مع اقتراب دخول شهر رمضان المبارك، عاد النقاش من جديد حول الإنتاجات الدرامية بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بجودة الأعمال التلفزيونية، وترسيخ قيم الانتماء للوطن والدفاع عن القضايا الوطنية، على اعتبار “تركيا” و”الولايات المتحدة الأمريكية” نموذجان في هذا المقام.
ورغم معالجة الفاعل السينمائي والتلفزيوني المغربي بعض المواضيع المهمة من قبيل “تاريخ النضال السياسي في عهد الإستعمار” و”أحداث سنوات الرصاص” وغيرها من الأعمال الفنية، يبقى المتحكم في هذا المجال فاقدا لـ”الجرأة” العملية، بغض النظر عن الرقابة التي تخضع لها الأعمال الفنية التي تقارب مواضيع “حساسة” في نظر الدولة.
تعليقا على هذا الموضوع، يرى كريم بابا، الباحث في الدراما والوسائط، أن “الفرق بين المنتوج الدرامي المغربي وغيره من المدارس العالمية كأمريكا وتركيا لا يخص المواضيع التي تتعرض لها فقط، كالاختيارات الاستراتيجية للدولة وتاريخها وأجهزتها بالتفصيل، أو ما يتعلق بعناصر الهوية المحلية كاللغة، والدين وفضاءات ممارسته بالمسجد والزاوية وغيرهما”.
وأضاف بابا، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “لابد أولا من التمييز بين شيئين مهمين في قضية مواضيع الإنتاج الدرامي، الأول فني جمالي مرتبط بوظيفة الفاعل الفني ضمن النسق الثقافي عموما، والمخرج والسيناريست في المقام الأول، ومدى امتلاكهم للشروط الذاتية التي تدخل في نطاق الصناعة الثقافية التي تسمح لهم بالتفرغ لإعداد أعمال تحتاج بحثا طويلا لامتلاك معطيات دقيقة من مستشارين وخبراء وباحثين معتمدين، تخص، مثلا، تطور الدولة وأجهزتها، في حالة الحصول عليها”.
وتابع المتحدث عينه أن “عدم وجود تراكم كاف في هذا المجال من حيث عدد الأعمال المنجزة، سواء في السينما أو التلفزيون، إذ باستثناء عناوين معدودة جدا، كالتي تطرقت لموضوع سنوات الرصاص، لم يمتلك الفاعل السينمائي بالمغرب الجرأة على ولوج هذه المغامرة، مع العلم أن خشبة المسرح بالمغرب بها تجارب أكثر تحررا من الشاشة، ويمتلك صانع الفرجة فيها مساحات كبيرة للإبداع وببعد رمزي يتجاوز الخطاب المباشر، بخلاف التلفزيون الذي يعد مؤسسة عمومية تدخل في منظومة وسائط الخطاب الرسمي”.
وأشار الباحث في الدراما والوسائط إلى أن “الأمر الثاني وهو استمرار الرقابة على الأعمال التي تشتغل على ملفات حساسة في المنظومة الثقافية المغربية، لعوامل تاريخية مرتبطة بعلاقة الفاعل الثقافي مع الإدارة، إذ كان الفعل الفني والثقافي ما بين مرحلتي سنوات الرصاص وحكومة التناوب مصدر توثر وتوجس، بحكم تصدر اليسار (المعارض) قيادة العديد من المنظمات المدنية في هذا المجال، مثل النوادي السينمائية، واتحاد كتاب المغرب، ومسرح الهواة … وغيرها من الفضاءات المنفتحة على أشكال إبداعية حداثية وغربية المنشأ”.
“هناك عامل آخر أساسي ومهم وهو أن تلك المواضيع تتقاطع مع قضايا يصنفها الباحثون في مجال العلوم السياسية ضمن نطاق “السيادة”، وحتى القطاعات الوزارية التي يمكن أن يخاطبها المبدع السينمائي للحصول على معطيات لمشروعه الفني لا توجد بها قنوات وتقاليد في هذا الإطار، الشيء الذي جعل الخيار المتاح أمام المخرجين هو قراءة ثانية لتاريخ النضال السياسي بالمغرب، إذ تم التركيز في هذا الجانب على العالم الداخلي والخاص للمثقف والمناضل اليساري بالمغرب خلال الفترات التي كانت الحكومات بالمغرب تحت إدارة أحزاب اليمين، وفي المقابل كانت أحزاب اليسار تشكل المعارضة بصورتيها الإصلاحية والراديكالية”، يقول المتحدث.
وأردف بابا أيضا أنه “كما لا يجب أن ننسى في هذا الإطار أن الإنتاج المستقل، خاصة المشترك منه مع منتجين أجانب، حاول تكسير قائمة المواضيع المحضورة “الطابو” بالمغرب لكنها اقتربت فقط، وبدرجات متفاوتة، من مواضيع كالتدين، والمال السياسي، والجنس …. إلا أنها لم تستطع اختراق هذه الدائرة للاعتبارات المذكورة آنفا، إذ لا زال الفاعل الدرامي بالمغرب الذي يشتغل على مواضيع عاطفية مثلا يناضل من أجل مرور عمل سينمائي أو تلفزيوني بالقنوات العمومية، به مشاهد حميمية بين زوج وزوجته، ولا يتعرض لمقص الرقيب”.
مضيفا أنه هناك “نافذة أخرى متاحة أمام فناني الصورة السينمائية وهي الويب، إذ نلاحظ أن جيلا مختلفا من صناع المحتوى الرقمي انخرط، باستثمار الوسائط المتعددة، في إنتاج مضامين وتيمات جريئة تتناول مواضيع تخص كثيرا من القضايا المحضورة على الشاشة، والتي تعبر عن وجود مساحة حقيقية من الحرية”.
ويعتقد الباحث في الوسائط أن “الخطوة الأولى التي يجب أخذها في هذا المسار هو فتح حوار بين الفاعل الفني والإدارة، من جهة، وبينه وبين الباحثين والنقاد من جهة ثانية، من خلال تنظيم، على سبيل المثال، مناظرة وطنية والبحث عن آفاق متفردة تحترم الخصوصية الوطنية والقومية، كالتجربة الآسوية (الهند، إيران ….)، وليست بالضرورة محاكاة لتجارب عالمية أخرى (أمريكا، تركيا)، تكون بوابة للتعريف بالتاريخ المغربي المعاصر وغنى تجاربه الثقافية وتنوعها، وتتطرق لمواضيع آنية مثل: المغرب في مرحلة الربيع العربي، وإدماج اليسار الاشتراكي في السلطة، والصوت الأمازيغي، والحكم الذاتي، وصحراويو الداخل”.