بتعيين الملك محمد السادس، اليوم الإثنين 24 مارس 2025، محمد بنعليلو (كان يشغل وسيطا للمملكة)، رئيسا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يكون مسار محمد بشير الراشدي على رأس هذه المؤسسة الدستورية، قد انتهى، بعد مرور سبع سنوات على وضع الثقة فيه لشغل هذا المنصب، وهي المسؤولية الجسيمة التي تولاها في حقبة لم تكن بالنسبة إليه مفروشة بالورود، بل كان فيها هذا المهندس القادم من مدينة خريبكة أمام مد وجزر عكسه المزاج المتقلب لحكومتين متناقضتين في كل شيء، بما في ذلك كيفية تعاطي كل واحدة منهما مع ورش محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة.
غير أن ما واجَهه الراشدي قبل أشهر قليلة في إطار حملة هجومية حكومية قوية، تحوَّل فيها الرجل إلى هدف مباشر وشخصي لعزيز أخنوش، على خلفية تقرير أسود حول الكلفة الباهضة للفساد بالمغرب، يشي بأن إعفاءه من مواصلة قيادة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يحمل إشارة رمزية مفادها بأن أخنوش يواصل التغلغل والسيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة، بتحييد الشخصيات المزعجة أو المشوشة و”تبليص”، بدلا عنها، تلك المهادنة التي لا يكاد يسمع لانتقاداتها ركزا، كما حصل تماما مع كل من إدريس الكراوي رئيس مجلس المنافسة، الاتحادي أحمد رضى الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي البيئي، ثم أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، الذين أبعدوا عن مناصبهم، في ظروف مختلفة، لكن يبقى السبب والهدف واحد.
قبل أن تكتب نهاية تجربة بشير الراشدي في واحدة من مؤسسات الحكامة التي يخول لها الدستور تنفيذ سياسات محاربة الفساد ويراهن عليها الملك لمواكبة الإصلاحات الكبرى والمشاريع الاستراتيجية التي يشهدها المغرب؛ شهدت اللجنة حالة “بلوكاج” غير مسبوق فرضه أخنوش نفسه، بتهربه من عقد اجتماعاتها، علما أن القانون ينص على التئامها مرتين كل سنة، خلافا لما كان عليه الوضع على عهد حكومة سلفه سعد الدين العثماني.
كما تعرض الراشدي الذي يدير مجموعة اقتصادية مغربية متخصصة في إنتاج الحلول المعلوماتية، بعد مرور أسابيع قليلة فقط على إصدار التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كشف فيه عن تزايد مظاهر الفساد في عهد حكومة أخنوش، إلى مراجعة ضريبية، انتقاما منه، حسب توصيف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، على ما جاء في التقرير إياه والذي أكد أن الفساد بالمغرب يكلف 50 مليار درهم سنويا و79 في المائة من المغاربة يعتبرون أن جهود الحكومة في محاربته “سيئة أو سيئة جدا”، دون أن ننسى حصص “التقريع” الذي طاله من طرف وزراء في الحكومة، أبرزهم عبد اللطيف وهبي، مصطفى بايتاس وفوزي لقجع، فيما بلغ هذا التضييق الممنهج ذروته عندما تم تقليص الميزانية السنوية للمؤسسة التي كان يترأسها بما يقارب 60 مليون درهم، حيث انخفضت من 269,38 مليون درهم خلال السنة المالية 2024، إلى 210,17 مليون درهم في ميزانية 2025.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل عوقب محمد بشير الراشدي، الذي سبق أن انتخب كاتبا عاما لـ”ترانسبارنسي المغرب”، بالتحقير داخل قبة البرلمان، حينما عمد برلمانيو حزب أخنوش من فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، إلى الانسحاب من اجتماع كان يحضره، عتابا منهم على صراحته في فضح الحقائق الصادمة التي يراد لها أن تظل مستورة.
فهل دفع الراشدي ثمن “المواجهة الشجاعة” مع أخنوش؟