سلاح الدمار الشامل المغربي

منطق روسيا اليوم في أوكرانيا مخيف، قد تقرر دولة أقوى من أخرى أن أمنها القومي في خطر، فتشعل الحرب وتنشر الدمار. نحن على أبواب حلف الناتو، فماذا لو اعتدي على أحدنا؟ هل من معين؟ هل من حليف؟ إننا في عين الزوبعة، فلذلك لا ألوم الدولة على أي قرار خارجي. هذه أوضاع عالمية يشيب لها أصحاب القرار مهما كانت حصافتهم، هذه قصة جديدة يكتبها الأقوياء، ويحار بين سطورها الضعفاء.

نور الدين مفتاح [email protected]

ما زالت أصوات المدافع والصواريخ تسمع في كل بيت في العالم من خلال هذه الحرب المنقولة، ليس على الهواء مباشرة عبر القنوات العالمية، ولكن المحمولة في الهواتف أيضا، في سيل جارف من أخبار الدمار والدماء وآلام احتلال روسي على وشك أن يغلق قوس دولة أوكرانيا المستقلة، لدرجة أن سقوط كييف لم يعد مشوقا، إذا كان يستساغ أن نقحم في هذه القيامة مفهوم التشويق أصلا ! بل صار تحصيل حاصل.

إن الأسئلة التي تطرحها هذه الحرب الكبرى على مواطنين مثلنا يحملون مع هوياتهم الانتماء إلى أكثر المناطق اشتعالا في العالم، وهي المتوسط بما فيه الشرق الأوسط، كثيرة ومقلقة ومحيرة: هل مبرر الدفاع عن الأمن القومي كاف لإعطاء الغطاء الأخلاقي للحرب على أوكرانيا مثلا؟ لماذا وقفت أكثر من 140 دولة في العالم ضد روسيا في الأمم المتحدة ولم تتوصل أوكرانيا عمليا بأي مساعدات وازنة على الأرض؟ هل يمكن للدول المتوسطة والضعيفة أن تعول على ما يسمى بالحلفاء الكبار؟ أليس هناك تمييز في قيمة حياة مواطن ينتمي إلى دولة عضو في الحلف الأطلسي بالمقارنة مع مواطن خارج هذا الحلف؟ هل هذه القيم الإنسانية الكبرى، التي جعل منها ما يسمى بالمجتمع الدولي دينا جديدا، حقيقة مبدئية وأخلاقية أم تعلو عليها المصالح؟ لماذا تكون للدول التي لها أسلحة نووية أوضاع اعتبارية أكبر من تلك التي لا تمتلكها؟ وبأي حق تصادر القوى العظمى حق الدول في امتلاك هذا السلاح في الوقت الذي تتسامح فيه مع دول أخرى كإسرائيل؟

لماذا تحركت أوروبا والعالم بهذا الشكل مع أوكرانيا ولم تتحرك في الحرب على العراق الذي احتلته الولايات المتحدة الأمريكية وهو يبعد عن حدودها بآلاف الكيلومترات؟ لماذا اختلطت الأوراق في سوريا لدرجة أن دمارها تم تدميره أكثر من مرة دون أن يستيقظ الضمير العالمي؟ لماذا يرفع المعلقون في التلفزيونات الغربية ورقة التمييز بالتسطير على أن هذه حرب في أوروبا وكأن الحرب خارجها ليست جحيما؟

تعز الأجوبة مع واقع لا يبعث اليوم إلا على الذهول. ولكن، نعود في النهاية إلى أن منطق الغلبة القديم هو نفسه الجاري اليوم والذي اختلف هو التلفيف أو التغليف، حتى إنه يمكن أن نتحدث عن التدمير الأنيق، والاغتصاب الرشيق، والاحتلال الفاخر، ولعمري إن هذه تنميقات لأوضاع لا حيلة للضعيف إزاءها إلا السخرية السوداء.

لا حليف لشعب إلا نفسه. وليس للحق قوة ذاتية إذا لم تكن لأصحابه القوة للدفاع عنه، والأمم ارتفعت أو انهارت في تموجات تاريخية كانت لكل حقبة فيها شرعية وشريعة بما في ذلك شريعة الغاب. واليوم تجدنا في عالمنا العربي والإسلامي والأمازيغي والإفريقي من الوهن بحيث إننا في العراء، أغنياء بالطاقة وفقراء إليها، أغنياء بالشباب ومعطوبون بالعطالة، أغنياء بالتاريخ وفقراء إلى الحاضر، عريقون في الحضارة ومهانون على أبواب حضارتهم اليوم، مسلوبون ومنهوبون في زمن الاستيطان والاستعمار ومعيّرون بالتخلف اليوم. نحن قضيتهم في هويتهم المنكمشة ما بين العرق والدين والسوق الاقتصادية والحلف الحربي، نحن نساء ورجال عزّل ذهبوا ليعملوا في الضفة الأخرى للمتوسط، ومنَّا العلماء والبسطاء، أصبحنا جيشا قالوا في حملات انتخابية إننا، بلا مجرد مسدس صدئ، سنحتل أوروبا ودعوا إلى الترحيل الكبير. المواجهة السياسية لنا حرب شرسة بلا دماء، ونحن لا نرد على المهانة إلا بالتقسيم والتشرذم وحروب الجنوب البينية المخجلة. نحن في حرب مع أنفسنا من أجل الخبز والمأوى فما بالك بالرفاه.

وفي هذا البلد الذي قدر الله أن نحمل اسمه ورايته في القلب، وببحر ومحيط وتنوع طبيعي وتعدد خلاق، ها نحن محاصرون ! فحتى لو كنا للجزائر أصدقاء، وللمغرب الكبير شركاء، لكان حالنا جميعا متواضعا أمام ضفة شمالية لهذا المتوسط تتميز بالخيلاء، فما بالنا ونحن مكسري الأجنحة. حرب في الصحراء وساحل مشتعل وحدود شرقية مغلقة، وجزائر مرتبكة رغم الغاز، وتونس مزعزعة الأوصال، وليبيا مشتعلة بعدما مرّت بأقسى ما تمر منه أوكرانيا الآن. وبهذا التشرذم العظيم نحاول أن تكون لنا سياسة وأن يكون لنا قرار وأن تكون لنا كلمة.

منطق روسيا اليوم في أوكرانيا مخيف، قد تقرر دولة أقوى من أخرى أن أمنها القومي في خطر، فتشعل الحرب وتنشر الدمار. نحن على أبواب حلف الناتو، فماذا لو اعتدي على أحدنا؟ هل من معين؟ هل من حليف؟ إننا في عين الزوبعة، فلذلك لا ألوم الدولة على أي قرار خارجي. هذه أوضاع عالمية يشيب لها أصحاب القرار مهما كانت حصافتهم، هذه قصة جديدة يكتبها الأقوياء، ويحار بين سطورها الضعفاء.

في هذا الركن الذي نجلس فيه لنراقب التحولات، يكفينا أن نحصن ما لدينا، ولكل حادث حديث. لا بد أن نحصن اللحمة الوطنية وأن نسقيها بالسعي الصادق نحو العدالة بكل أبعادها، لا بد أن نلملم جراحات الضعفاء والفقراء، لا بد أن نعمل على ردم هوة الفوارق التي تكاد تفوق نظيرتها في أغنى الدول، لابد أن نتصالح مع قيمنا الأصيلة إذا كانت قيم العصر في العلاقات مع الدول لا تعير أمننا اهتماما. لابد من التنمية والديموقراطية للحفاظ على استقلالية القرار السياسي وعلى الوحدة الترابية. لابد للسياسة أن تكون في خدمة الناس بدل أن يكون العكس. لابد أن ينتهي السيرك في المجال العام أينما وجد وأن يخرج الحكماء من معازلهم ليساهموا في البناء.

لا أمان في إسبانيا ولا في أوروبا ولا في الشرق ولا في الغرب، ولكن، هؤلاء شركاء إلى أن يثبت العكس، وقوتنا الوحيدة أمام دوران الزمن هي هذا المغرب الذي يمكن أن يواجه التحديات بالنساء والرجال الخلّص المبدعين للحلول. فلا يمكن أمام هذه التحديات العالمية أن نظل نتفرج على ملفات يجب أن تحسم بلا تردد، كمتاهات المحروقات والطاقات البديلة وتحكم الأمطار في مصيرنا، وإخراج القوانين الضرورية للشفافية والمحاسبة وإصلاح الاقتصاد ليكون سنداً للدولة الاجتماعية الموعودة.

هذه الحرب البعيدة عنا جغرافيا تكاد تكون قرب أسرّتنا وقد كسرت كل الأقوال المأثورة عن كون الحرب يخطط لها الأذكياء ويخوضها الشجعان ويقطف ثمارها الجبناء، لأن هذا الضجيج العارم لا يترك لنا نحن في عنق مضيق جبل طارق إلا خيار الاستنفار بالإصلاح من أجل التعبئة والتضامن، وهذا هو سلاح دمارنا الشامل الوحيد والممكن.

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. محمد الوجدي

    تحليل جميل وحكيم.
    نتمنى أن يستيقظ الأغبياء من سباتهم العميق، الذين يسارعون إلى جمع الثروات، يحسبها خالدا فيها.
    لن تحميهم أموالهم ولا جوازاتهم الحمراء أو الزرقاء.
    فليأخذوا العبرة من واقع العالم.

  2. جواد

    كلام منطقي لكن هيهات هيهات

اترك تعليق


إقرأ أيضاً