شقران يتحدث عن متاهات الإحسان العمومي على هامش قضية الدكتور التازي



يعود تنظيم الإحسان العمومي في المملكة إلى واجهة النقاش رغم زحمة الأحداث التي تشغل الرأي العام المغربي، فالموضوع هذه المرة يخرج من هامش قضية الدكتور التازي الذي يقبع في السجن في حالة اعتقال احتياطي في انتظار انتهاء الجلسات أمام قاضي التحقيق للنظر في ملتمس النيابة العامة لمتابعته بلائحة من التهم المشتبه في “طبيب الفقراء” بارتكابها وأخطرها على الإطلاق تهمة الاتجار في البشر، عبر مبادراته التي اشتهر بها حين كان يتقدم للتكفل بحالات معوزة ضحية عنف أو حادثة أو تعاني من تشوهات خلقية.

عن التنظيم القانوني للإحسان العمومي وتدبير التبرعات من الجمع إلى التوزيع لتصل الحالات المستفيدة والإشكالات التي تثيرها هذه المسألة، تحاور “الأيام” المحامي ورئيس الفريق الاشتراكي السابق في مجلس النواب شقران إمام.

– كيف ينظم القانون المغربي مسألة الإحسان العمومي وجمع التبرعات وتوزيعها؟ 

يتعلق الأمر بالقانون رقم 71-004 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي، والذي تم بموجبه تنظيم هذه العملية وفق قواعد وضوابط قانونية واضحة، أهمها ضرورة الحصول على إذن مسبق من الأمانة العامة للحكومة وفق مجموعة من الشروط المنصوص عليها مثل تلك المضمنة في منشور مشترك للأمانة العامة للحكومة ووزارة الداخلية، رقم 2/2005 بتاريخ 2 غشت 2005 والتي توضح كذلك مسطرة التقدم بالطلب والوثائق المتطلبة. بحيث يظل هذا القانون، رغم كل التطورات التي يعرفها مجال جمع التبرعات، هو الأساس والإطار القانوني المعمول به مصحوبا بعدد من المنشورات والقرارات المرتبطة به رغم إعداد مشروع قانون 18.18 المتعلق بـ”تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية” والذي جاء بعدد من المستجدات المهمة المواكبة للعمل الإحساني والتطورات اللاحقة به في ظل بروز الظاهرة بشكل قوي عبر عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، وهو المشروع الذي لم يستكمل مساره التشريعي إلى اليوم.

– ظهرت أخيرا العديد من القضايا والملفات التي تحوم الشكوك حولها بخصوص استغلال الإحسان العمومي لتنفيذ أفعال يجرمها القانون. بصفتك محاميا كيف ترى الفوضى والتسيب الذي يعيشه هذا المجال؟

مما لا شك فيه، وهو أمر واقع للأسف، أن البعض يعمد إلى استغلال عدد من الأفعال النبيلة كما هو حال العمل الإحساني لتحقيق مآرب شخصية والاغتناء عبر ذلك من خلال النصب أو اختلاس المبالغ المتبرع بها أو التلاعب بمالية الجمعيات وغير ذلك من الأفعال المجرمة قانونا، والتي يعاقب عليها القانون.

ولعل المشرع مطالب بتأطير الأمر بنصوص قانونية ملائمة وكفيلة بسد عدد من الثغرات التي تزيد من التسيب الحاصل في هذا الباب، خاصة ما يهم التشدد، بالمعنى الإيجابي للكلمة، في منح الإذن بالتماس الإحسان القانوني كما هو حال الضوابط الصارمة في تمكين الجمعيات من صفة المصلحة العامة، مع وضع قواعد زجرية صارمة كذلك في وجه كل من يخالف القانون ويستغل المواطنات والمواطنين بالتسويق لأعمال إحسانية وخيرية كغطاء لتحصيل الأموال بشكل غير مشروع، وذلك بهدف تحصين العمل الإحساني والخيري من عدد من الدخلاء ممن لا يؤمنون في الأصل بجوهر هذا الفعل الإنساني النبيل الذي يظل ذا أهمية كبرى في مجتمع تحضر فيه الحاجة لدى شرائح واسعة فيه.

– هل باتت الأحداث التي تظهر بين الفينة والأخرى لاستغلال جمع التبرعات تهدد الإحسان والتضامن كقيمة أصيلة في المجتمع المغربي؟

الإحسان والتضامن كما قلت فعل أصيل في المجتمع المغربي، بل هو ركيزة في السلوك الجماعي بمنطلقات تربوية ودينية، لكن عددا من الممارسات تدفع بالمرء إلى الشك في مآل تبرعه أو مساهمته أمام بعض المستغلين لهذا العمل النبيل، وهم استثناء لحسن الحظ، لذلك وجب أن تكون عملية الإحسان في بعدها الجماعي مؤطرة بضوابط قانونية محفزة لكن صارمة في ذات الآن، بقدر ما تفتح الباب أمام عدد من الجمعيات والأشخاص لالتماس الإحسان العمومي خدمة لمشاريع إنسانية في بعدها النبيل، بقدر ما تقف في وجه من تسول له نفسه اتخاذ ذلك مطية لتحقيق مصالح شخصية.

– وما الذي يجب على المشرع المغربي القيام به وتوفيره في مشروع القانون الجاري إعداده لهذا الغرض؟

المطلوب أولا قراءة هادئة للفعل الإحساني في كافة جوانبه والتطورات اللاحقة به، خاصة ونحن أمام نوع من التماس الإحسان العمومي الطاغي على مواقع التواصل الاجتماعي بما يصاحب ذلك من توظيف الصورة والحدث بشكل أو آخر، وأحيانا من قبل أشخاص يحترفون ذلك كمهنة لمن لا مهنة له.

وأعتقد أن مشروع القانون 18.18 المشار إليه أعلاء جاء بعدد من المستجدات الهامة التي تهم التبرعات والجهات المعنية بجمعها والضوابط القانونية المؤطرة لذلك والأغراض التي من أجلها يتم جمع التبرعات وغير ذلك. والمطلوب اليوم هو أن تعمل الحكومة على الدفع باستكمال المسطرة التشريعية المتعلقة بمشروع قانون 18.18 بعد تحيينه إذا اقتضى الأمر ذلك، وإن بعد نقاش عمومي يضع الظاهرة أمام المواطن في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، وإن كنت شخصيا أعتبر ذلك حاجة ظرفية يجب أن تنتهي إلى واقع تتحمل فيه الدولة وحدها توفير الحدود الدنيا للعيش الكريم لجميع المواطنات والمواطنين حتى لا يجد أحد نفسه أمام سؤال الحاجة وضرورة اللجوء للآخر، خاصة ما يهم الحق في الصحة و التطبيب الذي يشكل أحد تمظهرات العمل الإحساني في شقه المتعلق بجمع الأموال لهذا المواطن أو تلك من أجل إجراء عملية جراحية أحيانا لا تتجاوز كلفتها بضعة آلاف من الدراهم.

– لكن هناك من يتخوف من أن تكون لنزوع القانون أكثر نحو تشديد المساطر نتائج عكسية على العملية برمتها، هل تتفق مع هذا الرأي؟

لا أعتقد ذلك، إذ يمكن أن نشبه واقع العمل الإحساني والخيري ببلادنا بالاقتصاد غير المهيكل، بحيث أن جزءا كبيرا منه يظل بمنأى عن النص القانوني وخارج ضوابطه انطلاقا من فعل التضامن كقيمة أصيلة في مجتمعنا، وبالتالي فمهما كانت هناك من ضوابط قانونية صارمة فإنها لا يمكن إلا أن تكون عاملا مساعدا في نبل الفعل الإحساني ومحصنا له من ذوي النيات السيئة. فالمواطن المغربي سخي حتى وإن كان به خصاص متى تعلق الأمر بفعل تضامني أو خيري يهم شخصا أو أسرة دفعت بهم الظروف إلى طلب المساعدة والدعم، ولعل كثيرا من النماذج نطالعها في عدد من المناسبات كالدخول المدرسي وعيد الأضحى وغير ذلك، حيث يصبح فعل التضامن عنوانا بارزا في سلوك المواطنات والمواطنين.

– ماذا عن استغلال الإحسان العمومي من طرف الأحزاب السياسية وممثليها؟ وكيف يؤثر توزيع هذه المساعدات من قبل جمعيات ومؤسسات قريبة من أحزاب سياسية بعينها على المشهد برمته مثل ما حدث مع مؤسسة “جود” في السنة الماضية التي كانت انتخابية بامتياز؟

هو واقع للأسف، نبهنا إليه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكثر من مرة، واعتبرناه إفسادا للعملية الانتخابية في ظل لجوء البعض إلى توظيف العمل الإحساني للحصول على أصوات الناخبين، وقد لاحظنا كيف أن الأمر تفاقم في ظل الجائحة مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية وفي ظل تضرر فئات واسعة داخل المجتمع من تداعيات الإغلاق وآثاره الوخيمة على عملهم ودخلهم المادي. هذا الأمر للأسف يضرب في العمق جوهر العمل الإحساني الإنساني المؤسس على مبدأ التضامن المجرد بما يحافظ على كرامة المواطن، وبما تتجسد معه قيم الأخوة والتكافل وتقديم الدعم والمساعدة لمن هم في أمس الحاجة إليها، ليصبح فعلا مقرونا بمصلحة تفسد معها كثير من إمكانات البناء والتحول ببلادنا على مستويات متعددة، وهنا صورة لثغرات وجب أن تؤطر بصريح القواعد القانونية الكفيلة بعدم تسييس العمل الإحساني والخيري، خاصة في ظل إمكانية اتهام أي جهة بأنها تخدم مصالح هذا الحزب أو ذاك وإن لم تكن كذلك.

في جميع الأحوال يجب أن يبتعد الفاعل السياسي عن توظيف العمل الإحساني خدمة لمصالح انتخابوية ضيقة، وإن كان الواقع للأسف الشديد يبرز كيف أن الأمر أصبح خيارا لدى البعض، بل وركنا أساسا يسبق البرامج الانتخابية والمشروع المجتمعي نفسه.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً