مضت خمسة أيام على إعلان الديوان الملكي عن توصُّل الملك محمد السادس برسالة من الوزير الأول لدولة إسرائيل بينيامين نتنياهو، تضمنّت قرارا قطع الشك باليقين، يقول منطوقه إن تل أبيب تعترف بسيادة المغرب على صحرائه وتدرس فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، ليعقُب ذلك موجة تفاعل كان للأحزاب السياسية نصيب الأسد منها، إذ سارع طيف من هذه التنظيمات إلى عقد اجتماعات مكاتبها السياسية خارج مواقيتها المعتادة وإصدار بلاغات تفاعلا مع القرار، بينما اكتفى أمناء عامون لبعض تلك التي لم يُسعفها ذلك بالإدلاء بتصريحات صحافية رحبت أغلبها بالخطوة الإسرائيلية.
في ظل هذا الزخم الذي واكب بالتعليق، بالتحليل، بل وبالانتقاد أيضا قرارا أنهى تردد تل أبيب في تنفيذ التزامها كما جاء في الاتفاق الثلاثي؛ اتجهت الأنظار صوب حزب العدالة والتنمية، ترقبا للكشف عن موقفه من هذا المستجد الذي وصفه مراقبون بـ”التاريخي”، لكنه تلفع بالصمت، بل الأكثر من ذلك لم يصدر عن أمينه العام، على غير عادته، أي تعليق يذكر.
وإلى حدود الساعة، يواصل عبد الإله ابن كيران وإخوانه في الأمانة العامة صمتهم المطبق حيال هذا الحدث الذي تصدر المشهد السياسي وظلّ منذ الإعلان عنه يوم الإثنين الفارط موضوع الساعة الأبرز بالمملكة. ولم يقتصر عدم تفاعل قيادة العدالة والتنمية مع هذا التطور سواء إيجابيا أو سلبيا، بل تعداه إلى منع ابن كيران أعضاء الحزب ومسؤوليه، بشكل رسمي، من التعليق على رسالة نتنياهو إلى الملك.
ويوجد حزب العدالة والتنمية اليوم في موقف لا يحسد عليه، فهو من جهة يندد بجرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى هو الحزب الذي وقّع أمينه العام (سعد الدين العثماني) في القصر الملكي بالرباط أمام أنظار الملك محمد السادس عام 2022، على اتفاقية عودة العلاقات بين البلدين؛ لكن المحير في الأمر أن ابن كيران دافع ساعتها عن ذلك القرار واعتبر أن “البيجيدي” جزء من بنية الحكم في الدولة ولا يمكنه بالتالي رفض التوقيع على التطبيع، ثم عاد ليصرح بعد تسلمه الأمانة العامة للحزب من جديد: “وقعنا الاتفاقية مع إسرائيل في وقت مؤلم وفي ظروف يعلمها الله، ولكن الحزب لم يتغير، لم يُطبع ولن يُطبع”.
وقبل أن يختار الصوم عن الكلام ويوجّه إخوانه إلى بلع ألسنتهم أيضا، يتضمن أرشيف تصريحات ابن كيران توصية مثيرة لقواعد الحزب يقول فيها: “حاربوا التطبيع في المجتمع، إذا ظللتم صامتين غدا سيذهب المغاربة للعمل هناك ويعلم الله ما سيفعلونه رجالا ونساء”. هذا الترنح، يظهر حسب مراقبين ازدواجية في المواقف لا تخطؤها العين، في وقت تبرر فيه بعض القراءات ذلك بتفادي “الإسلاميين” الاصطدام مع الملك لأنه هو من يرعى شخصيا هذا الملف.
في تحليله لخلفيات ما يمكن وصفه بـ”الصمت الناطق” لحزب “المصباح”، أقر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، بأن حزب العدالة والتنمية “في وضع صعب جدا”، ذلك أن ما أسماها بـ”خطيئة التوقيع على اتفاقية “أبراهام” ومن تم التطبيع لا يمكن إغفالها أو تناسيها”، مبرزا أن “التعبير عن رفض التطبيع فيه إحراج للموقف الرسمي، وهو ما عبر عنه بلاغ الديوان الملكي في وقت سابق”.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية بأن مثل هذا النوع من المواضيع يتم فيها “البحث عن خلق نوع من الإجماع الوطني من مسألة الوحدة الوطنية”، لكن، يسجل اليونسي في تصريح لـ”الأيام 24” “هناك التباس مشوب بعدم الجرأة أو الخوف من طرف طيف واسع من المشهد السياسي أو النخبوي بالمغرب”.
ويرى اليونسي أن “الإجماع حول القضية الوطنية، لا يعني التماهي مع التوجه الديبلوماسي الرسمي في هذه المسالة”، وتابع: “أخلاقيا، إسرائيل كيان عنصري يمارس الأبارتايد ضد شعب احتلت أرضه ويمارس القتل و”الترانسفير” في صيغة جديدة، والتطبيع إذا كان ضرورة رسمية، فالعمل شعبيا على تحقيق مناعة ضده مطلوب وطنيا أيضا”، مشددا على وجوب “ترك مسافة للعودة في حالة تمادت إسرائيل في سياستها الاستيطانية”.
“كل واحد يدير خدمتو من الموقع الذي يجيده “، يقول أستاذ العلوم السياسية اليونسي بلسان دارج، منبها إلى أنه “بقدر ما يشكل الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء معطى أساسيا للتحرك الرسمي، فإن بعض الاختيارات الدبلوماسية تحتاج إلى نقاش ونقد أيضا، وهذا صمام الأمان للحفاظ على اللحمة الوطنية”.
ما عناه المغرب من شر وسوء الجوار من الشقيقة المسلمة لمدة خمسون عام من تهجير وتقتيل في إخوانهم اامغاربة وتحريض البولساريو على القتال ضد إخوانهم المسلمين المغاربة لم تفعله لا إسرائيل ولا فرنسا ولا اسبانيا التي اعترفت بمغربية الصحراء المغربية