من هي نانسي بيلوسي التي أثارت عاصفة دبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين؟

واليوم، لا تزال بيلوسي، وهي في الـ 82 من عمرها، من أشد المنتقدين للنظام الشيوعي في الصين، ومن مظاهر موقفها الصريح من بكين أيضا، علاقتها الوثيقة بزعيم التبت المنفي الدالاي لاما. كما كانت أيضا من القوى الدافعة خلف قرار الحكومة الأمريكية العام الماضي بالاعتراف رسميا بأن بكين ارتكبت "إبادة جماعية" في ممارساتها القمعية بحق الأيغور وغيرهم من الشعوب ذات الأغلبية المسلمة. وفي مقابلة مع موقع بوليتيكو الإخباري في 28 يوليو / تموز الماضي، قالت بيلوسي "إذا كنت لا تستطيع الدفاع عن حقوق الإنسان في الصين بسبب مصالح تجارية، فستفقد كل السلطة الأخلاقية للدفاع عنها (حقوق الإنسان) في أي مكان آخر". هل تشعل زيارة بيلوسي المرتقبة إلى تايوان نزاعاً مسلحاً مع الصين؟ وبيلوسي هي أرفع مسؤول أمريكي يزور تايوان منذ عام 1997، أي قبل 25 عاما. ولم يثر قرار بيلوسي بزيارة الجزيرة غضب السلطات في بكين فحسب، بل كانت له أيضا أصداء سلبية في بلادها. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في 22 يوليو/تموز إن الجيش الأمريكي يعتقد أن الزيارة "لم تكن فكرة جيدة"، ما يسلط الضوء على مخاوف في الولايات المتحدة من أن تفسر الصين وجود رئيسة مجلس النواب في تايوان على أنه استفزاز. وكان رد بيلوسي قويا وحازما، إذ قالت "أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا إظهار الدعم لتايوان".

السياسية المجابهة
لم يكن موقف بيلوسي المعارض للنظام الشيوعي في الصين، والذي تعزز بزيارتها الأخيرة لتايوان استثناء في مسيرتها السياسية، فقد عارضت علنا حرب العراق عام 2003، وكانت مدافعة عن حقوق المثليين في الثمانينيات والتسعينيات، في وقت كانت مثل هذه الموضوعات خارج اهتمامات التيار السياسي السائد في الولايات المتحدة.

ولدت لتكون سياسية
ولدت بيلوسي في 26 مارس/آذار عام 1940 في مدينة بالتيمور الساحلية بولاية ميريلاند، وهي الفتاة الوحيدة ولديها ستة أشقاء يكبرونها سنا. والدها هو توماس دياليساندرو جونيور، وكان منتميا إلى الحزب الديمقراطي، وهو رئيس سابق لبلدية بالتيمور. ولم يكن الاهتمام بالسياسة في عائلتها ذات الأصول الإيطالية حكرا على والدها، الذي كان عضوا في الكونغرس عن ماريلاند عند ولادتها، فقد كانت والدتها أيضا مساهمة بالنشاط النسائي في الحزب الديمقراطي، وقد علمت ابنتها قيمة شبكات العلاقات الاجتماعية، ولاحقا أصبح شقيقها توماس داليساندرو، وهو ديمقراطي أيضا، عمدة بالتيمور خلال الفترة بين عامي 1967 و1971. وكانت بيلوسي تبلغ من العمر 12 عاما فقط عندما حضرت مؤتمرا للحزب الديمقراطي للمرة الأولى، كما حضرت حفل تنصيب الرئيس جون كينيدي وهي في العشرين من عمرها. بدأت انخراطها في السياسة عام 1976، وكانت مشاركتها الأولية من وراء الكواليس، وعملت في حملات دعائية وساعدت حاكم كاليفورنيا، جيري براون، في الفوز بالانتخابات التمهيدية خلال ترشحه لمنصب الرئيس، معتمدة على صلاتها العائلية القديمة، كما ساهمت في جمع التبرعات للحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا. وتدرجت في صفوف الحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا، قبل أن تصبح رئيسة له.
صعود قوي
بعد أن التحق أصغر أطفالها الخمسة بالجامعة، وكانت بيلوسي حينها في السابعة والأربعين من عمرها ترشحت لعضوية الكونغرس، وذلك استجابة لطلب عضوة الكونغرس عن سان فرانسيسكو سالا بيرتون، التي طلبت من بيلوسي قبل وفاتها أن تخلفها في المنصب. فازت بيلوسي بالمقعد عام 1987 ومنذ ذلك الحين مثلت مقاطعات سان فرانسيسكو في الكونغرس. ومن ثم شقت طريقها داخل مجلس النواب. وبحكم تمثيلها لمدينة تضم مجتمعاً كبيراً من المثليين، أعطت أولوية لتمويل أبحاث مرض الإيدز. وفي عام 2001، ترشحت لمنصب مُراقب نظام حزب الأقلية في مجلس النواب، وهو منصب المسؤول عن عد وتسجيل أصوات نواب الحزب، ويأتي في المركز الثاني في قيادته داخل المجلس، وفازت بأغلبية ضئيلة. وفي عام 2003 أصبحت زعيمة الأقلية المعارضة داخل مجلس النواب، حين كان الجمهوريون يسيطرون على المجلس، وكانت أول امرأة تقود أحد الحزبين المتنافسين. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006 تمكن الديمقراطيون من السيطرة على مجلس النواب للمرة الأولى منذ 12 عاما، وكان لمعارضتهم لحرب العراق دور في فوزهم في الانتخابات التشريعية. وفي عام 2007 انتخبت بيلوسي رئيسة للمجلس خلفا للجمهوري دينيس هاسترت، لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. ولعبت بيلوسي دورا فعالا في إصدار قوانين هامة عديدة، منها قانون الرعاية الصحية الذي يعرف باسم "أوباما كير"، وقانون الإعفاء الضريبي لعام 2010. تراجعت شعبية بيلوسي مع استمرار معاناة الاقتصاد الأمريكي، وفي انتخابات عام 2010، فقد الديمقراطيون سيطرتهم على المجلس. ورغم دعوات لقيادة جديدة للحزب الديمقراطي، انتخبت بيلوسي زعيمة للأقلية. واستمرت في المنصب رغم الفشل المتكرر لحزبها في عدة انتخابات. النواب الأمريكي يحيل ترامب إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته بعد صعود حزبها في انتخابات عام 2018 واستعادته السيطرة على مجلس النواب، انتخبت بيلوسي في يناير/كانون الثاني عام 2019 رئيسة لمجلس النواب في ولاية ثانية. وبعد خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 لصالح الرئيس الحالي جو بايدن، انتخبت بيلوسي عام 2021 رئيسة لمجلس النواب للمرة الثالثة.