نور الدين مفتاح يكتب: آش غادي نكملوا؟

إن منطق العدالة الاجتماعية الذي يعتبر عماد الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق إلا بالتعبئة، والتعبئة لا تتم إلا بالمصداقية والقدوة، وللأسف هذا ما ينقص هذه الحكومة التي يعتبر عنوانها هو تضارب المصالح. فسواء في المحروقات أو الغاز أو المقاصة، نجد رئيس الحكومة من جهة كمدبر للشأن العام ومن جهة أخرى كمستفيد وفاعل رئيس من القطاع الخاص، والمسألة لا تتعلق ببضعة ملايين بل تصل حسب تقديرات الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة البترول «لاسامير» إلى ما يناهز الستين مليار درهم كأرباح لا أخلاقية، استفادت منها شركات المحروقات، وبغض النظر عن الأرقام فالخرق مؤكد رسميا من خلال حكم مجلس المنافسة الذي لم تطعن فيه هذه الشركات وإن لم تؤد في النهاية إلا 1,8 مليار درهم كغرامة، وبالتالي فالإدانة ثابتة والمنطق كان يجب أن يقود أوتوماتيكيا إلى استقالة السيد عزيز أخنوش.

نور الدين مفتاح [email protected]

 

 

مرّت الزيادات في أجور الموظفين ورجال التعليم والأطباء وغيرهم مرور الكرام، فيما مرّت الزيادة في ثمن «البوطا» كالرعد. وقد يبدو هذا إجحافا في حق حكومة «الكفاءات» ولكن الأمر طبيعي لسبب بسيط وهو أن الفئات المستهدفة بالزيادات في دخلها ليست هي الفئات المتضررة من الغلاء الفاحش والزيادة في ثمن البوطا. وحتى الدعم الاجتماعي المباشر الذي لا يمكن إلا لجاحد أن ينكر إيجابياته يبقى حجمه وطرق احتسابه أقل أثرا من أثر الزيادة في قنينة غاز لها رمزية أكبر من حجمها الحقيقي.

 

أن تَنْفَح أسرة كاملة بـ 500 درهم شريطة ألا يكون لديها اشتراك في الأنترنيت ولا هاتف جوال ولا أي شيء من أساسيات العصر، فهذا يعني إقصاء جزء كبير من الفقراء دون الحديث عن المساكين، فالفقير هو من لا دخل له وهو تحت عتبة الكرامة، وأما المسكين فهو من له دخل لا يكفيه لأساسيات العيش أي دون كماليات.

 

لهذا، فإن منطق التخلص التدريجي من أعباء المقاصة لدعم البوطا بدعوى استفادة الأغنياء من هذا الدعم مسألة صعبة التدبير والتبرير، وإلا فكيف يمكن تفسير زيادة 2,5 درهم في قنينات الغاز الصغيرة مع أن الميسورين والمهنيين لا يستعملونها؟ وهل من المعقول أن يكوى بنار الزيادة مئات الآلاف من المواطنين الذين تم إقصاؤهم من الدعم المباشر نظرا للعيوب التي تعتري مؤشر الفقير في التقييم الحكومي؟ وإذا كان هذا الدعم المباشر يكلف 21 مليار درهم في السنة، ألم توفر الخزينة ومنذ حكومة عبد الإله ابن كيران ما يناهز 30 مليار درهم في السنة من ميزانية المقاصة بعد تحرير أسعار الوقود؟ وأليس المغاربة كلهم من يؤدون ثمن هذه الزيادات الصاروخية فليصانص والمازوط، فيما تستفيد من جزء منها بشكل لا قانوني ولا أخلاقي شركات المحروقات وعلى رأسها شركة السيد رئيس الحكومة نفسه؟!

 

إن منطق العدالة الاجتماعية الذي يعتبر عماد الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق إلا بالتعبئة، والتعبئة لا تتم إلا بالمصداقية والقدوة، وللأسف هذا ما ينقص هذه الحكومة التي يعتبر عنوانها هو تضارب المصالح. فسواء في المحروقات أو الغاز أو المقاصة، نجد رئيس الحكومة من جهة كمدبر للشأن العام ومن جهة أخرى كمستفيد وفاعل رئيس من القطاع الخاص، والمسألة لا تتعلق ببضعة ملايين بل تصل حسب تقديرات الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة البترول «لاسامير» إلى ما يناهز الستين مليار درهم كأرباح لا أخلاقية، استفادت منها شركات المحروقات، وبغض النظر عن الأرقام فالخرق مؤكد رسميا من خلال حكم مجلس المنافسة الذي لم تطعن فيه هذه الشركات وإن لم تؤد في النهاية إلا 1,8 مليار درهم كغرامة، وبالتالي فالإدانة ثابتة والمنطق كان يجب أن يقود أوتوماتيكيا إلى استقالة السيد عزيز أخنوش.

 

نفس الشيء الذي جرى مع الوقود سنعيشه مع الغاز وكأن التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي. فإذا كانت زيادة اليوم في قنينة الغاز الكبيرة هي 10 دراهم بحيث سيصبح ثمنها خمسين درهما، فإنها ستصل في 2027 إلى ما يقارب المائة درهم. وليت القضية ظلت محصورة هنا، فبعد سنتين سترفع الحكومة يدها عن أسعار غاز البوتان، وتحرر السوق، وسنكرر ما حدث حين تم تحرير البترول، وتم الاعتقاد بسذاجة أن المنافسة في السوق ستجعل الأثمنة تنخفض تلقائيا في محطات الوقود، إلا أن الذي جرى هو أن الحيتان الكبيرة من مستوردي وموزعي المحروقات اتفقوا على الشعب المغربي، ورفعوا الأثمنة، وأشعلوا حرائق الأسعار في المحطات قبل حتى أن تشتعل الحرب الروسية على أوكرانيا، فوصلت أثمنة المازوط واليصانص إلى أرقام لم يعرفها المغرب من قبل.

 

تحرير الغاز في 2027 يمكن نظريا أن يؤدي إلى انخفاض ثمنه أو على الأقل أن يتموج مع تقلبات الأسعار الدولية ما دمنا من مستوردي هذه المادة الحيوية، إلا أن التجربة في هذا البلد العزيز علمتنا أن شرح الدولة الاجتماعية في القاموس هو إغناء الأغنياء وإعطاء الفتات للفقراء والمساكين.

 

سيتفقون على الشعب المغربي مرّة أخرى وسيشعلون الأسعار، وسترفع قضيتهم إلى مجلس المنافسة، وسيؤدون نصف مليار درهم فيما ستكون أرباحهم اللاأخلاقية قد فاقت الأربعين أو الخمسين مليار درهم. هذا سيناريو رهيب مفترض أطلب من الله صادقا أن يخيّب ظني ويكذب حدسي ويلبس الفاعلين «الغازيين» لبوس القناعة والوطنية والنزاهة وخدمة الصالح العام، خصوصا وأن منهم من يقود الحكومة.

 

عموما، وحتى لو كان عندنا أولياء الله الصالحين في مجال استيراد وتوزيع غاز البوتان، فإنه مع الرفع الكلي للدعم وتحرير القطاع، لن ينزل ثمن البوطا الكبيرة عن 150 درهما! والفيلم لم ينته هنا. إذا كان استهلاك غاز البوتان يتجاوز الـ 200 مليون قنينة في السنة، فإن نصفه يستعمل في المجالات خارج المنزلية، وخصوصا في المجال الفلاحي.

 

وكما حدث مع تحرير الوقود الذي رفع أوتوماتيكيا من أثمنة النقل، فإن الارتفاع الصاروخي لأثمنة الغاز بما يناهز الـ 300 بالمائة، سيرفع أسعار كل المواد الاستهلاكية الأساسية التي تستعمل البوطا في إنتاجها، ويقدر الخبراء أن الزيادة العامة الشهرية داخل الأسرة المتوسطة قد تصل إلى 750 درهما في الشهر بعد 2027!

 

وبحساب بسيط، سنجد أن الدولة الاجتماعية التي أعطت أسرة يجب أن تبرهن أنها من أهل الكهف 500 درهم في الشهر، ستأخذ منها 750 درهما! وهنا تكون ألاعيب سحرة الأرقام قد رسمت الجنة في الحصيلة الحكومية المبهرة، ولكنها أخفت جحيم الزيادة في كلفة معيشة هي ثقيلة اليوم على مغاربة 25 مليونا منهم يئنون تحت وطأة الفقر التي ستزداد ثقلا، مع فارق بين الأمس الذي كانت فيه الأمور واضحة صريحة واليوم الذي تخفي فيه الشعارات الاجتماعية البراقة حقيقة حليمة التي تصر على عاداتها القديمة.

 

لقد أطلقت حكومة السيد عزيز أخنوش آلاف الوعود البرّاقة ولم تف بها، وإذا كانت قد وضعت مشكورة قطار الدعم الاجتماعي المباشر على السكة، وعربة الحماية الاجتماعية في الطريق، وبعض الزيادات في الأجور، فإن موارد كل هذا لم تتأت من ثمار تطور اقتصادي حقيقي، بل ممّا يمكن أن نسميه بالبريكولاج التدبيري المالي، حيث إن أغلب تمويلات هذه المصاريف الخارقة جاءت مما سمّي بـ«التمويلات المبتكرة» عن طريق بيع أصول المستشفيات والجامعات والإدارات، والتي ستدر ما يناهز الـ 10 ملايير دولار على الخزينة إضافة إلى 15 مليار درهم ونيف التي ستربحها من صندوق المقاصة، وبعض الملايير من الضريبة التضامنية.

 

كل هذه المبالغ الخيالية تبيح للحكومة اليوم أن تكون سخيّة ظاهريا، ولكن كما يقول المثل المغربي «الشي من الشي نزاهة والشي من قلة الشي سفاهة»، فبيع رأس مال الدولة ليس حلا دائما، بل إنه أسوأ من الخوصصة التي كانت تتطلب قانونا وإجازة من البرلمان، وهو ما لم يقع في هذا البيع السري للمؤسسات العمومية التي تم كراؤها من طرف الحكومة!

 

وبالتالي يطرح السؤال عن الغد، وهذا السؤال أجاب عنه السيد رئيس الحكومة في آخر مرور متلفز له «المغاربة فاش غادي يشوفو هاد الأوراش الاجتماعية غادي يتشجعو يخلصو الضرائب ديالهم». السي أخنوش لا يتحدث عن نسبة النمو التي لم تتجاوز في ولايته 1,3٪ سنة 2022 و2,9٪ سنة 2023 في حين أن البرنامج الحكومي وعد بنسبة نمو سنوية تصل إلى 4٪ ولا يتحدث عن التشغيل لأن نسبة البطالة وصلت إلى رقم غير مسبوق خلال عقود وهو 13,5٪. إنه باختصار لا يتحدث عن بناء متين تُرفع على أعمدته الدولة الاجتماعية، وإنما عن إجراءات براقة مغرية في طياتها خطر انهيارها، ورغم هذا طلع علينا هذا الأسبوع إشهار للحكومة يدعونا باستفزاز باش: «نكملوا جميع» والسؤال هو «آش غادي نكملوا؟».. الله يحفظ وخلاص!

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً