قال مراد غالي، أستاذ باحث في السياسات العمومية والتنمية المجالية، إن خيار خوصصة قطاع الكهرباء يعد آلية تدبيرية فرضتها الظروف الراهنة، وأبانت التجارب المتقدمة عن نجاعتها في تدبير وتجويد مجموعة من الخدمات، إلا أن هذا النمط يظل مرتبطا بالبنية الاجتماعية والاقتصادية للدول التي تتبناه.
وأوضح غالي، في حديث لـ”الأيام24″، أن آلية الخوصصة التي يرتقب أن تعتمدها الحكومة، يمكن أن نعتبرها تصفية قانونية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وتابع أنه أمام هذا الوضع، يبقى الإشكال الجوهري الذي يطرح نفسه مرتبطا بالموارد البشرية التي تشتغل بهذا المكتب، أي هل سيتم إيجاد صيغ معينة لتوزيعها بشكل عادل ومتوازن على الشركات الجهوية التي ستتولى الخدمة، وكيف سيتم تدبير دفتر التحملات، لاسيما وأنه يجب أن يراعي بشكل أساسي المصلحة العامة.
وفي خضم هذا التحول، أكد غالي، أنه على الدولة وضع الأولويات الوطنية المرتبطة بالمصلحة العامة فوق كل الاعتبارات، على أن تظل الأسعار كما هي عليه الآن، فضلا عن الحرص على تقديم خدمة جيدة في إطار التوازن المجالي، وأن تبقى هذه المزايا الاجتماعية مرهونة بوضعية الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بما يحقق توازن قدرتها الشرائية.
وفي نفس السياق، أوضح غالي، أنه بالرغم من أهمية إعادة النظر في بنية المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، حسب ما توصلت إليه إحدى الدراسات، إلا أن الإشكال المطروح اليوم، يتعلق بتحويل الخدمة من الصيغة العمومية الاجتماعية إلى الصيغة الاقتصادية الربحية، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول تبني الشركات الجهوية تدبير القطاع، كآلية جديدة تتماشى وسياق اللامركزية، كما أنها تأتي في إطار التصورات الكبرى التي وضعها المغرب في برنامج التدبير المجالي، لاستقلالية أوسع نوعا ما للجهات، بحيث تكون قادرة على تدبير احتياجاتها.
وفي نفس الوقت، تطرق غالي، إلى الدوافع والغايات التي تؤطر خوصصة قطاع الكهرباء، معتبرا أن الحكومة تجد أن الوضع ينبني في إطار تحقيق الاستدامةالمالية، من خلال تحويل هذه الخدمة إلى نموذج للتدبير بعقلية المقاولة، بالرجوع إلى النجاحات التي حققتها المقاولات في تدبير مجموعة من القطاعات، كقطاع تدبير النفايات، وتدبير الحافلات على سبيل المثال، مبرزا أنه من هذا المنطلق، يسعى المغرب لإيجاد هذه الصيغة لتحقيق الاستدامة المالية، من خلال البحث عن تغطية نفقاته، وتوليد إيرادات تساهم في تمويل مجموعة من المشاريع.
وبالحديث عن معيار الكفاءة الذي يعد أساسيا للغاية، أفاد غالي، بأن الوضع يلح بضرورة طرح السؤال الآتي، هل استطاع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أن يظهر كفاءته في الأداء، في إطار تدبيره لهذه الخدمة الحيوية؟، موضحا في الآن ذاته أن هذا التوجه يدفع نحو تحسين الكفاءة التشغيلية، وتقليل الخسائر، مما سيحسن في وجهة نظر الحكومة، من جودة الخدمة العمومية، وسيوسع نطاق التغطية.
وارتباطا بالموضوع، اعتبر غالي أن خيار الخوصصة يعد محركا رئيسيا مهما لجذب الاستثمار، ومؤكدا أن التنافس في تدبير هذه الخدمة سيدفع نحو خلق جاذبية استثمارية محلية مجالية، مما سيساهم في تطوير البنية التحتية، وتشجيع التقنيات المبتكرة، ومواكبة التحديات البيئية.
وتعليقا منه على سؤال يخص المخاوف التي ترافق هذا التحول المهم في قطاع الكهرباء، أشار غالي إلى أن تحدي تأثير هذه الخوصصة على المواطنين وعلى العدالة الاجتماعية احتمال وارد جدا، على اعتبار أن النظام الربحي الذي تعتمده الشركات، يفرض أداء أسعار الخدمة، وبالتالي ارتفاع تكلفة الإنتاج، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة.
وخلص مراد غالي إلى التساؤل حول إكراه التفاوت في الوصول إلى الخدمة، وهل ستقدّٓم بنفس الجودة لدى الشركات الجهوية بالمقارنة بخدمات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟
الدولة لا تخلق الثروة بل تخوصص ما لديها من مؤسسات فقط لايجاد السيولة.