الانتقال الديمقراطي بالمغرب وسؤال الإصلاح في ظل الاستقرار
بقلم: عبد النبي أعنيكر
في عهد حكومة أخنوش، شهد المسار الديمقراطي في المغرب تراجعا مهولا على مختلف المستويات، فبعد وعود الحكومة بالإصلاح والنهوض بالحقوق والحريات غداة انتخابات 7 شتنبر 2021، أصبح واضحا أن هذه الوعود لم تكن سوى خدعة انتخابية لتمرير سياسات تخدم مصالح المال والأعمال وتُقيد من الحريات.
فعلى صعيد الحريات العامة، شهدنا في الفترة الأخيرة تصاعدا في حملات الاعتقال التعسفي للنشطاء السياسيين والحقوقيين والصحافيين، كما تم فرض قيود على حرية التعبير والتجمع السلمي، مع استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.
أما على صعيد الحكم الرشيد، فقد تفاقمت مظاهر الفساد والمحسوبية في مختلف المؤسسات الحكومية، كما شهدنا تغول الحكومة وأغلبيتها البرلمانية ومحاولات وإقصاء المعارضة البرلمانية من العملية السياسية.
وعلى عكس ما تم الترويج له من تحسين جودة حياة المغاربة، فقد تضررت معيشة عموم المواطنين بسبب الارتفاع المهول لأسعار المواد الغذائية وضرب قدرتهم الشرائية، مع ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب وتسريح العمال.
هذا التراجع الديمقراطي يهدد بإفشال مسار الإصلاحات الدستورية التي كان المغرب قد شرع فيها في السنوات الماضية، وهو ما يؤكد على ضرورة إعادة النظر في سياسات الحكومة الحالية والعودة إلى مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد من أجل بناء مغرب ديمقراطي مستقر وعادل.
من مظاهر التراجع الديمقراطي ببلادنا
وبدا جليا أن من مظاهر التراجع الديمقراطي في المغرب في عهد حكومة أخنوش، فرض القيود على حرية التعبير، حيث شهدت بلادنا اعتقال صحافيين ونشطاء بتهم تتعلق بممارسة حرية التعبير، ومنع أو تفريق العديد من التظاهرات السلمية تحت ذريعة “التصدي للتجمعات غير القانونية”، كما عملت الحكومة على تضييق الخناق على المواقع الإلكترونية المستقلة وفرض رقابة على المحتوى الإعلامي.
فضلا عن ذلك، تم تقييد الحريات السياسية من خلال شن حملات اعتقال واسعة طالت قيادات المعارضة السياسية وناشطي الحراك الاجتماعي، وإقصاء المعارضة من المشاركة الفعلية في العملية السياسية وتهميشها، والتضييق على الأحزاب السياسية المستقلة وعرقلة نشاطاتها.
ومن مظاهر هذا النكوص الديمقراطي، تنامي الفساد والمحسوبية حسب تقارير وطنية وأخرى دولية، ومن ذلك، انتشار ظاهرة المحسوبية في التعيينات الحكومية وتوزيع المناصب، وتورط مسؤولين في قضايا فساد مالي وإداري، وغياب الشفافية في إدارة الشأن العام والمال العام.
فضلا عن ذلك، هناك تركيز مفرط للسلطة، من خلال هيمنة رئيس الحكومة على مختلف المؤسسات الدستورية والتنفيذية، أفضى إلى تقليص دور البرلمان والمؤسسات الرقابية في مراقبة عمل الحكومة، وكذا التضييق على دور المجتمع المدني في المساءلة والمحاسبة.
أزمة الأحزاب وسؤال النخب السياسية
تفاقمت أزمة الأحزاب السياسية في المغرب في ظل حكومة أخنوش، الأمر الذي يطرح تساؤلات جوهرية حول دور النخب السياسية وقدرتها على إصلاح المشهد الحزبي وتجديد الممارسة السياسية بما يعيد الثقة بين المواطن والطبقة السياسية.
ومن مظاهر أزمة الأحزاب السياسية، ضعف البنية التنظيمية والمالية للأحزاب التي تفتقر إلى موارد مالية كافية وآليات تمويل شفافة، وإلى غياب التكوين والتدريب الكافي للكوادر الحزبية على العمل السياسي، وضعف قدرات الأحزاب على التواصل مع القاعدة الشعبية وتنظيم فعاليات حزبية.
كما أن هيمنة البيروقراطية الحزبية عمقت هي الأخرى من مظاهر هذه الأزمة، بسبب سيطرة النخب التقليدية على قيادة الأحزاب وصناعة القرار السياسي، وانغلاق الأحزاب على نفسها وابتعادها عن قضايا المواطنين، وضعف التداول على السلطة داخل الأحزاب وغياب الديمقراطية الداخلية.
هذه الأزمة التي تربط الفاعل السياسي والنخب الحزبية واستقلالية القرار الحزبي بسؤال الثقة في المشاركة السياسية لها انعكاسات على المشهد السياسي ببلادنا، تراجع منسوب ثقة المواطنين ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية وانصرافهم عن المشاركة، وهيمنة الخطاب الشعبوي لدى النخب السياسية، وتحول الأحزاب إلى مجرد آلة انتخابية بدلاً من كونها قوى سياسية فاعلة.
أية رهانات لانتخابات 2026؟
انتخابات 2026 في المغرب ستكون محطة هامة تطرح العديد من الرهانات والتحديات على النخب السياسية والمجتمع المغربي، ونجاح هذا الاستحقاق الانتخابي يتطلب جهودا مشتركة بين مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين لتجاوز الأزمة الراهنة وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في المغرب يتمثل في إصلاح المشهد الحزبي، وقيام الأحزاب بإصلاحات هيكلية وتنظيمية لتعزيز بنيتها الداخلية، ووضع تشريعات جديدة تضمن الشفافية في تمويل الأحزاب وديمقراطية العمل الداخلي، وتعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة الحياة الحزبية وتقييم برامج الأحزاب.
ومن بين الرهانات كذلك، تجديد الخطاب السياسي والانتقال من الخطاب الشعبوي والانقسامات الإيديولوجية إلى برامج عملية تتناول قضايا المواطنين، مع ضرورة تعزيز إشراك الشباب والنساء في صياغة البرامج الحزبية وتمثيلهم في القيادات، وتطوير آليات التواصل بين الأحزاب والناخبين وتعزيز الحوار السياسي.
رهان ثالث له أهميته البالغة في إنجاح انتخابات 2026 له علاقة مباشرة بموضوع ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، عبر إصلاح القوانين الانتخابية بما يضمن الشفافية والمنافسة العادلة، وتعزيز دور المراقبة المستقلة للعملية الانتخابية من قبل المجتمع المدني والهيئات الوطنية والدولية، فضلا عن تحفيز المشاركة السياسية بزيادة مستوى الوعي السياسي والمدني لدى المواطنين، خاصة الشباب، وتطوير آليات المساءلة والمحاسبة السياسية والمدنية لممثلي السلطة، وتعزيز ثقة المواطنين في النظام السياسي وقدرتهم على التأثير فيه.
جدوى الإصلاح في ظل الاستقرار السياسي في المغرب
إن الاستقرار السياسي في المغرب منذ 2011، أتاح الفرصة لإجراء إصلاحات واسعة النطاق في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الإصلاحات سمحت بتعزيز الشرعية الدستورية والمؤسسية، وتحسين الحكامة العمومية، وتطوير السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين صورة المغرب دوليًا.
إن الاستقرار السياسي ببلادنا بعد دستور 2011 أتاح الفرصة لإجراء إصلاحات دستورية وقانونية عميقة، عززت الضمانات الدستورية للحقوق والحريات السياسية والمدنية، وأسهمت في تقوية دور البرلمان والقضاء كسلطات مستقلة تمارس الرقابة على السلطة التنفيذية، وكان له دور بارز في تحسين الحكامة العمومية حيث تم إقرار إصلاحات مؤسسية لتعزيز الشفافية والمساءلة في الإدارة العمومية، وإنشاء هيئات جديدة لمكافحة الفساد والرشوة وتعزيز النزاهة، وتبني آليات للحوار والتشاور مع المجتمع المدني في صنع السياسات العامة.
كما كان للاستقرار السياسي بعد دستور 2011، عاملا أساسيا في تطوير السياسات الاجتماعية والاقتصادية، الذي سمح بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وتنموية طموحة، واعتماد برامج طموحة للحد من الفقر والتفاوتات الاجتماعية، والاستثمارات في البنيات التحتية والقطاعات الاجتماعية.
إرادة ملكية وجهود حكومية وتعبئة مجتمعية بعد إقرار دستور 2011، أسهمت في تحسين صورة المغرب دوليا، فالاستقرار السياسي عزز من مكانة المغرب كشريك موثوق على الصعيد الدولي، وحسن التموقع الجيوسياسي للمغرب في محيطه الإقليمي والدولي، وعزز التعاون الدولي والجاذبية الاستثمارية لبلادنا.
إن سؤال حماية الانتقال الديمقراطي في المغرب منذ 2011 شهدت تقدمًا ملموسًا، لكن لا تزال هناك تحديات يجب معالجتها من أجل تعميق الديمقراطية وتحقيق الاستقرار السياسي، سيما في ضوء النكوص الديمقراطي الذي تشهده بلادنا بعد انتخابات 07 شتنبر 2021، وزواج المال والسلطة وتضارب المصالح الذي تقبع فيه حكومة أخنوش.