من المعلوم أن تأثير العرب والمسلمين في ترجيح كفة الفائز بالانتخابات الأمريكية يكاد يكون متواضعا للغاية، إذا ما قورن بالعدد الضخم للناخبين الذين يحق لهم التصويت في الرئاسيات الأمريكية؛ لكن معطيات ديموغرافية تجعل من أصوات هذه الفئة من الناخبين حجر الزاوية وعاملا حاسما في تحديد هوية ساكن “البيت الأبيض”.
لا يتعدى عدد الناخبين العرب والمسلمين الذين تمتعوا بحق التصويت في الرئاسيات الأخيرة 2.2 مليون شخص، بما يمثل نسبة بالكاد تصل إلى 1 في المائة فقط من تعداد ساكنة أمريكا البالغ 339 مليونا، من بينهم 244 مليون ناخب، غير أن تركز العرب والمسلمين في ما يسمى بالولايات المتأرجحة حيث الصوت العربي حاضر بقوة، والتي تقدر أصواتها بـ75 صوتا من أصل 538 صوتا في المجمع الانتخابي، ساهم بشكل أو بآخر في حسم الجمهوري دونالد ترامب السباق الرئاسي لصالحه، متغلبا على منافسته كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي.
بالنسبة للمغاربة، فقد دأبوا على منح أصواتهم إلى الديمقراطيين، لكن العديد منهم كان لهم هذه المرة رأيا آخر، فقد قطعوا حبل الود الذي كان يصلهم لعقود مع هذا المعسكر السياسي، وتبنوا ما يشبه التصويت العقابي ضد نائبة جو بايدن، كامالا هاريس، ممهدين الطريق لترامب إلى العودة للبيت الأبيض، وذلك بالرغم مما تثيره هذه الخطوة من تناقضات.
في ولاية ميشغان مثلا التي كانت حكرا على الديمقراطيين سابقا، أظهرت معطيات إحصائية بعد فرز النتائج في مدينة ديربورن أن الجالية العربية والمسلمة صوتت لصالح ترامب بنسبة 42.5 في المائة من الأصوات مقابل 36 في المائة لمنافسته الديمقراطية كاملا هاريس.
تصويت عقابي
ما يفسر هذه النتائج، حسب بلقاسم الناهي رئيس مكتب للاستشارات في أمريكا، هو أن العرب عاقبوا إدارة بايدن على خلفية موقفها السلبي من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين بغزة، ودعمها غير المشروط سياسيا وعسكريا، مما نتج عنه مئات القتلى والمعطوبين، بالإضافة إلى الدمار الهائل.
وأوضح الناهي أن حملة ترامب كانت ذكية في تعاطيها مع هذه المسألة بالضبط، حيث “كانت نشيطة جدا في المناطق التي يتواجد بها العرب، خاصة في ولايات مهمة مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا وأريزونا لإقناعهم بالتصويت له مقابل التعهد بالعمل على إيقاف الحرب”، وهو ما استطاعت الوصول إليه في نهاية المطاف، يقول الناهي في تصريح لـ”الأيام 24″، مضيفا: “إدارة بايدن لم تحقق مكاسب للجالية العربية والمسلمة، فقدرت هذه الأخيرة أن الوضع سيستمر على ما هو عليه إذا نجحت هاريس التي ركزت في حملتها بشكل كبير على قضايا أخرى أقل أهمية بالنسبة إليهم مثل الإجهاض والمتحولين جنسيا.
بلقاسم الناهي، الأمريكي ذو الأصول المغربية والذي يقيم في فيرجينيا منذ أزيد من 26 سنة، قادما إليها من مدينة الدار البيضاء، أشار إلى أن اكتساح الحزب الجمهوري الأمريكي للانتخابات الرئاسية، في خطوة تاريخية وغير متوقعة، يعكس حالة عدم رضا عامة، يتقاسمها كافة مكونات الشعب الأمريكي، وهي رسالة قوية، يشدد المتحدث.
الاعتراف بمغربية الصحراء
إلى جانب حضور الهاجس المتعلق بالحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط، تعد قضية الصحراء من بين العوامل التي استحضرها بعض المغاربة وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع اليومين الفارطين لاختيار الرئيس الجديد لأمريكا.
بهذا الخصوص، يؤكد بلقاسم الناهي أن ترامب كان أول رئيس أمريكي يعلن الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء، وهو قرار استراتيجي شجاع وقوي وله وزنه على المستوى الدولي، فضلا عن أنه زعزع دول أوروبية أخرى، في مقدمتها فرنسا، وجعلها تتبنى موقفا إيجابيا في قضية الوحدة الترابية للمملكة ينتصر لعدالة وشرعية الطرح المغربي.
وسجل رئيس المنتدى المغربي الأمريكي للتنمية أن “كما لا يخفى فإن المغرب، حكومة وشعبا، كان ينتظر من إدارة بايدن تعزيز الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء باتخاذ إجراءات متقدمة، من قبيل فتح قنصلية لواشنطن بمدينة الداخلة وضخ رؤوس أموال أمريكية في الاستثمارات بالأقاليم الجنوبية للمملكة، لكن لا شيء من ذلك تحقق على أرض الواقع، لذلك نتوسم خيرا من عودة ترامب إلى البيت البيضاوي”، مبرزا أن لعل ذلك ما يفسر السرعة التي هنأ بها الملك محمد السادس ترامب بعد الإعلان عن فوزه.
وكان الملك محمد السادس قد حرص في التهنئة التي بعثها إلى ترامب الأربعاء الفائت على استحضار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، فقد جاء في جزء من البرقية: “وإنني لأستحضر فترة ولايتكم السابقة التي بلغت علاقاتنا خلالها مستويات غير مسبوقة تميزت باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على كامل ترابها في الصحراء. فهذا الموقف التاريخي، الذي سيظل الشعب المغربي ممتنا لكم به، يمثل حدثا هاما ولحظة حاسمة، ويعكس بحق مدى عمق روابطنا المتميزة والعريقة، ويعد بآفاق أرحب لشراكتنا الاستراتيجية التي ما فتئ نطاقها يزداد اتساعا”.
وأضاف الملك في رسالته: “وسيرا على نهجنا الدؤوب في التصدي لمختلف التحديات الإقليمية والعالمية الشائكة، سيظل المغرب صديقا وحليفا مخلصا للولايات المتحدة”، قبل أن يخاطب ترامب قائلا: “يسعدني أن أعرب لكم عن تطلعي إلى مواصلة العمل سويا معكم من أجل النهوض بمصالحنا المشتركة وتعزيز تحالفنا المتفرد في مختلف مجالات التعاون”.
سنخفف الوطء ونقول وقع الحافر على الحافر بين مقال موقع فرنسا24 (لماذا رفض الأمريكيون العرب التصويت لهاريس وكيف أقنعهم ترامب بتأييده؟) وهذا المقال (هكذا وجه المغاربة صفعة لـ”الديمقراطيين” في الانتخابات الأمريكية)
ورد في مقال فرنسا 24 على سبيل المثال ( هذه النتائج ساهم فيها بشكل أو بآخر الأمريكيون العرب والمسلمون الذين كانوا يصوتون عادة للديمقراطيين. لكن في هذا السباق الرئاسي، العديد منهم كان لهم رأي آخر وقطعوا الحبل السري الذي جمعهم لسنوات مع هذا المعسكر السياسي. وصوتوا بدون أي مركب نقص للمرشح الجمهوري دونالد ترامب على الرغم مما يمكن أن يثار من تناقضات بالشأن هذا التصويت.)
وفي هذا المقال ( بالنسبة للمغاربة، فقد دأبوا على منح أصواتهم إلى الديمقراطيين، لكن العديد منهم كان لهم هذه المرة رأيا آخر، فقد قطعوا حبل الود الذي كان يصلهم لعقود مع هذا المعسكر السياسي، وتبنوا ما يشبه التصويت العقابي ضد نائبة جو بايدن، كامالا هاريس، ممهدين الطريق لترامب إلى العودة للبيت الأبيض، وذلك بالرغم مما تثيره هذه الخطوة من تناقضات.)