عصا بنموسى

هل تنتهي كفاءة مشروع مدرس عند الثلاثين بيولوجيا؟ هل هناك عاقل يدفع بأن بعض المهن تحتاج لشروط خاصة ويحشر فيها التعليم ويربطه بالسن؟ هل المعلم غواص أو مظلي أو طيار حربي؟ وكيف نجد في دول ترتيبها في الصدارة من حيث جودة التعليم أن المواطن المؤهل يمكن أن يلج إلى مهنة التدريس قبل سنة من سن التقاعد ونبتدع نحن هذه البدعة الغريبة؟

نور الدين مفتاح [email protected]

بشكل دوري ومرة كل أسبوع، ينسق معي زميل أو زميلة في إحدى الإذاعات الدولية حول الموضوع الذي سأعلق عليه ضمن الأحداث التي طبعت المملكة خلال الأيام السبعة الماضية. وعندما اقترَحْتُ على الزميلة، ضمن مواضيع أخرى، العلاقات المغربية الجزائرية، اعتذرَتْ بلباقة لأنها جزائرية وأنا مغربي! فهمتها وربما تفهمتها ولم ألح على فتح باب لا يملك مفتاح مفتاحه، ولكن تأثرت لهذا الشرخ الذي ينتقل من قصر المُرادية ليصل إلى النخب وربما العامة في البلدين، ويخلق هذا الحجاب من التوجس والحيطة والجفاء.

المهم، سار الحديث بيننا حول شؤون وشجون المغرب وحكومة أخنوش، ففاجأتني الزميلة بسؤال ملغوم: هل تعتقد أن الحكومة المغربية قادرة على حل مشكلة الأساتذة المتعاقدين؟

بكل صدق، كان جوابي تلقائيا، وهو أنه بغض النظر عن جوهر المشكل، فإن الجديد في الحكومة الجديدة هو شخصية الوزير الذي يَحمل اليوم حقيبة قطاع التعليم ويحمل معها هذا المشكل. واعتبرت أن السيد شكيب بنموسى معروف بكياسته، وكفاءته، وحسن استماعه، وإنه عموما شخصية غير صدامية، وقد زاوج في مساره المثير بين التكنوقراطية وهو يدير براسري المغرب، وبين مربع السلطة الحقيقية وهو وزير للداخلية في ظروف صعبة، أي في أوج الحرب ضد الإرهاب، ثم الديبلوماسية التي قاد فيها سفارة المغرب بباريس، حيث حقق نوعاً من التوازن الثمين في القدرة على تدبير الملفات الصعبة، وهذا جعله تلقائيا مؤهلا لقيادة الفريق الذي أشرف على تهيئة تصور النموذج التنموي الجديد. فهل مثل هذا البروفايل ستغلبه قضية شباب مغربي خائف من المستقبل ويريد اطمئنانا بالتعاقد أو بغيره؟

عندما أسندت وزارة التربية الوطنية لشكيب بنموسى، كانت هناك تقديرات متناقضة أبرزها اثنان، الأول هو أن الحقيبة أصغر من رجل ربما، بحكم مساره، هو أثقل من رئيس حكومة ولو أنه غير منتم حزبيا على غرار جل مكونات الجهاز التنفيذي الحالي. والثاني هو أن تكليف بنموسى بهذه الحقيبة هو إشارة سياسية من الدولة على أن التعليم سيكون هو حجر الزاوية في هذا النموذج التنموي الجديد المطوق لعنق الحكومة كخيار استراتيجي للمملكة. وأنا أميل لهذا التقدير الثاني ولا يمكن أن يختلف عاقلان على أن أي إصلاح لا يرتكز على التعليم فمآله الفشل.

مساء نفس اليوم الذي قدمت فيه تصريحي لزميلتنا الجزائرية المتوجسة، صدمت وأنا أتتبع النقاش الذي فجّره السيد شكيب بنموسى وهو يرمي بقنبلة مفادها اقتصار مباريات ولوج التعليم على من لا يتجاوز سنّه الثلاثين! وأقسم في البداية أنني اعتبرت الأمر «فايك نيوز»، ولاحقت التصريحات والتعليقات والتدوينات حتى تبين لي أن ما جرى هو الحقيقة المُرَّة! وهذه المرارة لها ألف مبرر وحجة، وكما يقول المثل الدارج: «أين ما ضربت الأقرع يسيل دمه».

أهذا هو بنموسى الذي كنا ننتظر بركاته؟ أهذا هو رأس سوق إصلاح منظومة التربية والتكوين؟ هل تحتاج هذه الحكومة التي ولدت وفي فمها ملعقة من بارود إلى مثل هذه الشرارات الطائشة؟ وكيف يتم إشعال فتيل الأزمة في نفس البرميل الذي يتربص به خصومنا في الخارج كما يستشف مما جرى مع الزميلة الجزائرية وموضوع التعاقد؟

أسئلة أخرى جعلت دليلي يحتار: هل تنتهي كفاءة مشروع مدرس عند الثلاثين بيولوجيا؟ هل هناك عاقل يدفع بأن بعض المهن تحتاج لشروط خاصة ويحشر فيها التعليم ويربطه بالسن؟ هل المعلم غواص أو مظلي أو طيار حربي؟ وكيف نجد في دول ترتيبها في الصدارة من حيث جودة التعليم أن المواطن المؤهل يمكن أن يلج إلى مهنة التدريس قبل سنة من سن التقاعد ونبتدع نحن هذه البدعة الغريبة؟ أليس هذا الرأي أحول ما دام التعليم عموماً ينضج بالخبرة والخبرة تأتي بالتراكم والتراكم يأتي مع توالي سنوات العمر؟ وكيف يمكن أن نقنع أبسط إنسان بأن الكفاءة تنتهي في سن الثلاثين؟ وما موقع هذا القرار من الدستور ومن قانون الوظيفة العمومية نفسه الذي يرفع أهلية ولوجها إلى ما بين 45 و50 سنة؟ ولماذا سنحرم مواطنا مغربيا له سهم في هذا الوطن من اختيار التعليم وهو في الأربعين أو الخمسين، شريطة أن يشارك في مباراة القبول وينجح في إطار تكافؤ الفرص؟

سواء شئنا أم أبينا، فبنموسى هو الوزير والسفير ولكنه النموذج التنموي أيضا في المخيال العام، فلماذا اختزال هذا النموذج من البداية في الإقصاء؟ هل المهم هو النية من وراء هذا الإصلاح أم وقعه على المغاربة وعلى تمثلهم لهذه الحكومة الجديدة وما ترمز إليه من بديل لحزب الإسلاميين؟ وأليس ما قام به بنموسى مقامرة بالتعبئة الضرورية لإنجاح هذا النموذج التنموي الذي ضبطت عليه المملكة عقارب ساعتها؟

مهما تحذلق المدافعون عن هذا القرار غير الموفق لشكيب بنموسى في تبرير ما لا يبرر، فإن أضراره وللأسف أكبر منه في حد ذاته، وهي آثار بليغة على الثقة في هذا الفريق الجديد الذي يكاد يبدو متجاوزاً قبل الأوان. وأعتقد أن الأصوب والأصلح هو أن تتراجع حكومة السيد أخنوش عن هذا السقف الثلاثيني، وستربح نقطة التواضع ونقطة الإصغاء لنبض الشعب، ونقطة مباشَرة إصلاح تعليمي حقيقي خارج الحواشي التي لن تزيد الطين إلا بلة والطبل إلا رنَّة، فهل من سميع مجيب؟

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. زكرياء

    حين تلغى قيمة الإنسان تحل محلها الأرقام .وباسم مصلحة التلميذ المفترى عليها _لأن مصلحة التلميذ من مصلحة أستاذه_ تتعامل حكومة أخنوش مع الإنسان المغربي كسهم في بورصتها إن كان من ورائه ربح لها استثمرت فيه . وإن كان لا طائل من ورائه قد تدفع به لى سوق النخاسةإ

اترك تعليق


إقرأ أيضاً