انضمام المغرب إلى “بريكس” تحت المجهر.. ماذا سيجني وما التداعيات المحتملة على مصالحه مع الغرب؟



 

في ظل عالم متغير وعلاقات دولية باتت تتجه نحو التكتلات عوض العزلة والانكفاء على الذات؛ أبدى المغرب رغبته في عضوية مجموعة “بريكس” الاقتصادية، التي تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة، وارتفعت أسهمها في الآونة الأخيرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا ورغبة موسكو في توسيع المجموعة حتى تتحول إلى أداة للضغط السياسي.

 

واستقطبت مجموعة “بريكس” اهتمام الرباط، التي تقدمت بطلب رسمي للانضمام إليها، وفقا لما كشفت عنه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا نادليدي باندور، هذا الأسبوع، وهو المسعى الذي يكرس سياسة المغرب التي يرعاها الملك محمد السادس بشكل شخصي، والمتمثلة في عدم الارتهان إلى شركاء المملكة التقليديين، وإنما البحث عن بدائل وشراكات متنوعة في عالم متعدد الأقطاب.

 

والـ”بريكس”، عبارة عن تكتل سياسي واقتصادي عالمي يضاهي مجموعتي “السبع” و”العشرين”، تأسس عام 2006 ويضم حاليا كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. كان يسمى “BRIC”، نسبة إلى الأحرف الأولى للدول المشكلة له. عقدت المجموعة أول قمة لها عام 2009، ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2011 لتتحول إلى “BRICS”.

 

وليس المغرب هو البلد الوحيد الذي يتطلع اليوم إلى الالتحاق بـ”البريكس”، التي تستعد لعقد قمتها في جوهانسبرغ يومي 22 و23 غشت الجاري، بل إن 22 دولة تشاركه نفس الطموح، في مقدمتها الجزائر، إيران، السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت، مصر وفلسطين، إلى جانب كل من الأرجنتين وفنزويلا وفيتنام وبنغلاديش وتايلاند وهندوراس وإندونيسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا ونيجيريا والسنغال.

 

هل يتوفر المغرب على الشروط اللازمة للانضمام إلى “بريكس”؟

 

بالنسبة إلى الأكاديمي المختص في الاقتصاد السياسي والحكامة محمد حركات، فإن عددا من العقبات تشكل حجرة عثرة أمام مسعى المملكة في التحالف مع دول “البريكس”، كما شرح ذلك لـ”الأيام 24″، في مقدمتها أن الاقتصاد المغربي ليس بنفس قوة الدول الأعضاء في المجموعة، مسجلا محدوديته مقابل تركيز كبير من أعضاء التكتل على المصالح الاقتصادية.

 

وأبرز حركات أن معايير “بريكس” صارمة وتحتم على الدول الراغبة في الدخول إليها أن تتوفر فضلا عن إمكانية النمو الاقتصادي في المستقبل والاستقرار السياسي وموقعا تجاريا استراتيجيا وعلاقة جيدة مع البلدان الأعضاء وبنية حكامة ومناخ أعمال جيدين؛ على ناتج داخلي لا يقل عن 200 مليار دولار، غير أن هذا الشرط الأخير لا ينطبق على المغرب.

 

وأجمل الخبير لدى الأمم المتحدة باقي المعيقات التي تواجه المغرب بهذا الخصوص، في: ارتفاع المديونية الخارجية وعجز الميزان التجاري وتصنيفه المخجل في مؤشر التنمية البشرية )123)، إضافة إلى محدودية البحث العلمي وقدرات الابتكار.

 

وشدد حركات على أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة لتحقيق التنمية الشاملة، لكنها تبقى غير كافية، حسب تعبيره، في ظل انتشار الاقتصاد غير المهيكل والتهرب الضريبي وانعدام الالتقائية بين القطاعات والبرامج واقتصاد الريع وتفشي الرشوة مقابل غياب حكامة اقتصادية، اجتماعية وثقافية واستفحال الفساد المالي دون ربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم تسيد العقلية المتخلفة والانتهازية.

 

ماذا سيجني المغرب إذا انتسب رسميا إلى “بريكس”؟

 

تكمن المكاسب التي سيجنيها المغرب في حال استطاع التغلب على المعيقات التي تحدث عنها الأكاديمي محمد حركات وتم قبول ملف دخوله “بريكس”؛ في أنه سيتمكن من توسيع قاعدته الاقتصادية، خصوصا أنه سيكون عضوا في مجموعة تشكل 41 بالمئة من سكان العالم و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية، إضافة إلى أنه سيستفيد من امتيازات استراتيجية للتجارة والأنظمة المالية والنقدية العالمية خلال السنوات الخمسين المقبلة، كما أنه سيحقق أمنه الغذائي وسيحصل على عوائد استثمارية كبيرة وامتيازات ضريبية وموارد طاقية وتكنولوجية هائلة.

 

أما على المستوى السياسي، فمن المرجح أن تستثمر الرباط عضويتها في “بريكس” من أجل حشد مزيدا من الدعم لصالح قضية الوحدة الترابية للمملكة، من خلال إقناع الدول التي تتبنى الطرح الانفصالي لجبهة “البوليساريو” بالعدول عن ذلك أو ضمان حيادها على الأقل.

 

ما هي تداعيات عضوية المغرب في مجموعة تقودها الصين وروسيا على مصالحه مع الغرب؟

 

اعتبر مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية عبد الفتاح الفاتحي، أن “سياسة المغرب التي أضحت تستهدف الانتساب إلى مجموعة من التكتلات الاقتصادية مثل “إيكواس” و”بريكس”، لا تتعارض مع الشراكات التي يقيمها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج”.

 

ولفت الفاتحي في تصريح لـ”الأيام 24″، إلى أن المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي بات يستشعر أكثر أهمية هذه المجموعات الاقتصادية في مصاحبة سيرورته الصناعية والاقتصادية، مؤكدا أن انضمامه إلى بريكس لا يعني أنه سيدير ظهره للغرب، وإنما سيحافظ على علاقة جيدة مع الجميع بالقدر الذي يرا مناسبا ووفق مصالحه.

 

ولا يرى المحلل السياسي عينه أي تداعيات محتملة على العلاقات الجيوسياسية بين المملكة ومحور الغرب، موضحا بالقول: “الانتماء من وجهة النظر المغربية سيكون ذا طابع اقتصادي صرف، فالمنظمة ليست لديها أهداف سياسية أو عسكرية، وبالتالي فالأمر لا يعدو أن يكون سوى شراكات اقتصادية بين الدول الأعضاء”.

 

وسجل الأكاديمي عبد الفتاح الفاتحي أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست لديها مواقف سياسية تجاه “بريكس” حتى تسحب الشراكة القائمة بينها وبين المغرب في حال انتمى رسميا إلى التكتل الذي تقوده الصين وروسيا، بدليل يضيف المتحدث، أن أمريكا تعدّ أكبر شريك تجاري لجنوب إفريقيا بعد الصين، وتربط بين البلدين مصالح اقتصادية ضخمة في نفس الوقت الذي تحافظ فيه بريتوريا على عضويتها في “البريكس”.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً