقاد بأن خروج أصحاب اللحى المشذبة من رئاسة الجهاز التنفيذي هو دخول للمملكة إلى عالم بلا أوجاع! بل هناك من يربط بين الوضع المادي لرئيس الحكومة الحالية وبعض أعضاء حزبه من الوزراء السابقين أو المحتملين، وبين ما ينتظر المغاربة من ثروة سيتم إنتاجها بسرعة من طرف أناس قضوا عمرهم في بناء الغنى، وليس إسلاميين كان كل رأسمالهم هو شظف العيش.

إن هذه المصيدة التبسيطيّة متربصة اليوم بالحكومة، والواقع أن حلاوة الانتصار في السياسة دائما ما تتبخر قبل أن يرتد للمنتصر طرفه، لينتصب الواقع العنيد لبلاد راكمت أكثر من 60 سنة من الانتظارات القاسية والصبر الأيوبي للسواد الأعظم من المواطنين الذين يعيشون على هامش المنجزات في الأوراش الكبرى للمملكة.

لنتذكر أن المغاربة ظلوا يعلقون آمالا كبرى على حزب القوات الشعبية لأزيد من أربعين سنة، وكان السي عبد الرحمان اليوسفي في النهاية ضحية هذه الآمال الخرافية، التي خلقت في المخيال العام عن العصا السحرية التي يملكها قادة التغيير في قلب أوضاع الناس رأسا على عقب. وبغض النظر عن علاقة الحكومة بالدولة في الهندسة المؤسساتية للبلاد وتعقيداتها التي حكى عنها اليوسفي نفسه، فإن واقع الخصاص المتراكم لعقود، يظل أكبر من قوى الإصلاح خصوصا إذا كانت جيوب مقاومة التغيير كما أسماها كبير الاتحاديين آنذاك يقظة ونشطة بلا كلل كدوران عقارب ساعة سويسرية.

إن المغاربة لم يصوتوا على الاشتراكية كإيديولوجية عندما قادوا الاتحاد إلى الوزارة الأولى، ولكنهم صوتوا على المعارضة وأحلام التحرير، ونفس الشيء جرى مع الإسلاميين الذين ظل خصومهم يعتقدون أن الوازع لرفعهم إلى سدة الحكومة هو الدين، في حين أن الدافع الرئيس لتبويئهم الصدارة ولمدة عشر سنوات كان هو التصور الذي خلقوه بأنهم أياد نظيفة يمكن أن تحارب الفساد، وأغلب من صوّت عليهم لم يكن إسلاميّا، بل إن شخصا في هذه المعادلة لعب دوراً مهماً وهو السي عبد الإله ابن كيران بقدرته التواصلية غير المسبوقة في تاريخ المغرب، إذ كان يتقن مخاطبة المغاربة من مختلف الفئات، وهذا ضخّم من حجم الحزب الحقيقي، وعندما زرعت الألغام، وتمزق الإخوة، كان الاندحار.

لا يمكن أن نركن للتبسيط أيضا في تحليل هذا الانهيار الذي طال صرح العدالة والتنمية. فالعوامل السياسية حاضرة، ولكن عوامل متعددة ومتداخلة لعبت لعبتها ليقع اجتثاث الحزب وليس فقط هزمه انتخابيا، إلا أن هذا لا يمكن أن يمنع المراقب الموضوعي من الاعتراف لحكومتي الإسلاميين ببعض الفضائل التي لا ينكرها إلا جاحد.

لقد اهتمت الحكومتان بالقضايا الماكرواقتصادية، وولجتا أبوابا خَطرة من مثل تحرير ثلثي صندوق المقاصة، وإصلاح جزئي للتقاعد، وكانتا ترتكزان على شعبيتهما لئلا تنفلت الأمور. هاتان الحكومتان فضلتا مصلحة الوطن على مصلحة حزبهما، وإن كان البعض يعتقد أن ما قدمه الإسلاميون من تنازلات عن ثوابتهم وهم يسيرون الشأن العام ما هو إلا من أجل احتفاظ بعض محظوظي قياداتهم بامتيازاتهم أو السعي للإقناع بالولاء التام بدل التوجس وانعدام الثقة في ما يسمى بمشروع تغلغلهم في مفاصل الدولة. وحتى وإن كان في هذا الرأي جزء من الصواب إلا أنه لا يمكن أن يخفي ما أنجز لمدة 10 سنوات من طرف جميع مكونات الحكومة بمن فيهم هؤلاء الذين انتصروا اليوم وكانوا في الفلاحة وتنمية العالم القروي والصيد البحري والصناعة والاستثمار والمالية وإصلاح الإدارة والحكامة والسياحة والصناعة التقليدية والشبيبة والرياضة وغيرها من الحقائب.

ولكن لهذه المنجزات وجها آخر هو الذي ساهم في جزء منه في هذا التغيير المؤلم بالنسبة لإخوان العثماني وابن كيران، وهو التذبذب في المواقف والعجز عن حل المشكلات الكبرى للمغاربة، والاكتفاء ببعض العناوين كتعويض الأرامل ومنح الطلبة، وغير هذا مما لا يمس عمق القضية الاجتماعية في المغرب.

كانت الأمور أكبر منهم، وزاد من تعقيدها عدم الارتياح لهم من طرف من يحكم بهم، وتأرجحهم بين النقيضين: إما اعتداد زائد بالنفس أو انبطاح غير منتج.

اليوم، نفس القضية الاجتماعية تنتظر حكومة السي أخنوش، وعنده ميزة على الإسلاميين وهو أن لا أحد سيتحسس إذا مرت إصلاحات جوهرية على عهده مخافة خلوده، وقد يمرّ الدعم المباشر للفقراء بسلاسة في شهور ما دام السجل الاجتماعي جاهزا، وسيتم استكمال التخلص من أعباء صندوق المقاصة على الرغم من أن المخاطرة هي في إمكانية عدم ربط الناس بين الألف درهم التي سيتوصلون بها مثلا والزيادة في قنينة الغاز التي قد تصل إلى 100 درهم، كما أن هناك وعوداً انتخابية مرقمة للحزب يجب أن تخرج من ميزانية منهكة في بلد أول ثوابته التدبيرية هو التقليص من ميزانية التسيير وعدم تجاوز عتبة الثلاثة في المائة كنسبة للتضخم. وهناك قبل هذا وذاك مشروع ملكي كبير للحماية الاجتماعية وحده سيتطلب مجهودا تمويليا ضخما، موكول للحكومة إنجاحه حتى لا يصير كمشاريع ملكية تعثرت في الطريق وخلفت غضبات أطاحت بوزراء بمن فيهم من كانوا ينتمون لدار المخزن.

ولا ننسى أن هناك أيضا صورة لرئيس الحكومة في المخيال العام كواحد من أكبر أثرياء البلد ارتبطت ببعض الهفوات التواصلية، وكذا بملف المحروقات الناجم عن تحرير أسعارها على عهد السيد عبد الإله ابن كيران.

من الواجب على السيد رئيس الحكومة أن يعالج هذا الملف في أقرب الآجال ليتفرغ لعمل شاق لن يكون سهلا أبداً، وأول الطريق هو الحسم في ادعاءات الـ 17مليار درهم مؤسساتيا وتواصليا، والعمل على التدارك فيما سيأتي بإحساس المواطن أنّ تحرك مؤشرات أثمنة براميل النفط على المستوى العالمي ينعكس بالفعل على أثمنة البنزين في محطات الوقود، وهذه واحدة من عشرات القضايا التي يمكن أن يعيد بها السي عزيز أخنوش القوة لشرعيته السياسية كرئيس للحكومة، بدل الاكتفاء بالشرعية الانتخابية وثقة القصر.

مشكلة الحكومة أيضا أنها ستكون ضحية سمعتها بحيث إنها صورة للنجاح في القطاع الخاص وللكفاءات التدبيرية» الخارقة« وبالتالي فإن عدم نجاحها في اجتثاث الفقر والفوارق لن تعوضه أبداً نشوة اجتثاث البيجيدي، ومشكلتها أيضا أنها ستكون في مواجهة برلمان سيكون هو الأكثر غنى من حيث ما يملكه الأعيان فيه من أموال، والأفقر من حيث الأرصدة السياسية والفكرية، ومشكلتها الأكبر مع هذا المواطن المغربي الذي جرب جميع الألوان والطيور والوحوش والنباتات الحزبية، ومازال ينتظر الفرج.

ومن أجل هذا المواطن ومن أجل هذا البلد، نتمنى أن يتحقق في البداية انفراج سياسي وحقوقي لا يكلف سنتيما وأن نتقدم خطوات أخرى في طريق الانتقال الديموقراطي الصعب، وأن تتحرك بركة مثلث بيرمودا الاجتماعي المخيف: الصحة والتعليم والتشغيل .نتمنى بكلمة النجاح لحكومة السيد عزيز أخنوش لأن في نجاحها نجاحا للمغرب ولجميع المغاربة.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً