شهد ملف الصحراء المغربية جملة من الأحداث المتسارعة، مع توالي الاعترافات الدولية بمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، باعتبارها “الحل الأمثل والواقعي، والجدي والموثوق، والقائم على التوافق”، للحسم في هذا النزاع الإقليمي، الذي يوشك أن يستكمل نصف قرن على اندلاعه، مما يشكل دافعا رئيسيا لدى المغرب، لتشجيع المجتمع الدولي، ممثلا في هيئة الأمم المتحدة، ليصل لنقطة الحسم في صراع عمَّرَ طويلا.
وبتقديرات متباينة، يرى مراقبون سياسيون أن الفرص الاستثمارية التي يتيحها المغرب، باتت تشكل منفذا لاستقطاب البلدان العظمى، التي تعتبر الرباط قوة إقليمية، ووجهة استثمارية واعدة في إفريقيا، فضلا عن استقراره السياسي، وموقعه الجيو استراتيجي، كحافز من أجل المضي قدما، نحو التقارب مع المملكة المغربية.
وانتقالا من آلية التدبير إلى التغيير، التي شدد عليها الخطاب الملكي الأخير في التعامل مع القضية الوطنية، تعتمد الدبلوماسية المغربية على مقاربة استباقية، كمحرك أساسي للتأثير على باقي أعضاء مجلس الامن، لانتزاع مواقف داعمة لمقترح الحكم الذاتي، مما يستدعي مزيدا من الحزم في إبراز المكاسب التي يمكن أن تحققها الرباط، من أي خطوة يمكن اتخاذها في هذا الإطار، خصوصا أن الأمر يتعلق بروسيا، بريطانيا، والصين، كدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، اعتبر أن بريطانيا تتجه في مواقفها إلى التماهي مع الموقف الأمريكي، ثم إن علاقاتها مع المغرب، بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، أصبحت تكتسي صبغة استثنائية، بفضل برامج تطوير مبادلاتها الاقتصادية.
وأضاف الحسيني أن بريطانيا تطمح إلى مد خط كهربائي يربطها بجنوب المغرب، والذي سيصل إلى أربعة آلاف كيلومتر، إلى جانب استثمارات أخرى، وبالتالي على هذا المستويين، “لا أعتقد أن بريطانيا ستطرح أي مشكل فيما يتعلق بتمرير القرار الداعم لمقترح الحكم الذاتي”.
في المقابل، أكد الحسيني في حديث لـ”الأيام24″، أن الصين، باعتبارها دولة كبرى، لها تحالفات قوية عبر العالم، لكن هذا لا يعني بالضرورة تحالفها مع الجزائر في مواجهة المملكة المغربية، بل إن علاقاتها مع المغرب جد موسعة على الصعيد الاقتصادي، ويتوقع أن تكون هناك آفاق أبعد مستقبلا.
وقال الحسيني، اقتصاديا، تعتبر الصين المغربٓ مرشحا لأن يكون منصة استراتيجية للتعامل مع باقي البلدان الإفريقية، في إطار تنفيذ برنامج الحزام والطريق، الذي يعد امتدادا لبرنامج الطريق الحرير، الذي كانت تعتمده الصين سابقا، في الوصول لعمليات الاستثمار، والتوسع الاقتصادي في مناطق أخرى.
واستطرد، “يعتبر المغرب من البلدان السباقة للتوقيع على الوثائق المتعلقة بتنفيذ هذا البرنامج، بل شرع في تنفيذه بشكل فعلي في مجالات عدة، ثم إن مشروع مدينة محمد السادس التكنولوجية في شمال المغرب، والتي ستؤثثه الممارسات الاستثمارية الصينية، إضافة إلى إنشاء معامل للصناعات التكنولوجية، كمعمل صناعة البطاريات الكهربائية، الخاص بتصنيع أهم عنصر في السيارات الكهربائية، يتوقع أن يكون المغرب فاعلا أساسيا في هذه العملية، بهدف تصديرها نحو العالم”.
ويرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن استفادة الصين، لوجيستيكيا، من مثل هذه المنشآت، والتي زاد دعمها بعد عملية انشاء ميناء الداخلة، وربط المغرب بـ23 دولة إفريقية تقع على الساحل الأطلسي، ثم ربط هذه المجموعة بدول الساحل، كل هذه المؤشرات تتيح للمغرب فرصة مهمة لتعامله مع الصين في هذا النطاق.
وأوضح المتحدث أن الصين تهدف إلى تحقيق مزيد من الاستقرار في المغرب، لتعزيز نمو استثماراتها بنحو أفضل، ممكن يبين أن الصراع في المنطقة لن يصب في مصلحتها، مضيفا أن الإشكاليات المرتبطة بوحدتها الترابية، سواء تعلق الأمر ببعض الأقاليم كما حدث مع هونكونع من قبل، والذي تمت تسويته فيما بعد، تعاني اليوم من إشكال تايوان، التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، فضلا عن مناطق أخرى تشهد صراعات طويلة مع بلدان مجاورة لها، وما دام المغرب يؤيدها في مبدإ وحدتها الترابية، فإنه بتطبيق مبدإ المعاملة بالمثل، الصين ستكون مؤهلة لتتخذ مواقف إيجابية تجاه المغرب.
وبخصوص روسيا، أفاد الحسيني أنه بالرغم من كونها حليفا أساسيا للجزائر، من حيث تمكينها من الأسلحة المتطورة، كالغواصات، والمدافع، و الطائرات، والدبابات، إلا أن موسكو لها ارتباطات تاريخية مع المغرب، ويتعلق الأمر باتفاقيات كبرى منذ سبعينات القرن الماضي، عندما وقع الحسن الثاني شراكة تعاون تهم الفوسفاط، وتصدير الحوامض المغربية، وسميت حينها باتفاقية القرن، لكن اليوم، “أعتقد أن الوضعية بلغت أطوارا جد إيجابية، خصوصا بعد زيارة الملك محمد السادس لروسيا سنة 2016، حيث تم توقيع اتفاقيات تعاون استراتيجي معمقة جدا على المستوى الاقتصادي، الثقافي، والديني.
وأوضح الخبير المغربي، في ذات التصريح، أن طموحات روسيا، اليوم، باتت تتجه لاستغلال الثروات البحرية في السواحل المغربية، إلا أن هذه الأخيرة تتمتع بهذا الامتياز بشكل محدود مقارنة باسبانيا، فالقرار الذي أصدرته محكمة العدل الاوربية، يرجح احتمالية تراجع بعض البلدان الأوروبية عن الاستثمار في صيد الأسماك على سبيل المثال، في المناطق الجنوبية، وربما هذا سيفتح شهية روسيا للدخول في اتفاقيات أكثر عمقا في هدا المجال.
وارتباطا بالموضوع، أشار الحسيني إلى أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، وصل فريق من التقنيين الروس إلى المغرب، من أجل بحث آفاق صيد الأسماك في المنطقة، مما يوضح أن المصالح الاقتصادية ربما تكون هي المؤطر الحقيقي لأنظار روسيا، التي تبحث هي الأخرى عن موطئ قدم في علاقاتها مع المغرب، مما يرجح إمكانية اتخاذ موسكو لمواقف ايجابية بخصوص ملف الصحراء داخل مجلس الأمن.
ولفت الحسيني إلى أنه ولحدود اللحظة، روسيا لم تعبر عن أي رفض لمقترح الحكم الذاتي، بما في ذلك القرارات التي تشيد به، ومن هذا المنطلق، أوضح المتحدث أنه إذا حافظت بموقفها الحالي داخل مجلس الامن، أي ألا تستخدم حق الفيتو على سبيل المثال، سيعود بالنفع على مصالح المغرب.
وفي معرض حديثه عن الديبلوماسية المغربية، قال الحسيني إنها الآن أمام ورش كبير، ينبغي أن توليه مزيدا من الاهتمام، لأن الملك محمد السادس أشار في خطابه الأخير، إلى ضرورة تجاوز المرحلة الحالية لوضع أكثر تقدما، ألا وهو الحسم في قضية الصحراء المغربية، وذلك بقبول مجلس الأمن لمقترح الحكم الذاتي، كوسيلة وحيدة لحل النزاع المفتعل.