محمد مصباح: حكومة أخنوش ستدفع المواطن إلى الاحتجاج في الشارع إذا لم تعجل باتخاذ إجراءات فعالة



متسلحا بخبرته العلمية والعملية في العلوم الاجتماعية والسياسية، يتفاعل محمد مصباح رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، مع أسئلة “الأيام” بخصوص النتائج التي كشفتها المندوبية السامية للتخطيط في نتائج بحث الظرفية لدى الأسر بخصوص الربع الأول من 2022، والتي أظهرت ترجعا كبيرا في مستوى الثقة لدى الأسر. ويعتقد مصباح أن التحديات التي تواجهها البلاد أكبر من الاجراءات التي حاولت الحكومة من خلالها استباق الوضع، معتبرا أن ظهور احتجاجات اجتماعية في الشارع بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار يبقى أمرا واردا بسبب المؤشرات والمعطيات التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط.

 

كيف ترى الأرقام التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص مستوى ثقة الأسر الذي عرف تدهورا هو الأسوأ منذ إطلاق المندوبية بحثها حول الظرفية السنوية لدى الأسر؟

> الدراسة التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط تظهر تراجع مستوى ثقة الأسر في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهذا يرتبط أساسا بالارتفاع الكبير والملموس في أثمنة المواد الأساسية، وهناك دائما علاقة في الاقتصاد بين ارتفاع الأثمان وتغير المزاج الشعبي. والفترة الأخيرة عرفت زيادة مهمة في المواد الأساسية وكذلك في أسعار البترول وتضررت منها الطبقات الوسطى، وهذا التغير على مستوى المزاج الشعبي بعد فترة من التفاؤل الحذر الذي أظهرته الدراسة التي أنجزناها في تقرير الثقة في المؤسسات والذي أعطى للحكومة نسبة ثقة مرتفعة جدا آنذاك. الآن مع الظرفية الاقتصادية التي تمر منها البلاد، يبدو أن هناك بداية لتغير في هذا المزاج لدى المواطنين.

الأرقام المعلنة تفيد بأن توقعات الأسر سلبية ومتشائمة بخصوص المستقبل على جميع المستويات، كيف سينعكس ذلك على الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد؟

> توقعات الأسر المتشائمة بخصوص المستقبل ستكون لها انعكاسات على مختلف المستويات، لكن ليس بالضرورة أن تكون انعكاسات مباشرة. قد تكون انعكاسات مباشرة من خلال الإحجام عن الإنفاق والخوف من الاستثمار بالنسبة لرجال الأعمال، ففي الوضعية التي يغلب فيها اللايقين تبرز بعض النتائج الأخرى غير المتوقعة، وهي مرتبطة أساسا بتوترات اجتماعية محتملة، سببها غلاء الأسعار. وفي هذا السياق نتذكر ليس فقط الربيع العربي، ولكن ما جرى في السبعينات والثمانينات مع موجة غلاء الأسعار والأثار والانعكاسات، كانتفاضة الخبز في الدار البيضاء وغيرها، من دون الرجوع لاحتجاجات الطلبة والتلاميذ في الستينيات. الاحتجاجات كانت مرتبطة أساسا بغلاء أسعار المواد الأساسية وأساسا الخبز، والتي كانت دافعا أساسيا لموجة من الاحتجاجات.

المؤشرات تبين أن الوضع السياسي مستقر حاليا، لا سيما أن المرحلة الأولى من تدبير أزمة كوفيد-19 بالنسبة للدولة تمت بشكل جيد، مع التحويلات التي أقرتها لفائدة الأسر المحتاجة وغيرها من الإجراءات، لكن يبقى التحدي هو الآثار الاقتصادية لما بعد الجائحة والتي بدأت تظهر حاليا، وآثار الأزمات الاقتصادية والسياسية الموجودة في العالم.

الوضع الذي تواجهه الأسر المغربية يرتقب أن تزيد من تعقيده الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها السياسية والاقتصادية على العالم، فهل تتفق مع الرأي القائل بأن المغرب سيواجه موجة حراكات اجتماعية في المستقبل انطلاقا من المؤشرات الحالية؟

> لا شك أن الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون لها آثار مباشرة أو غير مباشر على الاقتصاد، سياسيا وعسكريا، مازال المغرب الآن بعيداً عنها، أو أن آثارها في حدودها الدنيا. لكن على المستوى الداخلي والاقتصادي، فطبعا قد تكون لها آثار واضحة لا يرتبط جزء منها فقط بما يستورده المغرب، ولكن بخلخلة توريد المواد الأساسية عبر العالم.

حين تتأثر سلسلة التوريد تؤثر على النظام كله، وهذا الارتفاع الذي عرفته السوق العالمية في الأسعار سيؤثر حتما على السوق الداخلية وعلى توفر هذه المواد، ولهذا سيكون الأثر الاقتصادي بارزا على الأقل في المدى المتوسط إذا استمرت الأمور على ما هي عليه. حاليا المغرب لديه احتياطي يغطي 4 أشهر من القمح الطري، و20 يوما من المواد البترولية، ولكن هذا يبقى غير كاف، وينبغي على المغرب التفكير في تخزين هذه المواد الاستراتيجية على الأقل في فترة الحرب الروسية على أوكرانيا والتي قد تستمر لبضعة شهور أو حتى سنوات، وبالتالي من المهم للمغرب أن يكون مستعدا لهذا التحدي.

خلال فترة كوفيد والفترة الأولى من حكومة عزيز أخنوش، يظهر إلى حد ما، أن الدولة تمكنت من امتصاص الغضب الشعبي من خلال سلسلة الإجراءات التي اتخذتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. الوضع الآن مختلف طبعا مع غلاء الأسعار والمعيشة وغياب البدائل وضعف الحكومة في التواصل وشرح ملابسات الوضع، وأيضا لبعض التصورات التي باتت عند المواطنين كتنافي وتعارض المصالح والجمع بين الثروة والسلطة، في الوقت الذي يدفع المواطن لوحده كلفة هذا الغلاء.

وفي ظل الوضعية الاقتصادية الصعبة، تراجعت ثقة الأسر في المستقبل، وهناك بوادر للغضب والتوتر الاجتماعي، ولكن هذه المعطيات كلها غير كافية للقول بأنها ستؤدي إلى حركات اجتماعية لسببين، هما أن الظروف الاقتصادية ليست لوحدها كافية لأن الحركات الاجتماعية تنشأ بالتقاء ثلاثة عناصر أساسية، هي الظروف الاجتماعية، والقيادة أو المجموعة التي تنظم الحراك، ثم الدافع أو القضية الأساسية التي تدفع الناس للخروج والاحتجاج. وفي السياق المغربي يبدو أنه مازالت لم تظهر حتى الآن أي بوادر لقيادة تقود الحراك الاجتماعي في هذه المرحلة، وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن تنفجر الأوضاع الاجتماعية في أي لحظة، ولكن العلوم الاجتماعية بشكل عام عاجزة عن التنبؤ بهذه المسألة.

اتخذت حكومة أخنوش مجموعة من الخطوات والمبادرات الرامية إلى استباق الوضع والتخفيف من حدة الأزمة، هل تعتقد أن الإجراءات الحكومية المعلنة قادرة على حل المشكلة وتجنيب المغرب السيناريوهات المتوقعة؟

> الإجراءات الحكومية حاولت استباق الوضع والحد من الأزمة، لا سيما باقتناء بعض المواد الاستراتيجية وغيرها، لكن أعتقد أن التحديات المطروحة ربما أكبر وأعمق من أن تحلها هذه الإجراءات.

على مستوى الأمن الغذائي، المعدل الموجود المتمثل في 4 أشهر قد يبدو معقولا، لكن على المستوى الطاقي، يبدو أننا في وضعية حرجة لأن المعدل هو شهرين وليس 24 يوما كما هو الحال في المغرب. البلد فرط في فرصة التخزين الاستراتيجي للمواد الطاقية، ولهذا من المهم أن يتم استدراك هذه المسألة على وجه السرعة خصوصا في هذه اللحظة بالضبط، ومن المفروض على الحكومة أن تتدخل بشكل مؤقت لتنظيم هذه المسألة وتوفير هذه المواد في السوق.

بالنظر إلى الإمكانيات التي تتوفر عليها البلاد، ألا ترى بأن الإجراءات المعلنة هي أقصى ما يمكن للحكومة القيام به في سياق إقليمي ودولي ضاغط؟

> أعتقد أن هناك أجوبة على المديين القصير والبعيد، فعلى المستوى الأول يمكن أن نقول إن الحكومة تبذل ما بوسعها، ولكن على المستوى البعيد، تمت إضاعة فرصة استراتيجية وهي حلحلة مشكل محطة لاسمير التي كانت مهمة لأمننا الطاقي، كما الخزانات الاسترتيجية التي كان من المفترض أن تنشئها شركات التوزيع، ولكن مع الأسف لم تف الدولة بالتزاماتها في إطار تعاقداتها مع هذه الشركات.

من جهة أخرى، تأكد منذ بداية الجائحة أن الأمن الطاقي والغذائي من شؤون السيادة ومقومات الأمن القومي للدول، ولهذا من المهم أن تعطى الأولوية القصوى لهذه المسألة في المشاريع الحكومية للسنوات المقبلة. وفي الوقت الحالي يجب تدبير الوضع بنوع من الحكمة والشفافية، فعادة في الأزمات يظهر تجار يستفيدون من هذه الأوضاع، وأحيانا قد يصعب أن نطبق هذه النقطة بالضبط، لأن الحكومة نفسها لديها تعارض مصالح في ما يخص رئيس الحكومة الذي هو في الآن ذاته أكبر موزع للغاز والغاز الطبيعي والمواد البترولية. من المهم أن تقوم مؤسسات الدولة الأخرى، مثل مجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات والبرلمان بأدوارها الرقابية.

والمطلوب حاليا من الحكومة هو التواصل المستمر مع المواطنين، وهذا عطب كانت تعاني منه حكومة سعد الدين العثماني، ثم هذه الحكومة بشكل أفدح فالجانب التواصلي لديها بشأن تدبير الأزمة ضعيف جدا، إن لم يكن منعدما. كما أن الحكومة مدعوة إلى توفير المواد الأساسية من الأسواق الدولية المختلفة، وتقوية المؤسسات وإعطاءها دورها الحقيقي لأن هذا هو الكفيل بامتصاص هذه الأزمات.

ويبقى اكتساب الثقة في الحكومة والمؤسسات السياسية عموما أمرا غير هين، ومن السهل تبديد الرصيد الموجود، ولذلك فإن منسوب الثقة الذي رصدناه في بداية الولاية، يبدو أنه بدأ يتراجع ويتبدد، ودراسة المندوبية السامية للتخطيط تظهر هذا المنحنى التراجعي، وإذا لم تسارع الحكومة بإجراءات فعالة وعملية، فسوف تدفع المواطن إلى ردود فعل من بينها الاحتجاج في الشارع.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً