يبدو حسب تصريحات أغلب القيادات النقابية أن المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2025 داخل البرلمان، نزع جوهر “الحوار الاجتماعي”، الذي كان من المنتظر أن يكون محطة سياسية مهمة لمناقشة أقوى الملفات الاجتماعية وفي مقدمتها قانون الإضراب المثير للجدل، حيث اكتفت الحكومة الحالية على تفعيل صيغة التشاور مع المركزيات النقابية بدل “التفاوض” وهو ما اعتبرته هذه الأخيرة اخلالا بالمبدأ القانوني “العقد شريعة المتعاقدين”، في إشارة إلى إتفاق 30 أبريل المنصرم.
واعتبرت أصوات نقابية من داخل المركزيات المعنية بالحوار الاجتماعي، أن قفز الحكومة على هذه الآلية الدستورية، يعتبر ضربا سارخا للمقتضيات الحقوقية التي جاء بها دستور 2011، الذي جعل من “الديمقراطية التشاركية” أحد الأسس التي ينهض عليها النظام الدستوري للمملكة، في الوقت الذي تأمل فيه الطبقة العاملة بالمغرب على تحصين المكتسبات وخلق قوانين تصون حقوقهم من العيوب التشريعية.
وحسب الاتفاق الاجتماعي الموقع خلال جولة أبريل الماضية، فإنه كان من المنتظر أن تناقش المركزيات النقابية مجموعة من القوانين الحاسمة، وفي مقدمتها قانون الإضراب واصلاح منظومة التقاعد ودراسة مشروع دمج “كنوبس” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إضافة إلى مراجعة مدونة الشغل وبعض الإطارات القانونية المنظمة لبعض المهن.
وقال بوشتى بوخالفة، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن “الحوار الاجتماعي أولا مبني على صيغة التفاوض، وأن الخروج عن هذه الطريقة فهو أمر مرفوض من طرف جميع المركزيات النقابية”، مؤكدا على أن “الحكومة تلعب بين كلمتين وذلك حسب القوانين التي تحاول تمريرها وإخراجها إلى الوجود”.
وأضافت بوخالفة، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “الحكومة خالفت الاتفاق الذي يروم إلى مأسسة الحوار الاجتماعي، حيث يعود هذا الاتفاق إلى تسعينيات القرن الماضي”، مضيفا أن “جميع الحكومات التي تعاقبت على السلطة التنفيذية احترمت شيئا ما الحوار الاجتماعي غير أن حكومة أخنوش قفزت عن هذه العادة”.
وتابع المتحدث عينه أن “حكومة أخنوش استكملت المسار الذي اتخذته حكومة العدالة والتنمية، حيث كان هناك صراع كبير بين التنظيمات النقابية وبين الحزب الحاكم”، مردفا أنه في “اتفاق 30 أبريل الماضي نص على مناقشة قانون الإضراب بتوافق بين الحكومة والمركزيات النقابية”.
وزاد: “الحوار الاجتماعي لم ينص على قانون الإضراب وحده، وإنما هناك ملفات أخرى يجب مناقشتها، كمدونة الشغل واصلاح منظومة التقاعد وأيضا مراجعة الإطار القانوني والمؤسساتي المؤطر للتكوين المهني المستمر من خلال تغيير القانون رقم 60.17 المتعلق بالتكوين المهني، ومراجعة التدابير القانونية المتعلقة بالانتخابات المهنية لانتخاب مناديب الأجراء و أعضاء اللجن الثنائية”.
وأوضح القيادي النقابي أن “المصادقة على مشروع قانون المالية قد سلب جوهر الحوار الاجتماعي، وأن اصرار الحكومة على صيغة التشاور بدل التفاوض سيزيد من شدة الاحتقان السياسي والاجتماعي والحقوقي بالمغرب”.