الإبراهيمي تكتب: من يُشرع؟.. لمن؟


 

بعد تصريحات وزير العدل الأخيرة، تأكد لنا بما لا يجعل مجالا للشك أن مهنة المحاماة المعني المباشر بجميع التعديلات بمشاريع القوانين وأن المحامي هو المستهدف المباشر بما سطر بمواد المسطرة المدنية و الجنائية انتهاء بقانون مهنة المحاماة.

 

انصتنا بعناية مهنية وقانونية للتصريح الأخير لوزير العدل محاولين بذلك فهم وجهة نظر الحكومة من خلال وزارة العدل في التشريع و خاصة المتعلق يومه بقانون المسطرة المدنية الذي عرض عرض على التصويت على البرلمان بعد انسحاب السواد الاعظم من ممثلين المواطن المغربي و ترك مجال التشريع ساحة فارغة دون معارضة حقيقية لمواد أحدثت بشكل فجائي غير مسبوق في غياب التشاركية في الحوار كما نص عليه دستور المملكة.

 

لنصبح بذلك أمام تصور فرداني لشخص الوزير الذي حاول التملص من المسؤولية بقوله أنه ليس من شرع تلكم المواد وإنما هي الحكومة بوزرائها وقوله؛ “حنا غير كناكلو العصا” وهو تصريح خطير جدا تتحمل مسؤوليته الحكومة في التعقيب عليه. لتجيب الرأي العام عن أهم سؤال :”من يشرع بالمغرب ولفائدة من يشرع؟!

 

تصريحات وزير العدل والتي روجت لمغالطات خطيرة وغير قانونية في محاولة منه لدغدغة مشاعر المواطنين والتي اقحم من خلالها مهنة المحاماة وأتعاب المحامي التي لا حق للوزير في مناقشتها إطلاقا ولا حق للحكومة بوزرائها مناقشتها وخاصة أنها معلومات خاطئة ومغلوطة.

 

ربط أتعاب المحامي بتسقيف ولوج المواطن المغربي للمحاكم بمختلف درجاتها والقول أن أتعاب المحامي تصل الى 100 ألف درهم في حين أن موضوع الدعوى لا يتعدى 30 ألف درهم هو معلومة لا أساس لها من الصحة ولا يتحملها لا العقل ولا القانون ولا رسالة مهنة المحاماة ونسي بذلك أن تحديد الاتعاب يكون باتفاق الأطراف وفي حالة النزاع يحددها نقيب الهيئة المنتمي إليها المحامي مراعيا في ذلك قيمة النزاع والإجراءات المتخدة والعناية المبذولة وقيمة الدعوى موضوع النزاع، ولا تنتهي مسطرة الأتعاب إلا بعد القول الفيصل للقضاء بغرفته الخاصة في تحديد الاتعاب وبهذا نكون أمام مسطرة قانونية تحفظ من خلالها مصلحة الموكل أولا قبل الدفاع.

وإنما ربط أتعاب المحامي بمواد تسقيف الولوج المستنير لأهم مرفق عمومي بالبلاد وهو العدالة هو تحوير النقاش الأساسي ومحاولة فاشلة للتملص من المسؤولية وهروب غير موفق من الجواب الصحيح للسؤال والذي هو جعل ولوج العدالة بالحق في مراحل المحاكمة العادلة لمصلحة الأغنياء فقط وهو كارثة وردة تشريعية خطيرة وغير مسبوقة لدولة من المفروض أن يحترم وزرائها المواطن المغربي بالحق الذي يكفله لهم الدستور والذي هو أسمى قانون في البلاد.

وأما ربط التسقيف كذلك بالتغريم هو مخالفة لدستور المملكة المغربية وترهيب مقنن ومقنع للمواطن المغربي و منع صريح من سلوك مساطر قانونية وقضائية تحت ذريعة التقاضي بسوء نية التي لم ولن تستطيع الحكومة تحديد وجه سوء النية وعناصرها التكوينية للقول بتغريم المواطن من أجلها.

سوء النية يدخل في النيات والاحتمال و هل القانون يعاقب على النيات التي لا يمكن لأي كان تحديدها وإنما بذلك تفترض الحكومة أن أي مواطن هو سيء النية في الالتجاء للقضاء إلى أن يثبت العكس، فكيف سيثبت المدعي حسن نيته؟! وكيف سيثبت القضاء سوء نيته مثلا؟! و هل سنحتاج لمناقشة الدعوى أمام المحكمة مناقشة القانون أم سنحتاج استحضار التنجيم الفلكي لمناقشة القضية تحت قسم يؤديه المدعي أمام المحكمة عن حسن نيته قبل البت في ملفه؟؟!!!!

 

 

وأما القول بأن المسطرة المدنية تهدف من خلال تغريم أطراف الدعوى إن دفع احدهم بمخاصمة القاضي أو الدفع بالتجريح أو الدفع بالتشكك المشروع .. والقول إنه حماية للقاضي من التشهير أمام الرأي العام ؟؟! هو قول لو صدر عن وزير لا يعرف القانون لالتمسنا له العذر بجهله القانون وإن كانت القاعدة أنه لا يعذر أحد بجهله القانون وإنما أن يصدر عن وزير للعدل يدافع بشراسة غير مسبوقة وغير معهودة لنصوص وجدناه هو شخصيا غير مقتنع بها من خلال جوابه المفتقر للارضية القانونية والمفروض فيه أن يعلم أن التجريح والمخاصمة والتشكك المشروع مساطر كتابية توجه عبر قنواتها القضائية والمسطرية طبقا للقانون ولا يعلم بها إلا رافعها والموجهة ضده ولم تكن يوما كما يدعيه الوزير علنية ولم تنشر يوما للرأي العام ولم تكن يوما موضوع مرافعة شفوية و كانت دائما في الإطار الذي يسمح به القانون فإن قبلت وفقا للقانون فيتم اتخاذ الاجراءات المناسبة لذلك وإن تم رفضها وفقا للقانون يستمر القاضي للبت في الدعوى دون خلفيات على اعتبار ان القاضي هو المكلف بحماية حق المتقاضي ولا يحكم بشخصه وإنما بما يناقش أمامه وبالوثائق المعروضة أمامه ولم يكن يوما خصيما للمتقاضي.

 

تغريم المواطن المغربي لإقامة مسطرة التجريح والمخاصمة هو ما سيحس المواطن في حالة رفض طلبه أنه في خصومة مع القضاء فلا يمكن تغريمه لشخص وصفة القاضي ثم جعل نفسه القاضي من سيفصل في دعواه؟! غير مستساغ وغير منطقي إطلاقا.

 

 

تسقيف الولوج للعدالة هو جهل الأحكام الابتدائية التي لا تتجاوز قيمتها ثلاثون ألف درهم وجعل الحكم الابتدائي نهائي دون إمكانية الطعن بالاستئناف ودون إحالة الملف على المحكمة الأعلى درجة لمناقشة الملف من جديد وحتى اللجوء لمحكمة النقض باعتبارها محكمة قانون لا تفصل في الدعوى موضوع النزاع وإنما تراقب التطبيق السليم للقانون هو اعدام معنوي للمواطن المغربي ومن شأنه أن يفتح أخطر باب لشرع اليد.

 

فحتى القول بأن هناك مكنة ثانية و تتمثل في الطعن باعادة النظر أمام رئيس المحكمة المصدرة للحكم هو قول لا يستقيم و غير منطقي
اولا لأنه سيفرغ مؤسسة رئيس المحكمة من وجودها القانوني الاصلي و سيحمل رؤساء المحاكم مهام محكمة الاستئناف وسيصبح رئيس المحكمة أمام آلاف الملفات موضوع التعرض. فكيف سيبت في تلكم الملفات؟ وكم من الوقت سيحتاج ؟ وهل تصوره القانوني سيخالف تصور الهيئة القضائية مصدرة الحكم؟! و هل توجهه دون مناقشة الملف مع الاطراف لتكوين قناعته سيمكنه من اتخاذ ورؤية غير ما رأته الهيئة القضائية مصدرة الحكم؟! لنصبح أمام توجه رئيس المحكمة في غير توجه القاضي الذي هو بنفس المحكمة؟!

 

أسئلة كثيرة جدا لن نجد لها جوابا يوما ببساطة لأنها تدخل في اللامعقول واللامنطق وبها نستشرف لرؤية مستقبلية سوداء غير رمادية حتى ولن تكون في صالح المواطن المغربي أبدا ونهائيا.

 

 

فإن كان المشرع المغربي يهدف بالاساس الى حماية المواطن المغربي و الحفاظ على حقوقه وفقا لقانون يحترم الحقوق و الحريات والمحاكمة العادلة فإن مشروع قانون المسطرة المدنية بعلله المعروضة على مجلس المستشارين ما هو إلا انتكاسة حقوقية وردة تشريعية لا يمكن للدفاع تمريرها أو قبولها او التغاضي عنها وذلك لأن الدفاع يقدم دستور المملكة المغربية عن أي مشروع قانون يضر بالمواطن المغربي.

 

فاطمة الزهراء الإبراهيمي
محامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. محمد

    استغرب من نص بدون نقط و لا فواصل.

اترك تعليق


إقرأ أيضاً