انتقد حزب العدالة والتنمية، الطريقة التي قدم بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مقترحات مراجعة مدونة الأسرة، مسجلا أن “الطريقة غير اللائقة والمستفزة والمتحايلة التي قدم بها وزير العدل هذه المقترحات، والتي لا تراعي المكانة الكبيرة للأسرة عند المجتمع المغربي المسلم ومرجعيتها الدينية لديه”، أججت مخاوف وقلق المغاربة.
جاء ذلك، في بلاغ لحزب العدالة والتنمية، صدر عقب اجتماع استثنائي لأمانته العامة، أمس الأحد بالرباط، خصص لمناقشة العرض الذي قدمه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص مقترحات مراجعة مدونة الأسرة، والتصريحات التي أدلى بها وزير العدل، وما خلفته من مخاوف وقلق شعبيين كبيرين.
وبعد أن أكدت الأمانة العامة للحزب، أن “ضمان القبول الحسن من طرف المجتمع لهذه المراجعة يتطلب ثقته في من يتولون هذا الورش ومراعاة التخوفات المشروعة للمجتمع”، أعربت عن “قلقها العميق بخصوص الطريقة التي يدبر بها وزير العدل هذه المراجعة”.
وعبرت عن “عدم اطمئنانها نهائيا لسهره على الصياغة التشريعية لهذه المقترحات بما يلزم من الأمانة والاحترام للمرجعيات والضوابط، خصوصًا وأن خرجاته الأخيرة تثبت تحريفه لبعض المقتضيات وتجاوزه لاختصاصه، ومنها تجاوزه للتفويض الذي منحه العلماء لجلالة الملك، أمير المؤمنين، في مسألة نص المجلس العلمي الأعلى على أنه لا يمكن تجاوز رأي لجنة الفتوى فيها إلا بقرار من ولي الأمر باعتبار المصلحة، وهي: “عدم شرعية إدراج شرط موافقة الزوجة الأولى في التعدد””.
وتابعت أن “وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أكد أن العلماء أصدروا فتواهم وذيلوها بالتفويض لأمير المؤمنين، غير أن أمير المؤمنين لم يستعمل هذا التفويض، فيما نجد أن وزير العدل قد أعلن عن تعديل يقضي بـ”إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج”، وكذا تصريحه غير المسؤول حول الخبرة ومختلف الشروط الموضوعة للتحايل والتماطل بخصوص الاستثناء في تحديد أهلية الزواج والذي يُحدد في 17 سنة، وهو ما يرمي إلى جعل -وفق ما صرح به- هذا الاستثناء مستحيلا”.
واعتبر البلاغ، أنه “بقدر ما أن المسائل الشرعية التي حسمها المجلس العلمي الأعلى ورفضها باعتبار أنها تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها أصبحت محسومة بصفة نهائية، فإن المصلحة تقتضي التمحيص والتدقيق القانوني ودراسة ومراعاة الأثر بخصوص المسائل الشرعية التي استجابت لها لجنة الفتوى، أو تلك التي أعطت فيها حلولا بديلة، وذلك أخذا بعين الاعتبار المخاوف الكبيرة التي أثارتها لدى عموم المواطنين، ليس بالنظر إلى جانبها الشرعي، وإنما بالنظر إلى مآلاتها ونتائجها السلبية والخطيرة على تكوين الأسرة، باعتبارها مؤسسة تقوم أولا وأساسا على المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والمكارمة، ولا ينبغي أن تتحول إلى شركة تجارية مبنية على المحاسبة والمشاححة المفضية حتما -في حالة الأسرة- إلى تفاقم ظاهرة العزوف عن الزواج، والصراع والنزاع المؤدي إلى تضاعف حالات الطلاق”.
وأردف البلاغ، أن الأمر يتعلق بالخصوص، بـ”إيقاف سكن الزوجية عن دخوله في التركة، وجعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة على بعضهما ديونا مقدمة على غيرها بمقتضى الاشتراك الذي بينهما، واعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، وتسهيل الطلاق والتطليق وحذف مسطرة الصلح في حالة الطلاق الاتفاقي، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها، والإلزام بالنفقة مباشرة بعد العقد، وجعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها، وإجبارية استطلاع رأْي الزوجة في موضوع التعدد أثناء تَوثيق عقد الزواج، إضافة إلى ضرورة تدقيق وتقنين الاستثناء من شرط شهادة شاهدين مسلمين حين تعذر الشهود المسلمين عند عقد الزواج بالخارج”.
وخلص البلاغ، إلى أن “مدونة الأسرة، باعتبارها قانونا ليس كغيره من القوانين، وورشا مصيريا يهم المجتمع والأسرة بجميع مكوناتها زوجا وزوجة ووالدين وأطفالا…، وباعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، لا يمكن أن تُحسم تعديلاتها عبر الأغلبية العددية مهما بلغ حجمها، وإنما هي قضية جوهرية ومصيرية تعني المجتمع برمته، والذي ينبغي أن يحسمها هو مدى التزامها بالمرجعية الدينية والدستورية والوطنية، كما أكدها جلالة الملك، أمير المؤمنين، في أكثر من مناسبة، ومدى تحقيقها للمصلحة الفضلى للمجتمع، والمتمثلة في تشجيع الزواج الشرعي والحفاظ على الأسرة ووحدتها واستقرارها ودوامها”.