الإحصاء العام للسكان.. مؤشر على تحولات عميقة في المجتمع المغربي



 

يشهد المغرب تحولات ديموغرافية واجتماعية ملحوظة، تجلت بوضوح في نتائج الإحصاء العام للسكان، حيث ظهرت مؤشرات مقلقة مثل تراجع معدلات النمو السكاني وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة، بالإضافة إلى تغييرات في القيم الثقافية التي أثرت على هيكل الأسرة وأولويات المجتمع.  هذه التحولات لا تقتصر على الأرقام فحسب، بل تعكس تغييرات جذرية في بنية المجتمع واقتصاده، مما يطرح تحديات هامة في مجالات التنمية المستدامة وتوزيع الثروات بشكل عادل.

 

 

في هذا السياق، تحدث عياد أبلال، الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، في حوار مع أسبوعية “الأيام” في عددها الأخير، عن مجموعة من التحولات السوسيولوجية التي يشهدها المجتمع المغربي، والتي تظهر بوضوح من خلال نتائج الإحصاء العام للسكان.

 

 

وأوضح أبلال، أن هذه التغيرات الثقافية، الناتجة عن موجات الحداثة، ساهمت في تحول الأسرة من هيكل الأسرة الممتدة إلى الأسرة النواتية، مع تغيرات في القيم المرتبطة بالجسد والجنسانية، مبينا أن هذه التحولات عززت قيم الاستهلاك والمتعة، مما أدى إلى تراجع الأولوية التقليدية للإنجاب.

 

 

وسجل أبلال، أن الإحصاء كشف عن تركز السكان في خمس جهات رئيسية، وهو ما يعكس اختلالات في التنمية المجالية، منبها إلى أن هذا التركز يؤدي إلى مشاكل اجتماعية متفاقمة مثل ارتفاع الجريمة والعنف والهدر المدرسي في المناطق الأكثر اكتظاظا، بينما تشهد مناطق أخرى تهميشا. وأكد أن هذا التفاوت يعكس فشلا في توزيع الثروات الاقتصادية وتحقيق تنمية متوازنة.

 

 

وتابع أن استمرار انخفاض النمو السكاني سيؤدي إلى ظاهرة الشيخوخة في المجتمع خلال العقدين المقبلين، مما سيشكل تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة، مشيرا إلى أن المغرب قد يصبح بلدا مستوردا للهجرة في المستقبل، مما سيؤثر بشكل كبير على بنيته السكانية ويخلق تحديات إضافية في رعاية كبار السن وتوفير الخدمات الصحية.

 

 

وانتقد أبلال، غياب التنسيق بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي في النموذج التنموي الجديد، مؤكدًا أن السياسات الحالية تفتقر إلى رؤية متكاملة تستجيب للتحديات السكانية والتنموية، وهو ما قد يؤدي إلى تعميق المشكلات المتعلقة بالتوزيع العادل للثروات والعدالة الاجتماعية.

 

 

وأوضح المتحدث ذاته، أن التحولات التي شهدتها الأسرة المغربية تشير إلى تغييرات في القيم الأسرية، حيث زاد عدد الأسر النواتية رغم تراجع حجم الأسر، مضيفا أن هذا التحول يعكس تغييرات في القيم الاجتماعية والجنسية، مع تراجع التضامن العائلي والإعالة.

 

 

 

ونبه الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، إلى أن المغرب يواجه تطورا مزدوجا، حيث تتمتع المدن بحداثة ملحوظة بينما لا تزال القيم التقليدية سائدة في الأرياف، مما يؤدي إلى اختلالات في توزيع السكان والموارد.

 

 

 

وفي ختام حديثه، اقترح أبلال، عدة حلول لمواجهة تحديات نتائج الإحصاء، أبرزها إطلاق حوار وطني شامل حول القيم الاجتماعية التي نرغب في تعزيزها، داعيا إلى إعادة تقييم النموذج التنموي الجديد، الذي أظهر عدم قدرته على تحقيق التنمية المنشودة.

 

 

 

وشدد أبلال، على ضرورة مشاركة الباحثين، السياسيين، والمجتمع المدني، والجامعات في تحليل نتائج الإحصاء وتقديم حلول تتماشى مع التحديات المستقبلية في مجالات الثقافة، الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة.

 

 

 

بسمة مزوز صحافية متدربة

مقالات مرتبطة :

تعليقات الزوار
  1. موظف شبح

    عداوة بين وزارة التخطيط و ووزارة الداخلية في شأن اعوان السلطة

  2. الجينات و الزمكان هي إطار سعادتك وشقائك

    تدخل طرف ثالث في العلاقة بين الذكر و الأنثى وفرض قواعده عوض الديناميكية الطبيعية -على حساب الرجل المؤهل للإعمار- يؤدي الى النتائج المذكورة و القادم أسوأ.
    RED PILL
    ريد بيل

اترك تعليق


إقرأ أيضاً