غضب من إساءات عنصرية لثلاثة لاعبين فرنسيين بعد هزيمة نهائي المونديال
إذا قمت بجولة سريعة لصفحات الفرنسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فسيعترضك خبران الأول يتحدث عن احتمال اعتزال كريم بن زيمة اللعب دوليا، والثاني يتحدث عن إساءة عنصرية تعرض لها لاعبون فرنسيون بعد هزيمة نهائي كأس العالم.ويتعلق الخبر الثاني بثلاثي المنتخب الفرنسي أوريليان تشاويميني، وكينغسلي كومان، وراندال كولو مواني.وقد أضاع أوريليان وتشاويميني ركلتي ترجيح في مباراة النهائي أمام الأرجنتين، في حين أهدر مواني فرصة تسجيل هدف في آخر دقيقة من المباراة ذاتها، فتعرضوا لأقذع الانتقادات والحملات العنصرية التي شككت في انتمائهم.
"العنصرية ردا على الخسارة"
وبمجرد البحث عن أسماء اللاعبين عبر مواقع التوصل، ستصادفك رموز تعبيرية على شكل قردة أو تعليقات تتضمن تصريحات قديمة لسياسيين يمينين تحذر من حدوث "استبدال عظيم يغير وجه الفريق الفرنسي".بل وصل الأمر ببعض المعلقين إلى المطالبة بـ"ترحيل اللاعب الفرنسي كينغسلي كومان إلى إفريقيا".وأمام السيل الهائل من الرسائل العنصرية، اضطر كومان ورفاقه إلى إغلاق خاصية التعليقات على حساباتهم الرسمية عبر موقع انستغرام.ما تعرض له اللاعبون الفرنسيون أعاد إلى الذاكرة حملات عنصرية مشابهة عانى منها لاعبون أوروبيون آخرون بسبب أصولهم المهاجرة.فقد سبق أن نالت تلك الحملات من لاعبي إنجلترا الثلاثة: بوكايو ساكا وماركوس راشفورد وجادون سانشو .وتعرض ساكا وزملاؤه للإهانة إثر إهدارهم ركلات ترجيح حاسمة تسببت في خسارة إنجلترا في نهائي بطولة أمم أوروبا لكرة القدم "يورو 2020" أمام إيطاليا.
خاصية تصفية التعليقات المسيئة
وعادة ما يلقي اللاعبون باللائمة على شركات مواقع التواصل الاجتماعي ويتهمونها بالتساهل مع المحتوى الذي يتضمن إساءات عنصرية عبر الإنترنت.لكن هذه المرة بدت الحملات الداعمة للاعبين الفرنسيين كبيرة، فقد وجد اللاعبون الكثير من الدعم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.وسرعان ما تدخلت شركة ميتا، المالكة لتطبيق انستغرام، لتعلن عن إزالة التعليقات المسيئة.وقال متحدث باسم الشركة: "لقد حذفنا التعليقات المثيرة للاشمئزاز التي تخالف قواعدنا.. لذا طورنا خاصية لتصفية التعليقات المسيئة بشكل آلي".وختم بالقول: "نحن في تواصل مباشر مع اللاعبين وفرقهم بشكل متواصل منذ نهائي كأس العالم، لدعمهم ومساعدتهم على تفعيل تلك الخاصية والحد من الإساءة".دعم عبر مواقع التواصل
وبدوره، نشر نادي بايرن ميونيخ الألماني، الذي يلعب كومان في صفوفه، رسالة تستنكر التعليقات العنصرية التي تعرض لها اللاعب الفرنسي.ولم تقتصر رسائل الدعم والتضامن على الأندية الرياضية، بل شملت العديد من المسؤولين والسياسيين الفرنسيين الذين وعدوا بالتصدي لخطابات الكراهية والعنصرية.ففي تغريدة دعت وزيرة المساواة بين الجنسين والتنوع وتكافؤ الفرص، إيزابيل روم، إلى التعامل بجدية مع مثل تلك الحملات.وجاء في نص التغريدة: "منذ انتهاء كأس العالم، وقع العديد من لاعبي المنتخب الفرنسي ضحية للعنصرية، من بينهم كيليان مبابي وكينغسلي كومان، هذا أمر مقيت وغير مقبول بالمرة".
دعم منقطع النظير
تلك التعليقات المسيئة لم يغفل الفرنسيون ردها على أصحابها ونقدها عبر المنصات الإلكترونية.فقرر قطاع واسع من المغردين التصدي للرموز العنصرية بنشر أخرى تتضمن قلوبا حمراء وأعلاما فرنسية تعبر عن حبهم ودعمهم للاعبين الثلاثة.فعلق أحدهم موجها كلامه للاعبي المنتخب: "ارفعوا رؤوسكم أنتم ملوك". وكتب آخر: "أنا فخور بمنتخبنا الفرنسي الجميل.. لا للعنصرية".كما أثارت تلك الرسائل المسيئة غضبا خارج فرنسا. ووصف مغردون عرب وأجانب أصحابها "بالفاشية والتطرف".
جدل الانتماء
ومن المغردين من يرى أن تلك الرسائل العنصرية "تعكس في جوهرها واقع فرنسا المعاش" وتلخص "الازدواجية التي يتعامل معها بعض الفرنسيين مع اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية والمهاجرة".وفي هذا السياق، يقول أحد المعلقين في إشارة لكومان ورفاقه: "أنت فرنسي عندما تفوز لكن عندما تخسر فأنت مجرد إفريقي .. عند الفشل فقط ينسون أنك فرنسي".وبالإضافة لتألقها الكروي، عرفت المنتخبات الفرنسية بتنوعها، إذ ضمت بين صفوفها لاعبين ينحدرون من ثقافات مختلفة.وذلك التنوع ترى فيه الحكومة الفرنسية تجسيدا واقعيا لشعار الجمهورية "الحرية، المساواة، الأخوة".كما يرى فيه المنبهرون بالثقافة الفرنسية "مثالا على التعدد الثقافي ودليلا على نجاح الطريقة الفرنسية في دمج المهاجرين على اختلاف مشاربهم".
لكن الاحتفاء الحكومي بذلك التنوع يترافق أحيانا مع مطالب من تيارات يمينية بمنع من تصفهم بـ"الدخلاء" من تمثيل المنتخب الفرنسي.
مفهوم الاندماج في فرنسا
وعلى الجانب الآخر، يرى معلقون أن "فرنسا ليست دولة مثالية كما يريد البعض تصويرها، فالجاليات هناك من سود وعرب وغيرهم يعانون من التمييز".وثمة أيضا من يرجع تألق منتخب الديوك إلى اللاعبين الأفارقة.وهذا ما يتفق معه الرئيس الكيني، وليام روتو، الذي علق على مباراة نهائي كأس العالم بالقول: "مبروك للمنتخب الأرجنتيني فوزه بكأس العالم"، قبل أن يكمل قائلا: "فريقنا الإفريقي المشارك في كأس العالم لعب مباراة رائعة".بعض المتفاعلين مع تغريدة الرئيس الكيني ردوا عليها بالتأكيد على انتماء اللاعبين لفرنسا، قائلين إن "محاولته لإثبات العكس أوقعه في نفس الخطاب الذي يتبنه منتقدو اللاعبين الثلاثة".وفي تعليق الرئيس الكيني تذكير بتعليق آخر كان قد أدلى به الممثل الكوميدي الأميركي ذي الأصول الإفريقية، تريفور نواه، في أعقاب تتويج منتخب الزرق بطلا في مونديال روسيا 2018.فقد أثارت آنذاك تعليقات نواه حفيظة السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، جيرار أرود، فانتقده قائلا: "قد ينحدر آباء الكثير من اللاعبين من دول أخرى، لكن أغلب لاعبي المنتخب الفرنسي ولدوا في فرنسا، وتعلموا فيها، وتدربوا فيها على لعب كرة القدم، فهم مواطنون فرنسيون".
ومع كل حدث رياضي جديد، تتكرر تلك الحملات لتعيد إحياء نقاش قديم حول الهوية ومفهوم الاندماج في فرنسا.