تحت عنوان “ترامب يخلق الفوضى” قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في افتتاحيتها، إن “ضباب الحرب” ليس محصورا بالصراعات المسلحة فقط، فالمفهوم الذي صاغه كلاوزفيتز ينطبق أيضا على الهجمات الجمركية، خصوصا عندما يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إذ يُدخل معها العنصر الأكثر رهبة بالنسبة للحكومات والشركات والأفراد: عدم اليقين.
وتساءلت الصحفية الفرنسية: هل الرسوم التي أُعلن عنها في الثاني من أبريل الجاري بشكل صاخب نهائية، أم أنها مجرد وسيلة ضغط في المفاوضات؟.. فبعد أسبوع من الإعلان، لا أحد قادر على الإجابة عن هذا السؤال الجوهري، ما يفسّر التقلبات الحادة التي شهدتها البورصات جرّاء قرارات الرئيس الأمريكي، تقول صحيفة “لوموند”.
وتضيف الصحيفة الفرنسية، أنه على عكس بداية ولايته الرئاسية الأولى حين كان محاطا بمسؤولين ذوي خبرة، يبدو أن دونالد ترامب الآن يعمل بمفرده، مدفوعا بغرائز لا هدف لها سوى تحدي علم الاقتصاد.
فبدلا من إطلاق دورة إيجابية، حسب رؤيته، من إعادة توطين الصناعات وإعادة التصنيع لتجنّب سيف الحواجز الجمركية، فإن الزيادة الكبيرة في الضرائب الجمركية قد تؤدي بالعكس إلى حالة من الترقب تؤدي إلى خطر الركود، مع إعادة إشعال فتيل التضخم. وهذه النتائج لم يصوّت الناخبون الأمريكيون من أجلها، تقول الصحيفة الفرنسية.
وتُبرز هذه التوترات هشاشة إدارة مهيمن عليها من قبل شخصية رئيس يفضّل معيارًا وحيدًا: الولاء الأعمى، تتابع صحيفة لوموند، معتبرة أن هذا يفسّر تأثير بيتر نافارو، مُشعل فتيل الحرب التجارية الجارية، الذي سُجن في عام 2024 لرفضه الشهادة أمام لجنة تحقيق في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير عام 2021 من قبل أنصار ترامب. ونفس المنطق يفسّر إقالة مسؤولين رفيعين من مجلس الأمن القومي ووكالة الأمن القومي في 3 و4 أبريل الجاري.
ومضت صحيفة “لوموند” قائلة إنه، ولسوء حظ الولايات المتحدة، فإن الكونغرس، الذي يهيمن عليه الجمهوريون الخاضعون لسيطرة الرئيس، يرفض أداء دوره الحيوي كعامل توازن. فقلّة من الأصوات المحافظة تعترض على هذه الرسوم الجمركية، رغم أنها، في الواقع، تُترجم إلى ضرائب تُفرض على المستهلكين الأمريكيين، في تجاهل للدستور الذي يُعطي هذا الحق لمجلس النواب ومجلس الشيوخ.
أما عالم الأعمال والمال، الذي دعم ترامب في البداية على أمل الحصول على تخفيضات ضريبية وإجراءات تحرير اقتصادي، فقد بدأ يصحو من أوهامه.. فشعور الذهول إزاء هذا الحمائية العدوانية – رغم أنها كانت معلنة بوضوح – لا يُوصف. وقد استغرق الأمر ثلاثة أيام متتالية من الانهيار في الأسواق المالية حتى بدأت بعض الأصوات ترتفع بين كبار المصارف والتجارة والصناعة في الولايات المتحدة. لكنها أصواتٌ قليلة ومتأخرة، تحذر من مخاطر حرب تجارية عالمية بدأت تقوّض أسس الاقتصاد الأمريكي، توضح صحيفة “لوموند”.
وخلصت صحيفة “لولموند”، إلى أن هذه التردّدات السياسية والاقتصادية قد تؤدي إلى تعزيز قناعات ترامب الخطيرة وإلى تغذية شعوره بالجبروت، معتبرة أن الولايات المتحدة تلحق بنفسها أضرارا جسيمة ستنتشر تبعاتها إلى بقية أنحاء العالم. ولا أحد غيرها يستطيع إيقاف هذه الأزمة قبل أن تتفاقم حقًا. لقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى إطلاق أجراس الإنذار، على أمل أن يكون لها بعض التأثير على دونالد ترامب.