كيف تحولت الآلة الدبلوماسية للمغرب من رد الفعل إلى الفعل ؟

ناصر بوريطة


جرت أخيرا المياه تحت جسر العلاقات بين الرباط وعواصم أوروبية، بعدما ظلت لشهور رهينة حسابات سياسية ومصالح تبتغي إبقاء الأمر على ما هو عليه، بيد أن النشاط الكبير في الأعوام الأخيرة بحسب ملاحظين، حوّل الأداء الدبلوماسي للخارجية المغربية من منطقة “دفاع إلى “مبادِرة ومباغتة” بأوراق دبلوماسية لقلب المعادلات والتوازنات، وذلك في إتجاه تعزيز الموقف المغربي في الساحة الدولية.

 

وفق خبراء، فالتحركات المغربية ضمن إطار العلاقات بين المغرب وشركائه الأوروبيين على غرار اسبانيا وألمانيا وفرنسا والإتحاد الأوروبي ككيان جامع بمؤسساته المتحركة على أكثر من صعيد، تأتي لضبط الايقاع وخلق أرضية “مصالح مشتركة” بين الأطراف جميعها، فالنجاح الدبلوماسي المغربي كما وصفه كثيرون، يتماهى وسعي المملكة بجدية إلى التواجد ضمن الدواليب المتحكمة في صياغة القرار داخل المنظمات الدولية الاستراتيجية، بغاية تأكيد “السيادة الشرعية للرباط على الأقاليم الجنوبية”.

 

ولمحاولة اتباع خيط الدبلوماسية الرفيع الذي دفع بالعلاقات مع اسبانيا إلى تحول جذري بعد عام من القطيعة، يقول عبد العالي الكارح، أستاذ القانون العام في تصريح لـ”الأيام 24″ أنه يمكن تصنيفه بـ“الضربة الدبلوماسية”، نظير الوزن السياسي للموقف الإسباني الجديد إذ لا يمكن وضعه في كفة واحدة مع باقي المواقف التي أجريت لها تحديثا من من طرف عواصم بعينها.

 

ويضيف الكارح، أن الدبلوماسية المغربية  “تتجاوز أسلوب “ردود الفعل” إلى ابتكار دبلوماسية استباقية. أسفرت في كثير من الأحيان عن مجموعة من التوترات، سواء مع بلدان عربية خليجية، مثل الإمارات، قبل وقت. أو مع دول من الاتحاد الأوروبي. وكلما كانت المسألة تتعلق بملف النزاع حول الصحراء”، فإن الآلية الدبلوماسية المغربية تستنفر وتضاعف من طاقتها في اتجاه الضغط لتمييل الكفة لصالح الميزان المغربي. ويتطلب ذلك جهودا أكبر للتغلب على دبلوماسية البوليساريو وخلفها الخارجية الجزائرية، والتي تمكنت في السابق، من أن تسجل في أكثر من مكان ومناسبة نقاط تفوق لصالحها ضد المغرب”.

 

وأوضح أنه قبل شهور قليلة برز الخلاف مع ألمانيا، وكان ملف الصحراء على رأس التوتر، بين ملفات أخرى. لكن المثير هي المفاجأة التي ارتسمت على مفكرة كثير من المغاربة بالتصعيد في لهجة الخارجية المغربية، خصوصا تجاه بلد كبير من حجم ألمانيا. وسرعان ما عاد التوتر أيضا من جديد بين المغرب واسبانيا. ولأن طبيعة العلاقة بين الرباط ومدريد تتسم بدرجة قصوى من الحساسية التاريخية والسياسية، فإن إسبانيا غالبا ما تجد نفسها أمام تحديات حالة اختلال تهدد سياستها مع المغرب، وهي سياسة تنحو دائما باتجاه إيجاد حل “عادل وواقعي” للنزاع المفتعل  يتماشى مع الموقف الدولي برعاية الأمم المتحدة.

 

ويبدو أن  مغرب اليوم ، بحسب المتحدث، لم يعد يقبل بازدواجية التعامل معه من لدن المنتظم الدولي، حيث يعترفون له بموقعه الجيوستراتيجي كقطب جهوي يتميز بالاعتدال والتسامح، وكشريك استراتيجي في مجالات الاستثمار ومحاربة الإرهاب وفي سياسات الهجرة والتنمية. مؤكدا “لكن عندما يحضر ملف الصحراء تنخرط بلدان الاتحاد الأوروبي في لغة تقرير المصير وضرورة إجراء الاستفتاء، بدل ما يدعو إليه المغرب، أي دعم الدينامية “الإيجابية” في ملف النزاع وتأييد حل الحكم الذاتي، خصوصا بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق ترامب بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

 

وأشار أستاذ القانون العام، إلى أن “المغرب استطاع كسب معارك دبلوماسية كبرى في ملف الصحراء، منها إحباط مشروع توسيع صلاحيات “المينورسو” بالصحراء لتمتد إلى إنشاء آلية موازية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية. وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي من وراء المشروع. ودفع السويد إلى التراجع عن الاعتراف بجمهورية البوليساريو”.

 

ويؤكد أن المناخ السياسي الذي يجع اليوم المغرب والشركاء الاوروبي تحكمه ملفات وازنة، في حال اختلالها يعني العودة مباشرة إلى نقطة الصفر، وهذا الوضع يرسخ التحول اليوم في معادلة “التعلم المغربي من دروس الجغرافيا السياسية وميزان القوى التي أضحت أمر واقع يتجاوز القوانين الدولية”.

 

دينامية العلاقات الجديدة بين الرباط وعواصم أوروبية، بدأت تتلمس طريقها، فبعد سنة كاملة من شغور منصب السفير الألماني بالمغرب، إثر الأزمة الدبلوماسية التي مسّت العلاقة بين البلدين، أعلنت الرباط، عن موافقتها للخارجية الألمانية على تعيين روبرت دولغر، الذي كان يشغل منصب مفوض الخارجية الألمانية في إفريقيا، سفيرا لألمانيا في المغرب.

يذكر أن منصب السفير الألماني في المغرب، شاغرا لأزيد من سنة، وتم خلالها ترشيح اسمين من قبل، غير أنه لم يتم إعلان الموافقة على أي منهما فيما قبل؛ بالرغم من تدخل أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، في وقت سابق لاقتراح تغيير الاسم، ليستقر بعد أشهر على دولغر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً