ردمت باريس والرباط فجوة كبيرة في علاقتهما الدبلوماسية، بانتزاع الأخيرة اعترافا تاريخيا بمغربية الصحراء والحصول على دعم قوي لمخطط الحكم الذاتي، مقابل توقيع على 22 إتفاقية وصلت قيمتها الإجمالية إلى 10 مليارات دولار، شملت ميادين وقطاعات مختلفة، لكن ما أثار انتباه المراقبين هو غياب الصفقات العسكرية عن مراسيم حفل توقيع الاتفاقيات الذي حضره العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشهد الحفل توقيع على اتفاقيات تشمل قطاع النقل بعد منح شركة “إيجيس” حصة في الجزء الثاني من خط القطار فائق السرعة الذي سيربط بين طنجة ومراكش، وتفعيل شراكة “الهيدروجين الأخضر” بين شركة “توتال إنرجي” الفرنسية والحكومة المغربية، واتّفاقا بين شركة الطيران الفرنسية “سافران” والحكومة المغربيّة لإنشاء وحدة لصيانة محرّكات الطائرات، بالإضافة إلى باقي الشراكات الاستثمارية القوية.
وحسب مراقبين أمنيين، فإنه “بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، تملك باريس فرصة استراتيجية لإعادة تعزيز حضورها العسكري في المنطقة”، مؤكدين على أن “فرنسا تسعى إلى فرض نفسها من جديد في سوق صفقات التسلح المغربية، وذلك من خلال تقديم عروض متقدمة في مجال المعدات العسكرية والتكنولوجيا الدفاعية”.
هذا ومن المنتظر أن “يفتح هذا الاعتراف المجال أمام فرنسا لتوسيع شراكاتها العسكرية مع المغرب، الذي يسعى لتعزيز قدراته الدفاعية في ظل التوترات الإقليمية، على اعتبار أن المغرب يعتبر أحد أكبر المستوردين للأسلحة في إفريقيا”.
في هذا السياق، قال محمد الطيار، الخبير الأمني والاستراتيجي، إن “الإعلان عن شراكة استثنائية بين المغرب وفرنسا هو بمثابة مرحلة جديدة لانطلاق العلاقات الاستراتيجية الوطيدة، بعيدا عن التوترات السياسية والدبلوماسية بين الدولتين، مبنية على النفع المتبادل والمشترك بين الدولتين”.
وأضاف الطيار، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه الشراكات سوف تشمل أيضا الاتفاقيات العسكرية رغم عدم التوقيع عليها في مراسيم حفل التوقيعات بحضور الملك محمد السادس ونظيره إيمانويل ماكرون، بحكم أن المغرب قد بدء في توطيد الصناعات العسكرية وتوطينها داخل المملكة المغربية”.
وتابع المتحدث عينه أنه “هناك مجالات أمنية متعددة ستعرف تطورا كبيرا في إطار هذه الشراكات الاستراتيجية، على اعتبار أن فرنسا تعد من الدول القوية على الصعيد العسكري وخاصة على المستوى البحري”.
وأردف الخبير الأمني أن “زيارة ماكرون للمغرب لها دلالات خاصة وتعد منعطفا مهما في تاريخ العلاقات بين المغرب وفرنسا، فهي تأتي أولا بعد ثلاث سنوات من برود ديبلوماسي بين البلدين، وتأتي بعد الرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إلى الملك محمد السادس في شهر يوليوز الماضي، والتي قدمت الملامح الأولية لسياسة فرنسية جديدة تهدف إلى تصحيح مسار العلاقات مع المغرب”. مشيراً إلى أن “زيارة ماكرون للمغرب تعد نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين البلدين وفي ملف قضية الصحراء المغربية وستكون لها تداعيات على الدور الجزائري في النزاع المفتعل”.
“فهي تعد تحولا في رؤية الدولة العميقة في فرنسا إلى المغرب، التي يبدو أنها قامت بإعادة تقييم هذه الرؤية، حيث أصبحت تعي ان المملكة هي القادرة وحدها على إسعاف تدهور علاقة فرنسا بافريقيا وبالخصوص دول الساحل الافريقي. وقد أشار ماكرون في خطابه أمام البرلمان المغربي إلى الدور المهم الذي يلعبه المغرب في إفريقيا”، يضيف المتحدث.
وزاد: “لذلك فزيارة ماكرون للمغرب هي في العمق زيارة مصالحة وتصحيح، ومناسبة لترسيخ موقف فرنسا من سيادة المغرب على صحراءه وتأكيد موقفها من مقترح الحكم الذاتي، وتصبح أول دولة من الاتحاد الأوروبي تستثمر بشكل مباشر في الصحراء المغربية من خلال بروتوكول اتفاق”.
وأوضح أيضا أن “توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تشمل عدة قطاعات استراتيجية، من شأنه إنعاش الاقتصاد الفرنسي الذي يمر حاليا من مراحل حرجة، حيث تم الإعلان عن إحداث آلية لتسريع الاستثمارات بين المغرب وفرنسا، وشراكة متساوية لتحفيز الاستثمار في كل التراب الوطني المغربي بما في ذلك الأقاليم الجنوبية”.
واختتم الطيار حديثه بالقول: “ما يمكن الوقوف عليه بشكل بارز في زيارة ماكرون هو الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة، والعمل كشريكين استراتيجيين والاتفاق على مباديء العلاقات بين البلدين، والتي تركز على كونها علاقة بين دولة ودولة مع المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمج والتشاور المسبق، وكلها مبادىء من بين أخرى تلتزم من خلالها فرنسا بتغيير المقاربة التي كانت تعتمدها سابقا في علاقتها بالمغرب”.