كيف يمكن أن تؤثر الانتخابات الأميركية على منطقة الشرق الأوسط؟
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سعيداً للغاية عندما تولى دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية من قبل، لدرجة أنه أطلق اسمه على إحدى المستوطنات.
وتتألف مستوطنة "ترامب هايتس (أو مرتفعات ترامب)" من مجموعة منعزلة من المنازل سابقة التجهيز في الجولان المحتل ذات المناظر الطبيعية الصخرية والمليئة بالألغام، يرى القادم عند بوابة الدخول نسراً في وضعية تحليق وشمعداناً يحرس مدخل المستوطنة، كما تبرز قمم الجبال ذات اللون الأرجواني في السماء الزرقاء الممتدة في الأفق.
كانت هذه مكافأة نتنياهو لترامب، الذي غيّر نصف قرن من السياسة الأمريكية، والإجماع الدولي الواسع، من خلال اعترافه بسيادة إسرائيل الإقليمية على الجولان، التي استولت عليها من سوريا خلال حرب عام 1967، وضمتها لاحقاً في خطوة انفرادية.
والسؤال المطروح الذي يسعى سكان المستوطنة، التي تضم عشرات العائلات وعددا من الجنود المقيمين، الإجابة عنه هو ما التأثير الذي قد يحدثه المرشح الجمهوري ترامب أو منافسته الديمقراطية، كامالا هاريس، على مصالح إسرائيل في المنطقة حاليا.
انتقل إيليك غولدبرغ وزوجته هوديا إلى "ترامب هايتس" مع أطفالهما الأربعة من أجل العيش في أمن مجتمع ريفي صغير.
ومنذ الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي على جنوب إسرائيل، شاهد إيليك وزوجته تصعيد الحرب الإسرائيلية مع حزب الله، حليف حماس، على طول الحدود الشمالية مع لبنان، على بعد عشرة أميال منهما.
وقال إيليك: "خلال العام الماضي، كانت مساحتنا الخضراء المفتوحة الجميلة يغطيها الدخان، ومنظرنا الطبيعي الجميل تحول إلى مشهد لرؤية صواريخ يطلقها حزب الله باتجاهنا. هذه منطقة حرب لا نعرف متى ستنتهي".
أخبرني إيليك أنه يريد من الإدارة الأمريكية الجديدة أن "تفعل الصواب"، وعندما سألته عما يعنيه بكلماته، أجابني: "دعم إسرائيل".
وقال: "دعم الأشخاص الجيدين، وامتلاك حس سليم للصواب والخطأ".
إنها لغة تسمعها كثيراً في إسرائيل، وهي أيضاً لغة يفهمها ترامب جيداً.
كان ترامب قد حُظي بتأييد نتنياهو خلال فترة ولايته الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة عندما ألغى الاتفاق النووي الإيراني الذي عارضته إسرائيل، فضلاً عن التوسط في إبرام اتفاقيات تطبيع علاقات مع العديد من الدول العربية على نحو غير مسبوق، والاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، في خطوة خالفت عقوداً من السياسة الأمريكية.
ووصفه نتنياهو ذات مرة بأنه "أفضل صديق لإسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق".
وبينما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات الرئاسة، لم يخف نتنياهو تقديره للمرشح الجمهوري، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه ليس وحده في ذلك.
ووفقاً لاستطلاعات رأي أخيرة، يرغب نحو ثُلثي الإسرائيليين في فوز ترامب مرة أخرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
كما أظهرت الاستطلاعات أن أقل من 20 في المئة يريدون فوز كامالا هاريس، وتنخفض هذه النسبة إلى 1 في المئة فقط بين مؤيدي نتنياهو.
وقالت جيلي شمويلفيتس، 24 عاماً، كانت تتسوق في سوق "محانيه يهودا" في القدس، إن هاريس "كشفت عن حقيقتها" عندما أظهرت اتفاقها مع متظاهر في تجمّع اتهم إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية"، وقالت نائبة الرئيس إن "ما يتحدث عنه حقيقي".
ثم أوضحت لاحقاً أنها لا تعتقد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
وقالت ريفكا، التي كانت تتسوق في مكان قريب، إنها "تؤيد دونالد ترامب بنسبة 100 في المئة".
وأضافت: "إنه (ترامب) يهتم بإسرائيل أكثر، إنه أقوى على أعدائنا، ولا يخاف".
وقالت: "أعرف أن الناس لا يحبونه، لكنني لست بحاجة إلى حبه. أحتاجه ليكون حليفاً جيداً لإسرائيل".
وبالنسبة للعديد من الناس هنا، لا يضغط الحلفاء كما أنهم لا ينتقدون ولا يقيدون، بعد أن ساعدت الحرب في غزة في حدوث أزمة بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
كانت هاريس أكثر صراحة في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وركزت بشكل أكبر على القضايا الإنسانية.
وبعد لقاء جمعها بنتنياهو في البيت الأبيض في يوليو/تموز الماضي، قالت إنها "لن تلتزم الصمت" بشأن الوضع في غزة، وقالت إنها عبّرت له عن "قلقها الشديد بشأن حجم المعاناة الإنسانية" وسقوط مدنيين أبرياء قتلى.
ومن جهته، وضع ترامب إطاراً لنهاية الحرب ووصفها بأنها "انتصار" لإسرائيل، وعارض وقف إطلاق النار الفوري في الماضي، ويُقال إنه قال لنتنياهو "افعل ما يجب عليك أن تفعله".
بيد أن العديد من الفلسطينيين لا يرون سوى "القليل من الأمل" في أي من المرشحين الأمريكيين.
"انحازت بالكامل لإسرائيل"
يقول مصطفى البرغوثي، المحلل السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة: "التقدير العام يقول إن الديمقراطيين سيئون، ولكن إذا انتُخب ترامب فسيكون الأمر أسوأ".
ويضيف: "الفرق الرئيسي هو أن كامالا هاريس ستكون أكثر حساسية تجاه تغيّر الرأي العام الأمريكي، وهذا يعني المزيد لصالح وقف إطلاق النار".
كانت حرب غزة قد عززت الضغوط من جانب حلفاء الولايات المتحدة، مثل السعودية، بغية إحراز تقدم نحو الدولة الفلسطينية.
بيد أن أي من المرشحين الأمريكيين لم يضع قضية إقامة دولة فلسطينية على رأس جدول أعماله.
وعندما سُئل ترامب خلال مناظرة رئاسية عما إذا كان سيؤيد الخطوة، أجاب: "سأرى".
كما أن العديد من الفلسطينيين فقدوا الأمل في الوعد بإقامة دولة فلسطينية، وفي الدعم الأمريكي عموماً.
ويقول البرغوثي: "الشعور السائد هو أن الولايات المتحدة أخفقت بشكل كبير في حماية القانون الدولي، وأخفقت في مساعدة الفلسطينيين أكثر من مرة، وانحازت بالكامل لإسرائيل".
ويضيف السياسي الفلسطيني: "قضية الدولة الفلسطينية ليست سوى شعار".
أما فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الأوسع مثل إيران، فلدى المرشحين تاريخاً من النهج المختلف، إذ نصح ترامب إسرائيل مؤخراً "بضرب الأسلحة النووية أولاً، والاهتمام بالباقي لاحقاً".
وجاءت كلمات ترامب قبل تنفيذ إسرائيل ضربات على إيران رداً على هجوم صاروخي إيراني في وقت سابق الشهر الجاري.
وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، داني أيالون: "ربما يلعب ترامب لعبة أكثر صرامة، وسيكون الإيرانيون أكثر تردداً إذا تولى الرئاسة"، لكنه يقول إنه من السهل المغالاة في الحديث عن الاختلافات بين المرشحين.
ويتحدث كل من هاريس وترامب الآن عن إبرام اتفاق جديد لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وكلاهما يرغب في زيادة اتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، لا سيما السعودية.
ما سيكون مختلفاً هو نهجهما.
وقال أيالون: "أعتقد أنه إذا فازت كامالا هاريس (برئاسة البيت الأبيض)، فإن الاتجاه سيكون من الأسفل إلى الأعلى"، مما يعني أن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان سيأتي أولا، قبل الانتقال إلى المسائل الأكبر المتعلقة بإيران أو التحالفات الإقليمية الجديدة.
وأضاف أما الوضع في حالة فوز ترامب "سيكون الاتجاه من أعلى إلى أسفل، وسيذهب مباشرة إلى طهران ومن هناك، سيحاول الوقوف على التفاصيل والمشاهد المختلفة في شتى أرجاء الشرق الأوسط".
وترى مصادر مطلعة من السياسيين في إسرائيل والولايات المتحدة أن كامالا هاريس أقرب إلى المواقف الحزبية التقليدية الأمريكية بشأن السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وأن دونالد ترامب غير متوقع، ومتردد في إشراك أمريكا في الصراعات الخارجية، وعرضة لإبرام اتفاقيات عشوائية.
بيد أن أيالون يعتقد أن السياسة ليست وحدها التي تؤثر على المزاج العام في إسرائيل.
وقال: "دعم بايدن إسرائيل طوال العام، لكنه لم يحظ بتأييد لأسباب لها طابع ظاهري أكثر من كونها قضايا حقيقية"، مضيفاً أنه عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فإن الإيماءات العامة والعواطف، مهمة.
ولفت أيالون إلى أن "الكثير منها شخصي. المصالح (المشتركة) أمر مفروغ منه، لكن الشخصيات أيضاً مهمة".