بنموسى عضو اللجنة يفجرها: الحكومة خارج النموذج التنموي الجديد

عزيز أخنوش


  • حاوره: محمد كريم بوخصاص

منذ تقديمه رسميا أمام أنظار الملك في ماي 2021، تبين أن “النموذج التنموي الجديد” سيكون “الوصفة” التي ستعتمدها كل الحكومات التي ستدبر الشأن العام حتى 2035، بدءا من حكومة عزيز أخنوش التي يسيطر على تركيبتها فصيل التقنوقراط، قبل أن تظهر المفاجأة، برأي محمد بنموسى، أحد أعضاء لجنة النموذج التنموي، بخلو البرنامج الحكومي من جل الإصلاحات الهيكلية التي اقترحتها اللجنة والتي يوجد ثلاثة من أعضائها بمن فيهم رئيسها ضمن تركيبة الحكومة.

 

وفي هذا الحوار الخاص الذي ننشره مجزءا، يكشف “بنموسى” نائب رئيس حرة «ضمير» الأدلة التي تُفيد اشتغال الحكومة الجديدة بمعزلٍ عن مقترحات “النموذج التنموي”، خاصة المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي، مستفيدا من خلفيته الأكاديمية، بوصفه أستاذا بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، والسياسية كونه ينتمي إلى حزب الاستقلال منذ عقدين ويمتلك عضوية في مجلسه الوطني منذ 17 سنة.

 

وانطلاقا من مسؤوليته كنائب رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول “لاسمير” يقدم “بنموسى” خريطة الأرباح الطائلة الجديدة التي جنتها شركات المحروقات على حساب المواطن المغربي الذي يظل الحلقة الأضعف في معادلة تحرير الأسعار، حيث كان وما يزال يدفع من جيبه لملء محفظة شركات المحروقات.

 

مع بدء عمل حكومة عزيز أخنوش يطرح التساؤل حول تنفيذها توصيات النموذج التنموي الجديد. باعتبارك أحد أعضاء لجنة صياغته، هل وجدت في البرنامج الحكومي «الوصفات» التي قدمها النموذج التنموي للإصلاح؟

> السؤال وجيه. التحدي المطروح اليوم يتعلق بمدى وجود تناغم بين النموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي.

عند قراءة ديباجة البرنامج الحكومي يظهر للوهلة الأولى أن هناك تناغما، خاصة مع تنصيصه على أن مخرجات النموذج التنموي وبرامج الأحزاب الثلاثة يشكلان رافديه الأساسيين، لكن بمجرد الاطلاع على مضمونه يصطدم المرء بمفارقات عديدة، بل أحيانا تصادمات.

في النموذج التنموي الجديد نجد أن للدولة أربعة أدوار في علاقتها بالشأن العام، فهي دولة لها رؤية استراتيجية، ودولة حامية للمواطنين، ودولة مُقننة للأنشطة الاقتصادية والسياسية، ثم دولة استثمارية تهدف لتحقيق النمو الاقتصادي والإقلاع الصناعي، لكن حين نتمعن في البرنامج الحكومي لا نجد إلا الدولة الحامية فقط، وذلك من خلال المشروع الاستراتيجي الذي أطلقه جلالة الملك المتمثل في الحماية الاجتماعية الشاملة لجميع المغاربة، فيما تغيب الدولة الاستراتيجية والدولة المقننة والدولة الاستثمارية أو على الأقل لا تحضر بالشكل المطلوب.

وإذا كان البعض يعتقد أن بلوغ ميزانية الاستثمار العمومي في البرنامج الحكومي 245 مليار درهم كافٍ، فعليه أن يفهم أن المشكل هو عدم إعادة النظر في منهجية استثمار الدولة وكيفية استعمال هذه المبالغ وتحديد القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية، وأيضا غياب أي رؤية لجعل المقاولة المتوسطة والصغيرة شريكا للدولة في الاستثمار الوطني.

ومما يكشف غياب الدولة المقننة في البرنامج الحكومي هو عدم وجود أي كلمة حول تفكيك اقتصاد الريع الذي يعتبر شرطا رئيسيا لزيادة النمو وتحرير الطاقات، والذي كان من بين الأفكار الرئيسية التي جاء بها النموذج التنموي. كما تغيب في البرنامج الحكومي أي مبادرة من أجل إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية للحكامة وتقوية استقلاليتها ومصداقيتها ونجاعتها.

أليس من المجحف محاسبة الحكومة على عدم العمل بتوصيات النموذج التنموي، علما أن لا شيء يفرض عليها العمل بها، فضلا عن أن لها مشروعية انتخابية ونالت ثقة البرلمان بغرفتيه؟

> إن المشكل اليوم هو في وجود تصادم بين مشروعية البرنامج الحكومي المنبثقة من الدستور والانتخابات ومشروعية النموذج التنموي الجديد، مع التنبيه إلى ضرورة عدم الخلط بين مشروعية النموذج التنموي ولجنة النموذج التنموي، فهذه الأخيرة لها مشروعيتان اثنتان: أولاهما أنها مُعَينة من رئيس الدولة لتقديم وصفة للنمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي وليس التطرق لموضوع واحد كما حصل في لجان سابقة مثل لجنة إعداد مدونة الأسرة ولجنة صياغة الدستور، وثانيتهما أنها علمية حيث تم اختيار أعضائها اعتبارا لتجربتهم المهنية والفكرية والمهاراتية ومساراتهم في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة.

أما مشروعية النموذج التنموي فهي مستمدة أولا من مشروعية اللجنة التي صاغته، وثانيا من منهجية عملها القائمة على التفاعل والشراكة والذكاء الجماعي مع جميع القوى الحية بالبلاد، حيث عقدت اللجنة لقاءات تشاورية مع الأحزاب والنقابات والجامعات والمؤسسات الدستورية والمثقفين والجمعيات ومكاتب دراسات.

وتتجلى المشروعية الثالثة في التفاعل مع المواطنين، حيث قامت اللجنة بزيارات لجميع المناطق والمدن والقرى بما فيها المناطق النائية والاستماع إلى نحو 10 آلاف شخص، وكانت الفكرة التي تكررت على لسان المواطنين ضرورة العمل لإعادة الثقة بين المواطنين والدولة من خلال التنزيل والتفعيل والتطبيق الفعلي والحقيقي والوفي لإصلاحات النموذج التنموي، وهذه الرسالة القوية التي توصلنا بها من المغاربة تُضفي مشروعية جد قوية على النموذج التنموي الجديد.

هناك مشروعية أخرى للنموذج التنموي مستمدة من المتابعة الكبيرة لمؤسسات دولية لتجربة المغرب في بلورة نموذج تنموي جديد، حتى أن مؤسسة مالية قارية تحدثت عن متابعة دقيقة لبلدان إفريقية لهذه التجربة وتحمسها لمعرفة مآلاتها واستعدادها لاستلهام التجربة المغربية في هذا الورش الاستراتيجي.

تبقى مشروعية أخرى بالغة الرمزية ينبغي الإشارة إليها وهي الاستقبال الملكي الذي حظي به رئيس اللجنة شكيب بنموسى لتقديم التقرير الرئيسي والتقارير الموضوعاتية، وقد تابع الجميع الرضا الملكي على مخرجات النموذج التنموي.

انطلاقا مما سبق، يتأكد أن للنموذج التنموي أكثر من مشروعية والتي لا يمكن تجاوزها بمشروعية الانتخابات، وتقتضي روح المسؤولية حصول تناغم بين المشروعيتين من خلال اعتماد البرنامج الحكومي كل الإصلاحات الجوهرية الواردة في النموذج التنموي وعدم الاكتفاء بالشعارات فقط.

لكن أليس كافيا أن يتضمن البرنامج الحكومي إصلاحات حمائية؟

> الإصلاحات التي تتعلق بالدولة الحامية موجودة ولا غبار عليها ونهنئ الحكومة على ذلك، لكن الإصلاحات الأخرى غائبة تماما، مثل الإصلاح الضريبي الذي لا أثر له في البرنامج الحكومي ما عدا بعض التدابير الثنائية في قانون مالية 2022، وكذا إصلاح القطاع البنكي وإصلاح السوق المالية، وتفكيك اقتصاد الريع، وإعادة هيكلة المقاولات والمؤسسات العمومية، وإعادة النظر في عدد من القوانين المؤطرة للقطاع البنكي والتأمين والمصحات الخاصة والمدارس الخاصة والولوج للصفقات العمومية والإسمنت وقطاع المحروقات، كل هذه الإصلاحات مفقودة في البرنامج الحكومي وهي ضرورية لتغيير وضعية البلاد، لذلك يبقى طموح الحكومة بالنسبة لوتيرة النمو الاقتصادي ضعيفا والمتمثل في 3.5 في المائة في مالية 2022، علما أن الإصلاحات التي تضمنها النموذج التنموي تضمن تحقيق وتيرة نمو بـ6 في المائة بدون توقف خلال 15 سنة.

تحقيق 6 في المائة كمعدل للنمو، ألا يبدو حالما بعض الشيء؟

> بالعكس، إنه طموح واقعي مرتبط بتطبيق الإصلاحات الهيكلية التي تحدثنا عنها، وفي غيابها لن نصل إلى معدل النمو المطلوب الذي هو شرطُ خلق الثروة وإعادة توزيعها بشكل منصف وعادل بين الفئات الاجتماعية والجهات والمناطق والأجيال.

ألا يرجع غياب إصلاحات النموذج التنموي في البرنامج الحكومي إلى عدم تفعيل الآليات الثلاث المقترحة من لدن اللجنة لضمان تنفيذ مخرجاتها؟

> هذا جزء من التفسير، فاللجنة اقترحت ثلاث آليات لضمان التطبيق الجيد للنموذج التنموي أولاها إحداث ميثاق وطني للتنمية يهدف إلى تكريس التزام كافة القوى الحية وبالخصوص الهيئات الحزبية تجاه أفق تنموي جديد ومرجعية مشتركة وذلك بشكل رسمي وعلني أمام صاحب الجلالة وأمام المغاربة، وثانيتها آلية تتبع وتحفيز الأوراش الاستراتيجية وقيادة التغيير تحت الإشراف المباشر لجلالة الملك، وثالثتها آلية لتتبع ولتنسيق السياسات العمومية تحت إشراف رئيس الحكومة. وكما يعلم الجميع فإن الخطاب الملكي الأخير أسند الآلية الثانية إلى المندوبية السامية للتخطيط وذلك بعد مراجعة إطارها القانوني والمؤسساتي وإعادة النظر في المهام الموكلة إليها.

وبطبيعة الحال، نحتاج اليوم إلى تسريع تفعيل هذه الآلية داخل المندوبية من أجل ضمان تتبع فعلي ولصيق لسياسات الحكومة المرتبطة بالنموذج التنموي. وفي ما يخص الآلية الثالثة فقد أوكلت للوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية محسن الجزولي.

هل يمكن أن نرى في المستقبل تقارير للمندوبية السامية للتخطيط حول تتبع تفعيل النموذج التنموي؟

> بالتأكيد. لكن الوقت يداهمنا، نحتاج التفعيل السريع للإصلاحات الاستعجالية الواردة في النموذج التنموي، من قبيل الإصلاح البنكي أو إصلاح السياسة النقدية أو الإصلاح الضريبي الذي لا يحتمل الانتظار أكثر، وأنا أتساءل: كيف سنمول مشروع الحماية الاجتماعية إذا لم تكن لدينا مداخيل ضريبية أقوى وأفضل؟

إن الإجراء الذي قررته الحكومة في مالية 2022 بخفض سعر الضريبة على المقاولات الصناعية من 28 إلى 26 في المائة غير كاف، نحن اقترحنا في النموذج التنموي توسيع الوعاء الضريبي وخفض سعر الضريبة على المقاولات والأفراد وإعادة النظر في سعر الضريبة على الدخل بما يسمح بإعفاء ذوي الدخل المتوسط والضعيف، علما أن لا البرنامج الحكومي ولا قانون مالية السنة المقبلة يتضمنان العمل بالقانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي الذي صادقت عليه الحكومة السابقة في يوليوز 2021.

أعطيك مثالا آخر عن الإصلاح الضريبي الغائب في البرنامج الحكومي، هناك ما يسمى بالتحفيزات الضريبية التي تصل تكلفتها اليوم حوالي 30 مليار درهم من ميزانية الدولة، كل ما يوجد في البرنامج الحكومي وقانون المالية هو مجرد شعارات من قبيل: «سنعمل من أجل تحسين وعقلنة التحفيزات الضريبية». لقد اقترحنا في النموذج التنموي القيام بدراسات أولية ثم بعدية للتحفيزات الضريبية قبل أن نقرر في تحفيزات المقاولات والأفراد، كما شددنا على ضرورة وضع أفق زمني للانتفاع بالتحفيزات، لأن الدولة لا يمكنها أن تقدم تحفيزات إلى ما لا نهاية، يمكنها أن تعطيها مدة خمس أو عشر سنوات، وأيضا تحديد سقف للتحفيزات لكل دافع للضرائب من الشركات.

كذلك اقترحنا خلق ضريبة على الثروة غير المنتجة (مثل العقارات المغلقة والأموال السائلة غير المستعملة)، ومداخيلها هي التي ستسمح لنا بإعادة توزيع الثروة وتمويل السياسات العمومية الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية وغيرها، وأيضا محاربة التملص والتهرب الضريبي التي وردت في البرنامج الحكومي كمبادئ ولم تترجم كتدابير عملية، وقد اقترحنا تفعيل اللجنة الخاصة بمحاربة التملص الضريبي التي لم يتم تفعيلها يوما من طرف وزراء المالية المتعاقبين، وهي المعنية بدراسة الملفات وإحالتها على القضاء.

ينبغي تشكيل هذه اللجنة في أسرع وقت ممكن، كما يجب تغيير قانون الضرائب بما يسمح بمتابعة كل من يدور في فلك المقاولة التي ثبت تهربها الضريبي، بما في ذلك مكاتب الاستشارات الضريبية والمحاسباتية التي تتعامل معها إذا ثبت تواطؤها في هذه الأفعال.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً