يبدو أن الصيغة الدبلوماسية والاقتصادية الجديدة التي اتخذتها المملكة المغربية لتدبير علاقاتها مع فرنسا المبنية بشكل كبير على منطق “رابح رابح”، والتي غيرت من قواعد اللعبة بين باريس والرباط، أضعفت الهدف الرئيسي لإتفاقية “سان كلو” التي تعد الإطار المرجعي للعلاقات الثنائية بين البلدين، والتي اقتربت من شمعتها السبعين لخروجها إلى حيز التنفيذ.
ولا حديث الآن بين الصحف الوطنية والأجنبية وخاصة الفرنسية، إلى عن الدعوة التي وجهها إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس، بزيارة فرنسا في غضون سنة 2025، من أجل تبني إطار استراتيجي جديد يربط الدولتين، بمناسبة مرور 70 سنة على توقيع إعلان لاسيل سان كلو، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول الدافع الرئيسي وراء هذه الدعوة لتحيين نسخة جديدة من هذه الاتفاقية.
وقال محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي وأستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي، إن “سياق إتفاقية سان كلو هي التهيئ لرفع الحماية عن المغرب، وبالتالي فإن فرنسا كانت تقوم بهذه الأساليب مع مستعمراتها من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الدول التي تطالب بالاستقلال، غير أن هذه العملية تمر في ظروف معينة”.
وأضاف بوخبزة، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه الظروف تتعلق بأن فرنسا توجد في موقف قوة، وأن الدول التي تطالب بالسيادة الكاملة توجد في منطقة الضعف، وأن هذه الاتفاقية كانت تتضمن بنودا تدل على أن باريس تسيطر على العلاقات الثنائية بين البلدين، وهذا كان أمر مقبول من الدول المطالبة بالاستقلال في هذه المرحلة”.
وتابع المتحدث عينه أن “فرنسا قامت بتعميم هذه الاتفاقية مع الكثير من الدول وليس مع المغرب فقط، وأن باريس استثمرت في هذه الدول من ناحية البنيات التحتية وأصبحت اقتصاديات هذه الدول مرتبطة بالاقتصاد الفرنسي، وبالتالي فإن هذا الواقع جعل فرنسا تستفيد بشكل كبير على مجموعة من الأصعدة”.
وأردف المحلل السياسي أن “فرنسا استعملت وسائل متعددة لتنزيل تلك الاتفاقيات والمعاهدات التي تضمن لها الكثير من المصالح والأرباح السياسية والاقتصادية، والآن هناك مستجدات كثيرة حول علاقات فرنسا مع الدول الإفريقية، حيث لم تستطع التأقلم مع التحولات الدولية، الأمر الذي خلق لها صراعات قوية مع العديد من الدول”.
وأشار الأكاديمي إلى أن “الاقتصاد الفرنسي لم يعد قادرا على مواكبة التطورات التي تعرفها المنطقة وأيضا المتغيرات الدولية، حيث أصبحت مجموعة من الدول الإفريقية لها اختيارات اقتصادية بعيدة عن الرؤية الفرنسية، إضافة إلى التنصل من التبعية الإستعمارية والحسابات الاقتصادية الخانقة”.
وأوضح أيضا أن “المغرب لجأ إلى سياسة تنويع الشركاء مما أدى إلى عدم الاعتماد بشكل كلي على فرنسا، وأصبح يتموقع في مركز القوة في شمال وغرب إفريقيا، وبات أيضا ينافس فرنسا في العديد من المجالات الصناعية والفلاحية، إضافة إلى نهجه استراتيجية توطين الصناعات العسكرية”.
وخلص بوخبزة حديثه قائلا: “المملكة المغربية أصبحت تتوفر على سياسة إفريقية قوية على عكس فرنسا وباقي الدول الغربية التي أصبحت سياستها متذبذبة تجاه الأفارقة”، مشيرا إلى أن “مغرب اليوم أصبح يضع شروطه لضمان مصالحه مع شركائه التقليديين كفرنسا”.