حكم جديد للمحكمة العليا في تونس قد يغير قائمة المرشحين للرئاسة




الرئيس التونسي قيس سعيد
Reuters
يستأثر قيس سعيد بسلطات واسعة منحه إياها دستور 2022

أصدرت المحكمة العليا في تونس، السبت، أمراً للهيئة العليا للانتخابات بإعادة إدراج اثنين من المترشحين في القائمة النهائية للمرشحين لانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر/تشرين أول المقبل، محذرة من أن عدم القيام بذلك قد يعرض شرعية الانتخابات للخطر.

ورفضت الهيئة العليا للانتخابات، في وقت سابق من هذا الشهر، قرار المحكمة بإعادة ترشيح عبد اللطيف مكي ومنذر زنيدي وعماد الدايمي قبل انتخابات السادس من أكتوبر/ تشرين أول، مشيرة إلى مخالفات مزعومة في ملفات ترشيحهم.

وقالت المحكمة ، يوم السبت، "إن اللجنة ملزمة بتنفيذ قرارها، وإذا لزم الأمر، مراجعة الجدول الزمني للانتخابات". وليس من الواضح ما إذا كان هذا يعني تأجيل الانتخابات أو تمديد فترة الحملة الانتخابية.

وأضافت المحكمة: "(في حال عدم تنفيذ قرار المحكمة) فإن ذلك سيؤدي إلى وضع غير قانوني، يتعارض مع قانون الانتخابات وشفافية العملية الانتخابية".

وأمرت المحكمة بأن يسمح لكل من عبداللطيف مكي ومنذر زنيدي بخوض السباق الرئاسي، بعد أن قدما استئنافاً جديداً ضد قرار اللجنة. ولم يقدم المرشح الثالث، عماد الدايمي، استئنافاً ثانياً بعد.

الحملة الانتخابية

في سياق متصل، تنطلق اليوم السبت حملة الانتخابات الرئاسية داخل تونس بعدما انطلقت خارجها يوم الخميس الماضي، وستستمر حتى يوم الصمت الانتخابي في 5 أكتوبر/تشرين أول، وذلك في حال لم يتم تغيير الجدول الزمني للانتخابات استنادا لقرار المحكمة الأخير.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت رفضها مطالب اعتماد قدمتها بعض الجمعيات لمراقبة الانتخابات قائلة إنها "أُشعِرت من جهات رسمية بتلقي بعض تلك الجمعيات لمبالغ مالية ضخمة يأتي مصدرها من بلدان لا تربط بعضها بتونس علاقات ديبلوماسية"، وأحالت الهيئة ملفات هذه الجمعيات إلى النيابة العمومية.

من بين هذه الجمعيات جمعية "أنا يقظ" التي قالت في بيان لها إن رفض الهيئة لطلب اعتمادها واتهامها بتلقي "تمويلات أجنبية مشبوهة" هو محاولة منها "لإقصاء منظمات المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات".

وفي خضم التجاذبات والجدل الدائر في تونس في الفترة الأخيرة حول وضع الحقوق والحريات في البلاد أسست مجموعة من نحو 20 منظمة وجمعية بالإضافة إلى 9 أحزاب، الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات.

وقد نظمت هذه الشبكة مسيرة سلمية يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول احتجاجا على ما وصفه رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي بـ"انتكاسة وضع الحقوق والحريات في تونس" خاصة مع ما حدث في الفترة الأخيرة مع مترشحين للانتخابات الرئيسية. ورفع المشاركون شعارات منددة بسياسات السلطة والرئيس قيس سعيد ومطالبة بالعدالة والحرية.

خيارات محدودة للناخبين وثلاثة مرشحين مقبولين فقط

الخيارات المطروحة أمام التونسيين في هذه الانتخابات - قبل قرار المحكمة العليا يوم السبت - محدودة جدا، إذ أقصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عددا من المرشحين قالت إنهم لو يستوفوا شروط الترشح، كما رفضت تنفيذ قرار المحكمة الإدارية القاضي بإعادة ثلاثة من المرشحين إلى السباق فأصبح العدد النهائي ثلاثة مرشحين، أحدهم في السجن.

الاسم الأبرز في القائمة هو الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي يتهمه معارضون ومنظمات حقوقية بالتضييق على المرشحين المنافسين له.

وقالت هيومن رايتس ووتش في شهر أغسطس/آب الماضي إن "السلطات التونسية أبعدت من السباق جميع المنافسين الجديين تقريبا من السباق، ما سيجعل هذا التصويت مجرد إجراء شكلي".

بينما يتهم سعيد معارضيه بالتآمر عليه وعلى أمن البلاد، مغتنما كل فرصة للإشارة إلى "غرف مظلمة" و"لوبيات فساد" يلقي عليها المسؤولية في كل ما يحدث في البلاد من أزمات اقتصادية أو سياسية أو بيئية حتى، ويقول إنها "تقوم بعمليات تخريبية لتحمل مسؤوليتها لرئيس الدولة" في خضم الانتخابات الرئاسية.

ويقود سعيد ما يعرف بـ"مسار 25 جويلية (يوليو/تموز) الذي بدأ بإقالة الحكومة وتجميد البرلمان في 25 يوليو/تموز 2021 قبل حله نهائيا، بعدها عرض سعيد على الشعب دستورا جديدا للاستفتاء، مر بأغلبية تجاوزت 94٪ من ناخبين لم تتجاوز نسبتهم 30.5٪.

وقوبل الدستور الذي ما يزال ساري المفعول بانتقادات من رأوا فيه منحا لـ"سلطات مطلقة" للرئيس ووضعه "فوق المحاسبة" مقابل تقليص سلطة البرلمان.

ماهو الوضع القانوني للعياشي زمّال؟

المرشح الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة هو السياسي ورجل الأعمال، العياشي زمّال، الذي يقبع في السجن الآن على ذمة اتهامات بتزوير عدد من التزكيات التي جمعها حتى يكتمل ملف ترشحه للانتخابات.

وقال عبد الستار المسعودي محامي المرشح العياشي زمّال لبي بي سي إن القضايا المفتوحة ضد زمّال "ملفقة وأثيرت بفعل فاعل".

تقوم القضايا على شكايات من أشخاص توجد أسماءهم على قائمة المزكين لترشيح العياشي زمّال قالوا إن تزكياتهم زُوّرت وإنهم زكوا قيس سعيد أو اعتقدوا ذلك. إذ يقول بعضهم إنه خلط بين صورة المرشح العياشي زمّال وصورة سْعيد بينما ينكر بعضهم توقيعه على تزكية زمّال، حسب ما قال المحامي عبد الستار المسعودي لبي بي سي.

ورغم تأكيد الشاكين أنهم لا يعرفون العياشي زمّال ولم يتواصلوا معه، كما قال المسعودي، فإن زمّال هو المتهم في قضايا التزوير هذه، لذلك يرى المسعودي أن زمّال "زُجّ به في هذه القضايا نكاية به لإجباره على التراجع والخروج من الدورة الأولى للانتخابات".

وقال المسعودي لبي بي سي إن المحامين في لجنة الدفاع عن زمّال يعدون لندوة صحفية سيوجهون بعدها خطابا رسميا للهيئة العليا للانتخابات لتحمل مسؤوليتها حيال المرشح الرئاسي المسجون "خاصة بعد أن قالت المحاكم التي نظرت في الاتهامات الموجهة ضده إنها اتهامات واهية وملفقة". كما سيحملون قيس سعيد مسؤولية على ما يحدث باعتباره الضامن للدستور وبالتالي سلامة العملية الانتخابية.

وكان زمّال قد اعتقل من بيته في الثاني من سبتمبر/ أيلول بتهمة تزوير التزكيات، في محافظة منوبة بالعاصمة تونس لتأذن المحكمة فيما بعد بتركه في حالة سراح. وخلال خروجه من سجن برج العامري في العاصمة بعد استكمال إجراءات الافراج، وقبل مغادرته البوابة الرئيسة عند منتصف الليل اقتادته فرقة أمنية إلى وجهة "غير معلومة". وتمكن محاموه صباح اليوم التالي من معرفة مكان وجوده في محافظة جندوبة شمال غرب البلاد حيث أودع بالسجن.

ورفضت الدائرة الجناحية بمحكمة جندوبة يوم الأربعاء مطلب الافراج عن زمّال وأبقته في حالة إيقاف مع تأجيل النظر في القضية الى يوم 18 سبتمبر/أيلول، كما أعلنت هيئة الدفاع عنه.

ثلاث محافظات يقف فيها زمّال أمام المحاكم بتهم تزوير التزكيات حتى الآن. ويعتقد محاموه أن هذا الإجراء سيتكرر وأن موكلهم سينقل من محافظة إلى أخرى حيث فتحت ضده 25 قضية بتهمة تزوير التزكيات.

أما أعضاء حملته الانتخابية فقد أعلنوا مواصلتهم الحملة لدعم مرشحهم وإن كان سجينا؛ فزمال ما يزال موجودا على قائمة المترشحين وسيبقى كذلك وفقا لقانون الانتخابات.

المرشح للانتخابات الرئاسية زهير المغزاوي
Getty Images
المرشح للانتخابات الرئاسية زهير المغزاوي

المرشح الآخر للانتخابات هو زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الذي عبر هو أيضا عن رفضه وإدانته لقرارات الهيئة العليا للانتخابات واعتبرها "دوسا على القانون".

وقال المغزاوي إن الهيئة "تعسفت على بعض المترشحين ونصبت نفسها سلطة بلا رادع قانوني ولا أخلاقي ولا مؤسساتي". واتهم المغزاوي الرئيس التونسي قيس سعيد باستخدام إمكانيات الدولة التي بيده باعتباره مازال يمارس نشاطه الرئاسي "في حملة انتخابية مبكرة".

نزاع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية

ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية هو ما بقي من جملة 17 مترشحا رفضت ملفات أغلبهم لعدم اكتمالها.

من أوائل من أعلنوا ترشحهم للرئاسة هو رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، الذي اعتقل مباشرة بعد الإعلان وحكم عليه بالسجن ثمانية أشهر مع منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية مدى الحياة بتهمة شراء أصوات.

ثلاثة من المرشحين الذين طعنوا في رفض ملفاتهم قبلت المحكمة الإدارية طعونهم.

وتعد القرارات الصادرة عن الجلسة العامّة القضائيّة للمحكمة الإدارية باتّة وغير قابلة لأيّ وجه من أوجه الطّعن ولو بالتّعقيب طبقًا لمقتضيات القانون الانتخابي.

لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رفضت إعادة المرشحين التي قبلت طعونهم للسباق الرئاسي.

وكانت الهيئة قد عللت عدم تنفيذها قرار المحكمة الإدارية بـ"إعلامها بالقرارات خارج الآجال القانونية."

ومع تأكيد المحكمة الإدارية بأنها قامت "تباعا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها حينيا إلى طرفي النزاع"، وأحدهما الهيئة العليا للانتخابات، عادت الهيئة لتقول "إن المحكمة لم تقض بصفة واضحة وصريحة بإدراج المترشحين الطاعنين بالقائمة النهائية للمترشحين".

اتهامات للهيئة العليا للانتخابات تضع نزاهة الانتخابات على المحك

متظاهرة ترفع لافتة كتب عليها " الهيئة العليا لإقصاء المترشحين (المنافسين/ات)
Getty Images
تواجه الهيئة العليا للانتخابات اتهامات تضع نزاهة الانتخابات على المحك

أصدر بعد ذلك عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية في تونس بيانا مشتركا يؤكدون فيه على وجوب التزام هيئة الانتخابات بالأحكام الصادرة عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقالت فيه إن ما أصدرته الهيئة من تبرير لعدم تنفيذ قرار المحكمة يعتبر "خرقا فادحا للشرعية" و"يمس من مصداقية ونزاهة وسلامة المسار الانتخابي ويؤدي لا محالة للتشكيك في نتائج الانتخابات".

من جهته وصف الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة العمالية الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، قرار هيئة الانتخابات بـ"التجاوز الخطير للقانون" وقال إنه يعتبر "تأكيدا على غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة".

ومع تواتر المواقف الرافضة لإقصاء عدد من المرشحين من السباق الرئاسي والمحذرة من عواقب هذا النزاع على مصداقية الانتخابات ونتائجها، مازال الوضع رسميا على ما أقرته الهيئة العليا للانتخابات؛ ثلاثة مرشحين فقط أحدهم مسجون.

مخاطر متزايدة تتهدد حرية الصحافة في تونس

وعلى جبهة أخرى، تواجه الهيئة العليا للانتخابات اتهامات بما وصفته نقابة الصحافيين التونسيين بـ"تعفين المناخ الانتخابي"خاصة بعد أن استثنت الهيئة من تغطية إعلانها القائمة النهائية للمترشحين الاثنين الماضي كل وسائل الإعلام عدا التلفزيون الحكومي. وقال بيان النقابة إن ما فعلته الهيئة "محاولة منها للهروب من المسائلة الإعلامية لقراراتها ومن الإجابة على استفسارات الرأي العام حول قرارها الذي يتناقض مع أحكام القضاء الإداري".

وكان بيان لنقابة الصحافيين في بداية شهر أغسطس قد كشف عن تلقي عديد الإذاعات المحلية تنبيهات ولفت نظر من قبل الهيئة العليا للانتخابات بشأن تغطيتها الإعلامية التي رأت فيها الهيئة "عدم حياد" بالإضافة إلى "التشكيك في مصداقية الهيئة واستقلاليتها والإساءة إليها والاستهزاء بها". واعتبرت النقابة هذه التنبيهات جزءا من "سلسلة متتالية من الضغوطات التي مارستها هيئة الانتخابات على الصحفيين/ات والمؤسسات الإعلامية في محاولة منها لفرض الوصاية على قطاع الإعلام". كما جاء في بيانها.

ويشتكي صحفيون تونسيون من تضييق الخناق عليهم في الأشهر الأخيرة مع حبس عدد من الصحفيين والتحقيق مع بعضهم على خلفية محتوى عملهم الصحافي.

وقد زاد منع تداول النسخة الورقية الشهرية من مجلة "Jeune Afrique" الأسبوع الماضي في تونس "بسبب تقرير عن حكم قيس سعيد" كما قالت الصحيفة، من مخاوف الصحفيين من الرجوع إلى سياسات تعتيم إعلامي كانت متبعة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل أن تطيح به المظاهرات في يناير 2011.

مقالات مرتبطة :


إقرأ أيضاً