شهدت الذكرى الـ25 لتربع الملك محمد السادس على العرش المجيد أحداثا داخلية وخارجية اعتبرها مراقبون “تاريخية” و”إنسانية”، أبرزها العفو الملكي الذي شمل عددا من الصحفيين والنشطاء الحقوقيين، مما خلف ارتياحا كبيرا لدى مجموعة من الهيئات الحقوقية والسياسية إضافة إلى الجسم الإعلامي داخل البلاد.
كما شكل الاعتراف الفرنسي البالغ الدلالة بمغربية الصحراء موقفا سياسيا ودبلوماسيا شجاعا تبنته إدارة إيمانويل ماكرون، التي اعتبرت مخطط الحكم الذاتي “الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، ومستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وشهد مسار حكم الملك محمد السادس للمملكة المغربية من طنجة إلى الكويرة ومن وجدة إلى الصويرة إنجازات ضخمة، حظيت باشادات واسعة من قبل فاعلين ومتتبعين وطنيين وخارجيين، جسدت التطور المشهود والمستمر للمغرب على جميع الأصعدة والمستويات.
ولا تزال قضية الصحراء المغربية تأخذ مساحة بارزة ضمن سجل القضايا الوطنية المهمة، والتي حققت انتصارات متتالية بعد الاعترافات الدولية والأممية التي جاءت نتيجة جهود دبلوماسية كبيرة، ورؤية استراتيجية حكيمة ومتبصرة للعاهل المغربي.
وفي هذا الصدد، قال مصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والناطق الرسمي الأسبق باسم الحكومة، إن “ما شهدته المملكة المغربية في 25 سنة من حكم الملك محمد السادس على المستوى الدبلوماسي يجعلنا اليوم إزاء محطة استثنائية بكل المقاييس، تفرض على المتتبع الموضوعي الإشادة والتنويه بالعمل الجبار الذي قاده جلالة الملك”.
وأضاف الخلفي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “المغرب شهد انعطافات سياسية ودبلوماسية وتنموية متتالية، ومن أهم الانعطافات التاريخية، التطور الذي شهدته قضية الصحراء المغربية، وآخرها الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء باعتباره خطوة تاريخية تحققت بعد مجهود كبير طيلة أربع سنوات لنصل إلى خروج باريس من المنطقة الرمادية، وخاصة منذ غشت 2022 عندما أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عن اعتبار قضية الصحراء النظارة التي ينظر بها إلى علاقاته مع الدول”.
وسجل الخلفي، أن “قضية الصحراء المغربية شهدت تحولا جذريا في المسار الدبلوماسي والأممي، ففي سنة 1999 كنا نواجه محاولة فرض قائمة مصوتين في استفتاء أُقصي منه حوالي ثلثي ساكنة الصحراء بما يعني التمهيد لانفصال الصحراء، واليوم بعد 25 سنة لم نتجاوز فقط الاستفتاء ويقع التوجه نحو حل سياسي، بل هناك اعتراف رسمي من كبريات الدول من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا،ل واعتراف عملي من بريطانيا مع افتتاح حوالي 28 قنصلية بالعيون والداخلة”.
وتابع أن “تراجع المواقف الدولية الداعمة لجبهة البوليساريو من حوالي نصف دول العالم إلى حوالي 15 في المائة، وأيضا النجاح في محاصرة وعزل المشروع الانفصالي في الاتحاد الأفريقي، وتحرير معبر الكركرات وإنهاء وهم المناطق المحررة شرق الجدار، واعتماد قانونية الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة بالمجال البحري للصحراء، فضلا عن الانتصار في سلسلة معارك كإفشال مشروع توسيع اختصاصات المينورسو ومقاومة انحياز المبعوث الأممي الأسبق الأمريكي الجنسية كريستوفر روس، وإقرار اتفافية للصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي تدمج الصحراء المغربية”.
من ناحية أخرى، أوضح الوزير الأسبق، أن “المغرب استطاع أن يؤسس لسياسة وطنية طموحة تحت رهان الالتحاق بركب الدول الصاعدة، بمشاريع هيكلية على المستوى الصناعي والطاقي والفلاحي والمائي وأيضا اللوجيستيكي والبنيات التحتية الكبرى، إلا أن السمة المميزة في التدبير، وسط محيط إقليمي مضطرب وأحيانا معادي مع مخلفات صعبة لجائحة كورونا، إرساء ثابت صيانة استقلالية القرار الوطني، وعدم المساومة في الثوابت الوطنية، مما اقتضى خوض معارك خارجية وداخلية”.
وتابع “ولعل تدبير ملف الربيع العربي في 2011 واعتماد دستور جديد وإدارة ملف اندماج الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في العمل الحكومي وتشكيل حالة استثناء في المنطقة العربية ككل طيلة عقد من رئاسة العدالة والتنمية للحكومة، والادارة الحكيمة لملفي الأمازيغية ومدونة الأسرة، تعكس القدرة على تحويل المخاطر أو التهديدات إلى فرص وإمكانات”.
ويرى الخلفي، أن “هناك انعطاف داخلي ضخم يتعلق بورش تعميم الحماية الاجتماعية ليشمل ثلثي الساكنة مع إقرار نظام دعم مالي مباشر الفقراء في بلد غير نفطي”، مشيرا إلى أن “هناك تحديات مطروحة وما تزال قائمة، إلا أن ما تحقق وضع اسس تجاوزها في إطار الرؤية الاستراتيجية الوطنية”.
وخلص الخلفي حديثه قائلا: “بخصوص الحدث الكبير والنبيل الذي رافق الاحتفال بعيد العرش المجيد، فلابد من شكر جلالة الملك محمد السادس حفظه الله على العفو الذي طال مجموعة من الصحفيين والمدونين والفعاليات، باعتبارها مبادرة إنسانية وسياسية وازنة أنهت مسارا من التشويش الذي يستهدف بلادنا وأعطت زخما جديدا لدينامية الإصلاحات السياسية، وأكدت من جديد قوة الحكمة المغربية في استيعاب الاستهدافات وتجاوزها”.