ملف “سامير”.. قصة أكبر إفلاس في تاريخ المغرب

تاريخ إفلاس مصفاة سامير


فجر الاستقلال عام 1956، كان مناسبة للمغرب لفتح أوراش اقتصادية على أبواب قطاعية معني كالزراعة والتزود بالماء الشروب والصناعة والتجارة، إلا أن موردا رئيسيا ومحركا ضروريا في الدورة الاقتصادية تم إغفاله إلى حدود سنة 1958 أي بعد سنتين من نيل شرف الاستقلال، ويتعلق الأمر يتدبير قطاع الطاقة، فقررت حكومة انذاك أحمد بلافريج، تأمين احتياجات المغرب من الطاقة عبر مصفاة وطنية.

 

يعيش المغرب أزمةَ طاقةٍ كبيرة بسبب تعطيل عمل مصفاة سامير منذ 2015، وذلك بعد تراكم الديون على الشركة بسبب سوء التدبير الذي رافق مرحلة خصصة المؤسسة وبيعها للملياردير السعودي محمد الحسين العمودي، الذي “أغرق” الشركة وراكم أرباحاً وراءها بالمليارات. ومنذ خمس سنوات تسعى جهات نقابية وسياسية في المغرب إلى إعادة تشغيل مصفاة سامير الوحيدة في البلاد المتخصصة في تكرير وتجارة النفط، رغم دخولها مرحلة التصفية القاضية.

 

تعود فصول تأسيس “الشركة المجهولة الاسم المغربية الإيطالية للتكرير” أو المعروفة اختصارا “سامير”، إلى ما اعتمدته حكومة بلا فريج أحمد عن طريق وزير الاقتصاد والزراعة انذلك، عبد الرحيم بوعبيد، قيادة مشروع إنشاء مصفاة وطنية مغربية تسهم في حقيق الأمن الاقتصادي والصناعي بالمغرب، ذلك ما حصل بالنظر إلى البلد غير منتج للنفط، ومعه تحييد تبيعية استيراد النفط الخام من الخارج، ومن ثم إنشاء صناعة وطنية للتكرير تابعة لقطاع العام.

 

 

الحكومة المغربية وتحت تزايد الطلب الداخلي لجأت إلى البحث عن شركاء لتأسيس الشركة، وجدت شركة إيطالية متخصصة في البتروكيماويات وهودجة الوقود، فاتفقت معها على الانتاج وموعده سنة 1961 بطاقة سنوية تبلغ 1.25 مليون طن، بعدها تطورت سرعة الانتاج وتم إدراج كفاءات مغربية للتحكم ونقل الخبرات من الشركة الايطالية في أفق تسيير الشركة بسواعد مغربية أصيلة.

 

استمرت الشركة في الانتاج وتزويد السوق المغربي والطلب الداخلي بالمنتجات النفطية، إلى حدود سنة 1973 عندما  قررت الدولة المغربية سنة 1973 تأميم رأس مال سامير، في إطار سياسة المغربة، بهدف تحكم أفضل في تقلبات الأسعار في السوق الدولية، ليصبح الشركة “الشركة المجهولة الاسم المغربية لصناعة التكرير”.

 

في غضون التأسيس والانتاج، عين الملك الراحل الحسن الثاني، عبدالرفيع منجور، مديرا عاما على الشركة سنة 1974، ما أسهم في توسيع المصفاة وزيادة في نسبة الطاقة الاستعابية للتخزين إذ بلغت 4 ملايين طن. مشروع التوسعة هم  بناء وحدة لتكرير الزيوت الأساسية في سنة 1984 بقدرة إنتاجية سنوية تناهز 125 ألف طن، وهي عبارة عن مجمع لتشحيم الزيوت، وبفضله وسعت الشركة أنشطتها في مجال التكرير بتنويع تشكيلة منتجاتها التي تشمل البروبان والبوتان والبنزين بنوعيه، والكيروزين ووقود الديزل زيت الوقود والزيوت الأساسية، والزفت والشمع والمنتجات الصناعية الأخرى.

 

وهكذا تم تطوير الشركة بوتيرة جيدة، حتى اعتبرت من بين المؤسسات العامة الناجحة، حيث كان ناتج استغلال الشركة في مطلع التسعينات يتراوح ما بين 7 و7.5 ملايير درهم، في حين كان الدخل السنوي الصافي نحو 600 مليون درهم.

 

وخلال فترة الجفاف وما رافقه من أزمة مالية خانقة وديون كبيرة أثقلت كاهل الدولة والمؤسسات المالية، اضطر المغرب إلى الدخول في عملية خوصصة لمؤسساته العمومية الأفضل مردودية، من بينها مصفاة “المحمدية” التي تم بيعها عام 1997 لفائدة مجموعة سويدية سعودية “corral” لمالكها السعودي محمد العمودي.

 

وكانت عملية خوصصة شركة “سامير” تهدف إلى تطوير الشركة وتنمية النشاط الصناعي، غير أن العكس هو ما حصل بعد سنوات من الخوصصة. فقد فتحت الدولة رأسمال الشركة وشرعت في أضخم عملية لطرح الأسهم في تاريخ بورصة الدار البيضاء، بالإضافة إلى إدراج الشركة وفتح رأسمالها للعموم والمستثمرين المؤسساتيين عن طريق اكتتاب في مارس 1996، والذي كان يرمي إلى توسيع ملكية أسهم الشركة ودخول مجموعة من حملة الأسهم.

 

ووفق معطيات حصلت عليها “الأيام 24” من طرف جمعية الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، تفيد أنه بعد سنوات من تولي المجموعة السويدية السعودية لمالكها العمودي، أظهرت عيوبا في التسيير، إذ  لم تحترم أيا من التزاماتها التعاقدية وأدخلت المصفاة في دوامات من الأزمات المالية والأخطاء التدبيرية انتهت بسقوطها وتوقيف الإنتاج في غشت 2015.

 

الإفلاس الكبير سيبدأ بعد توقف الإنتاج بالمصفاة المغربية للبترول في غشت 2015، نتيجة إعلان إدارة شركة سامير تعليق الإنتاج ولجوء إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بتبليغ كل الأبناك والشركات بإشعار غير الحائز، وولوج الملف بعد ذلك لردهات المحكمة التجارية التي قضت ابتدائيا في 21 مارس 2016 واستئنافيا في 1 يونيو 2016 بالتصفية القضائية مع الإذن باستمرار النشاط، بمبرر الاختلالات المالية بشكل لا رجعة فيه وتجاوز الخصوم بكثير لأصول الشركة وتوقفها عن الدفع. ودخول الملف متاهات المحاكم وطنيا ودوليا، وبالتالي تعقيد مسار الملف برمته.

 

معوقات أرخت بظلالها على توقيف تكرير البترول في سيدي قاسم سنة 2008، وفي المحمدية في سنة 2015، يعود بالأساس إلى المسؤولية المشتركة بين مؤسسات الدولة في شروط الخوصصة والتقصير في المراقبة وعدم التدخل في الوقت المناسب، و”المستثمر” الذي “تنكر” لالتزاماته وبفعل سوء التدبير والتسيير، الذي ساهم في تفقير أصول الشركة وتحويل أرباحها قبل تحقيقها، فإن رفع الدعم عن المواد البترولية وتحرير الأسعار في نهاية 2015 واستغلال الموزعين للفرصة، عمق من شروط الاختلال غير المعلن لتزويد السوق الوطنية وفتح المجال أمام المتحكمين في السوق لتطبيق الأسعار التي لا علاقة لها بالسوق الدولية.

 

وبعد توقف تكرير البترول بالمغرب نتيجة تصفية شركة سامير وتحرير أسعار المحروقات في نهاية سنة 2015، وبغاية تأمين الحاجيات الوطنية من الطاقة البترولية أمام الاحتمال الكبير للاضطراب في التزود المنتظم وأمام انفجار أسعار الغاز والمشتقات البترولية التي تشكل أكثر من 50% في السلة الطاقية الوطنية. تبرز مطالب بالمحافظة على المكاسب التي توفرها شركة سامير لفائدة المغرب والمغاربة والحد من الأثار السلبية لارتفاع أسعار المحروقات على كلفة النقل والتنقل، وما يترتب عن ذلك من إنهاك القدرة الشرائية لعموم المواطنين وتهديد السلم الاجتماعي، لاسيما في ظل السياق العالمي الموسوم بالتضخم وارتفاع أسعار الطاقة وتجاوز كل التوقعات والاحتمال الكبير لانقطاع واضطراب الامدادات بسبب الحرب المفتوحة في أوكرانيا وندرة النفط الخام وقلة العرض من المواد البترولية الصافية.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً