هكذا تُعيد إسرائيل زمن المستعمرات



 

في مقال نشرته صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” في نونبر 2000، لخص المفكر الأمريكي الفلسطيني إدوارد سعيد جوهر السياسة الفرنسية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، كما طورها المارشال بوجو وضباطه: “الرزايا” أو الغارة العقابية على قرى الجزائريين وبيوتهم ومحاصيلهم ونسائهم وأطفالهم. “علينا أن نمنع العرب من البذر والحصاد والرعي… علينا أن نشن حربا بلا حدود، حربا لا أخلاق فيها”.

 

يصف الجنرال شانغارنييه تسلية جنوده بلجوئهم إلى مداهمة القرى المسالمة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الأفعال مذكور في الكتاب المقدس، حيث قاد يشوع وغيره من القادة “غارات شديدة الفظاعة” باركها الله. هكذا كان الخراب والدمار الشامل.

 

 

وقد أُضفيت الشرعية على هذه الوحشية القاسية، لا لأنها فقط “مشروعة” بمرجعية دينية، بل أيضا لأن العبارة المتكررة دوما من بوجو إلى سالان كانت: “العرب لا يفهمون إلا القوة الغاشمة”. ولعلنا نكاد نسمع صدى هذا لدى بنيامين نتنياهو اليوم.

 

في غزة أيضا، هناك عودة لفكرة الغارات، فقد كشفت صحيفة “+972” الإسرائيلية، في تحقيق صحافي، أن الجنود الإسرائيليين ينهبون المنازل بكثافة في غزة، مستهدفين كل شيء من السجاد وحتى مستحضرات التجميل والدراجات النارية، بل إن بعضهم وثّق عمليات النهب بمقاطع فيديو جريئة.

 

 

يتجلى هنا ما كتبه أشيل مبيمبي: “الحق السيادي في القتل لا يخضع لأي قاعدة في المستعمرات؛ فالرئيس يستطيع القتل في أي وقت وبأي وسيلة. ولا تخضع الحرب الاستعمارية لقواعد قانونية أو مؤسسية، إذ لا ينظر إليها على أنها نشاط مقنن. هي تعبير عن العداء المطلق، الذي يضع المنتصر في مواجهة عدو مطلق”.

 

 

تطبّق إسرائيل هذه المقولة بما يتوافق مع أطروحة طرحها عام 1898 عالم السياسة الألماني هاينريش فون تريشكي، الذي رأى أن القانون الدولي “لا يعدو كونه أحكاما” إذا حاولنا تطبيقه على الشعوب “البربرية”، “لمعاقبة قبيلة زنجية ينبغي حرق قراها، ولن يتحقق أي شيء من دون تقديم مثل هذا النموذج”.

 

 

ليس من قبيل المصادفة، كما أشار الصحفي في صحيفة “هآرتس” جدعون ليفي، أن محكمة العدل الدولية ركزت، في تعليلها، على ثلاث حالات دعوات للإبادة الجماعية، لم تصدر عن قلة متطرفة، بل صدرت عن شخصيات رفيعة تستقبلها الوفود الدبلوماسية والسياسيون الأوروبيون والأمريكيون يوميا بكل ترحاب، نذكر منهم يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، الذي أعلن في 9 أكتوبر 2023 فرض حصار تام على غزة، متوعدا بقطع الكهرباء والماء والطعام والوقود. وفي اليوم التالي، ذهب أبعد من ذلك مخاطبا الجنود على حدود القطاع قائلا: “رفعت كل القيود. إننا نقاتل حيوانات بشرية. هذا هو داعش في غزة. سنقضي على كل شيء”.

 

 

المثال الثاني هو إسحاق هرتزوغ، رئيس دولة إسرائيل وزعيم حزب العمل سابقا، الذي شوهد وهو يُوقع بنفسه على القذائف الموجهة نحو غزة. قال في 12 أكتوبر 2023: “الأمة بأكملها مسؤولة”، مؤكدا أن حجة عدم معرفة المدنيين (في غزة) أو عدم مشاركتهم فيما يجري “باطلة تماما”، إذ كان بمقدورهم، من وجهة نظره، “مواجهة هذا النظام الشرير الذي سيطر على غزة بانقلاب”.

 

 

أما المثال الثالث فيتعلق بإسرائيل كاتس، وزير الطاقة والبنية التحتية آنذاك، والذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية، ثم بعدها وزيرا للدفاع. ففي 13 أكتوبر، كتب على منصة “إكس” (تويتر سابقا): “سنقاتل منظمة حماس الإرهابية وندمرها. صدرت أوامر لجميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة فورا. سننتصر. لن تصلهم قطرة ماء أو بطارية واحدة إلى أن يرحلوا عن الدنيا”.

 

 

ومع خشيتها من تبعات قرار محكمة العدل الدولية، أرسلت إسرائيل في نهاية فبراير 2024 رسالة غير معلنة تُفصل فيها الإجراءات التي اعتمدتها “لمنع الإبادة الجماعية” التي تؤكد أنها لم ترتكبها. إنها محاولة لتكييف الحكاية المعروفة بـ”مرجل فرويد” في ثلاث مراحل: “لم أرتكب إبادة جماعية، لقد اتخذت التدابير لمنعها، الآخرون هم من ارتكبوها”.

 

 

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً