بيسان في جباليا تزرع “بذور الصمود”
في شمال غزة، حيث تشتد وطأة الجوع، قررت بيسان عكاشة ابنة الـ21 عاماً أن تزرع بذوراً في مبادرة توفر من خلالها بعض الحاجات الغذائية لعائلتها والجيران، في ظلّ انقطاع شبه كامل للسلع والمواد الغذائية، منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتحذر تقارير دولية من خطر المجاعة في غزة، إذ قال تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران الماضي، إن 96 في المئة من سكان القطاع – نحو مليوني نسمة – يعانون من انعدام حادّ في الأمن الغذائي، من المتوقع أن يستمرّ حتى أيلول/ سبتمبر المقبل.
- نصف المباني على الأقل "دمرت بالكامل أو تضررت" في غزة
- المكتب الحكومي في غزة يحذر من ارتفاع الوفيات بسبب المجاعة، وتسجيل حالات "تسمم" شمالي غزة
ورغم ما ذكره التقرير عن تحسن طفيف في دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، ما حال دون وقوع مجاعة، لكن يبقى الوضع بائساً. هناك حيث تعيش بيسان مع والدها، ووالدتها، وأشقائها الأربعة، وشقيقاتها الثلاث في مخيم جباليا.
وشهد المخيم عمليات عسكرية إسرائيلية مكثفة، أدت إلى تشريد نحو 100 ألف فلسطيني.
بيسان التي ما زالت في المرحلة الجامعية في تخصص الهندسة المعمارية، تقول لبي بي سي عربي إن فكرة مشروعها الزراعي ولدت "بعد المجاعة، وتجريف الأراضي إثر دخول الجيش (الإسرائيلي)، وتدمير الغطاء النباتي، في وقت نحن بحاجة للنباتات كمصدر للغذاء، نتيجة تقييد دخول المواد الغذائية إلى الشمال".
وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن إسرائيل أخرجت 75 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة.
"بذور الصمود"
تحدثت بيسان إلى بي بي سي بشغف عن طموحاتها في تطوير المبادرة التي أطلقت عليها اسم "بذور الصمود"، مشيرة إلى الجهود الكبيرة التي بذلها والدها، المهندس المدني جهاد عكاشة، البالغ من العمر ستين عاماً، من أجل إنجاحها.
وأشارت بيسان إلى أنه بعد احتراق منزل العائلة مرتين، لم يتوقف والدها عن السعي لترميمه. ففي المرة الأولى، احترق الطابق العلوي، وبعد ترميمه، احترق المنزل بالكامل. ثم تمكن جهاد من إصلاح الطابق الأول، بعد ذلك عمل على استصلاح الأرض في حديقة المنزل. وبذل جهاد جهداً كبيراً في إزالة آثار الردم، رغم صعوبة المهمة دون استخدام الآليات الثقيلة، كما تقول بيسان.
حالياً، تعمل بيسان على إتمام المبادرة من خلال إزالة ما تبقى من الردم وتنظيف الأرض، لاستكمال عملية الزراعة بنجاح، بمساندة فريق صغير من المتطوعين إلى جانب والدها.
لا يقتصر هدف مشروع "بذور الصمود" على محاولة القضاء على الجوع فقط، بل تقول بيسان إن "فكرتي تهدف إلى أن يعمل من فقدوا أرواحاً أحبوها، في الأرض والزراعة، لأن ذلك قد يواسيهم ويساعدهم في نسيان أحزانهم".
وتضيف: "مشروع زراعة الأرض يعيد علاقتنا كغزيين بأرضنا، من خلال حرثها والاهتمام بالنباتات".
مواجهة الصعوبات
شملت مبادرة "بذور الصمود" حتى الآن زراعة تلة من الباذنجان باستخدام 75 شتلة. تشرح بيسان: "استفدنا من قرميد مدمّر وعليه آثار تجريف، فغطيناه بتربة طينية، ثم زرعنا الأشتال".
وتتابع "زرعنا حديقة المنزل بتقسيم الأرض إلى جزئين: أحدهما أعددناه للزراعة من خلال تنظيفه واستصلاح التربة، والجزء الآخر زرعناه في وقت سابق ونعمل حالياً على سقايته". "زرعنا فيه خياراً وبندورة وفلفلاً وباذنجاناً وكوسا".
تستعد بيسان ووالدها وفريق صغير من المتطوعين، يتكون حتى الآن من أربعة أفراد، لتوفير أشتال جديدة للبدء بالمرحلة المقبلة من زراعة الجزء الثاني من الأرض.
لكن تواجه المبادرة التي تأمل بيسان أن تتوسع لتساهم في دعم مناطق مختلفة في قطاع غزة، صعوبات متعددة بدءاً من تأمين الأشتال إلى انقطاع المياه والإنترنت. وتوضح بيسان أن الحصول على الأشتال بأسعار معقولة ليس أمراً سهلاً، إذ تشير إلى أن أسعارها تضاعفت مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.
ورغم توفر المياه حالياً لزراعة أرض حديقة منزلهم عبر بئر يستفيد منها المربع السكني الذي يعيشون فيه داخل جباليا، فإنها تخشى من عدم توفر هذه الكمية في مناطق أخرى، مما قد يعيق التوسع في المبادرة.
بيسان التي كانت تنتظر توفر الإنترنت في الشارع القريب من منزلها حتى تتمكن من التواصل مع بي بي سي وإرسال صور لمبادرتها. تؤكد أن عدم توفر الإنترنت بشكل مستمر يؤثر سلباً على الترويج لـ"بذور الصمود."
تقول بيسان إن ابنة عمها شهد، التي تعيش خارج قطاع غزة في إسبانيا، تساعدهم في تصميم منشورات صفحة المبادرة عبر منصة إنستغرام والترويج لها، وذلك لسهولة وصولها إلى خدمات شبكة الإنترنت.
وتفتقر المبادرة إلى تمويل جيد، مما يجعل نطاق المستفيدين منها حتى الآن محدوداً بعائلة بيسان وجيرانها.