العنف ضد هيئة التدريس: المشاكل والبدائل
د. سارة بوعزة
باحثة في القانون العام والعلوم السياسية
العنف من قبل التلاميذ تجاه المدرسين أصبح واقعا قائما وحقيقة من الحقائق المقلقة في مؤسسات التعليم والتكوين. إنها ظاهرة آخذة في الازدياد في الآونة الأخيرة، وهي ظاهرة يمكن أن تقوض السير السليم والسلس للعملية التعليمية كما ينبغي لها أن تكون وفق الشروط المادية والبيداغوجية اللازمة.
بالنظر إلى ما وراء الخبر الذي شغل الرأي العام وأشاع حزنا وقلقا في أوساط نساء ورجال التعليم، سنعود خطوة إلى الوراء ونحلل الأسباب التي تجعل التلاميذ عدوانيين تجاه مدرسيهم، والهدف هنا ليس تبرير السلوك العنيف، بل محاولة فهمه حتى نتمكن من التصرف تجاهها بالشكل المناسب وسننظر بعد ذلك في عواقب مثل هذه التصرفات على المدرس، وكذلك على الفصل الدراسي والمؤسسة التعليمية، وأخيرًا سنقترح بعض الحلول الممكنة للحد من العنف في المدارس ومؤسسات التربية والتعليم والتكوين.
يتعرض المدرسون للعنف الجسدي مثل الاعتداء والضرب والتهديد بالسلاح، و يزيد عنه العنف اللفظي وهو أكثر شيوعًا، مثل الإهانات والتهديدات الخطيرة والشتائم والسخرية والكلمات الجارحة التي يتم التحدث بها في الخطاب اليومي أو على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تمتد إلى ما بعد ساعات الدوام المدرسي. يتعرض المدرسون أيضًا لعنف أشد وقعا يتمثل في شكل مضايقات، ورفض المشاركة في الدروس، وعدم الانضباط، والاحتجاج المستمر، وعدم الامتثال للقواعد، وإتلاف المعدات.
ويتخذ العنف المدرسي أشكالًا جديدة مع كل حقبة جديدة، ويتفاعل المجتمع معه في كل مرة وفقًا لقيم ومعايير تتطور هي نفسها. وقد صار تصوير حوادث العنف في الفصول الدراسية ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة أمرا واقعا ومألوفا.
الأسباب
مع تطور وسائل الإعلام والإنترنت، تغيرت العلاقة مع المعرفة أيضًا، حيث تطورت بسرعة أكبر من أي وقت مضى، و أصبحت المدارس تفقد تدريجيًا مكانتها كفضاء أساسي للوصول إلى هذه المعرفة.
والأكثر من ذلك، فقد تغير سوق العمل ولم يعد النجاح في المدرسة ضمانة للوصول إلى العمل. وفي هذا السياق، لم تعد سلطة المدرسين وسلطة المعرفة المدرسية ذات وقع أو أثر على التلاميذ.
ومن التفسيرات الأخرى لهذا السلوك العنيف هو أن بعض الأسر لا تحترم أو لم تعد تحترم المؤسسة المدرسية لأسباب مختلفة: فهناك الآباء الذين تعرضوا هم أنفسهم للتنمر والعنف في المدرسة ولعل ذلك بقي راسخا في ذاكرتهم وصار له أثره على موقفهم تجاه المدرسة والمدرسين، وهناك الأسر التي لا تحترم المدرسة ولا تدرك وظيفتها ولا تقدر قيمتها و تنقل ذلك إلى أبنائها إلخ. كما يمكن أن يؤثر نمط حياة الأسرة العنيف على سلوك الأطفال. إن ضعف الحس المدني أو انعدامه لدى بعض الأفراد يعود إلى ضعف الرقابة الأسرية أو غياب دور الأسرة في توجيه الأبناء وتنمية السلوك المدني لديهم، بالإضافة إلى عدم فهم واضح لخطاب حقوق الإنسان الذي تطرحه المؤسسات المغربية في الإصلاحات القانونية الجديدة، والواقع أن هذه الإصلاحات يجب أن ترتبط بالنضج الفكري والوعي اللازم من طرف المواطنين.
إن مثل هذه الاعتداءات أيضًا هي نتيجة لظروف حياتية ضاغطة على التلميذ، مثل التوترات الشديدة داخل الأسرة أو في المجتمع، أو نزاع مع تلاميذ آخرين، وما إلى ذلك.ومن الملاحظ أن تلاميذ آخرين يستخدمون العنف ضد المدرسين كتحدٍّ اعتقادا منهم أن ذلك سيكسبهم المكانة ضمن مجموعة أقرانهم.
العواقب
إن آثار هذا السلوك العنيف تضر أولاً وقبل كل شيء بالمدرس الذي يتعرض للاعتداء، وفي كثير من الأحيان، تؤدي هذه الاعتداءات إلى زعزعة استقرارهم وأحيانًا إضعاف دافعيتهم و حافزيتهم لممارسة المهنة. وفي بعض الأحيان، لا يكون أمامهم خيار آخر سوى الانسحاب من المدرسة لفترة من الوقت.
يتأثر المدرس الذي يتعرض للاعتداء ويسبب له ذلك أذى معنوي ونفسي كبير، والأكثر من ذلك أن هذا العنف يخلق مناخًا مدرسيًا سيئًا، وهو ما يشعر به التلاميذ الآخرون في الفصل الذين يشهد العنف، ويؤثر ذلك على دوافع وسلوك التلاميذ ويقلل من فرص التعلم.
من جهة أخرى، نجد أن المدرسة تواجه مشاكل عديدة نتيجة عوامل خارجية لا سلطة للمدرس عليها ولا قدرة له على مجابهتها يتعلق الأمر بالفقر، وارتفاع مستوى الجريمة، وواقع تكوين الأطر التربوية والإدارية وغيرها.
ومع ذلك، يجب أن ندرك أن موظفي التربية والتعليم لا يزال أمامهم مجال كبير للعمل والإعداد للتعامل مع المناخ المدرسي، ومعه سلوك تلاميذهم.
بعض طرق الحد من العنف
ليس لدى المدرسين القدرة الكافية للتعامل مع جميع الصعوبات التي يواجهها تلاميذهم أو القيام بكل الأدوار، ولكن لديهم القدرة لتهيئة الظروف المواتية للتعلم قدر الإمكان، وبالتالي يمكن تفادي بعض أسباب العنف، و فيما يلي بعض الحلول الممكنة التي نرى أن من شأنها أن تساعد في الحد من حدوث العنف.
قبل كل شيء، من الضروري التأكد من وجود مناخ مدرسي جيد والعمل على الحفاظ عليه. يرى عالم الاجتماع إيريك ديباربيو أن هذا المناخ المدرسي يتحدد من خلال جودة العلاقات بين التلاميذ والكبار، وجودة الروابط بين الكبار، والتأثير الوقائي لتماسك الفرق التربوية، وسيادة العمل الجماعي، وجودة القيادة الواضحة من مدير المدرسة، وقيام العلاقات على الود والوداعة، والشعور بالانتماء إلى المدرسة، وأخيراً الوضوح والعدالة في تطبيق القواعد المدرسية.
ومن الجوانب الأخرى للمناخ المدرسي الجيد هو خلق مجتمع تعليمي تشاركي يكون فيه الجميع مشاركا في وضع قواعد العيش المشترك وآليات تنفيذها بحيث يمكن لهذه الآليات التي تشرك التلاميذ في إدارة المدرسة ووضع القواعد الضابطة للمناخ المدرسي وتنفيذها أن تعالج مشاكل التمييز والعنف داخل المدرسة.
كما يمكن أيضًا مناقشة هذه السلوكيات العنيفة ذات الأثر على المناخ المدرسي وعلى جودة التعليم في اجتماعات جمعيات أولياء الأمور، كما يمكن إنشاء منتديات للنقاش ومن المؤكد أنها ستشجع التلاميذ على تطوير بدائل مقبولة اجتماعيًا، من أجل تعزيز نوع من الديمقراطية المدرسية منذ سن مبكرة جدًا، بحيث يصبح التلاميذ مواطنين مكتملي المواطنة.
في كل مدرسة، عندما يؤدي موقف ما إلى حالة من عدم الرضا، فمن المهم إشراك كل الأطراف المعنية: الإدارة، والتلميذ المتضرر من السلوك العنيف، وأولياء الأمور والمدرس، لوضع استراتيجيات لحل المشكلة تتجاوز مجرد العقاب. يشير بينوا غالاند، الأستاذ في جامعة لوفان، إلى أنه في مواجهة هذه الاعتداءات من قبل التلاميذ، نحتاج إلى إيجاد بدائل للعقوبات والفصل والاستبعاد التي تؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقم الصعوبات. تُظهر الأبحاث في هذا المجال بوضوح أن سلطة المدرسة تتطلب أكثر من مجرد العقاب؛ فهي تسعى إلى تطوير مبدإ ضبط النفس والمهارات الاجتماعية لدى التلاميذ. في حين أن العقاب هو إشارة تهدف إلى وقف السلوك، إلا أنه لا يساعد على تصحيحه وتجاوزه إلى سلوك جيد. إن فرض النظام بمثل هذه الوسائل لا يكفي لبناء مناخ إيجابي داخل المدرسة.
من أجل إدارة السلوك العنيف بين التلاميذ والطلاب بشكل أفضل، يبدو من اللازم تعبئة وحدات اجتماعية لدعم التلاميذ العنيفين في أوقات الأزمات، في شكل فرق متنقلة تقدم خدمة الدعم الاجتماعي والتربوي والنفسي في حالة وقوع حادث معين، إضافة إلى تخصيص رقم هاتفي مجاني يمكن للمدارس الاتصال به لتوفير المعلومات لضحايا العنف وتقديم الدعم والمساعدة للمدارس خلال الأحداث الاستثنائية.
الخاتمة
لقد ناقشنا العنف الذي يمارسه التلاميذ تجاه مدرسيهم، والملاحظ هو أن المدرسين المعنيين به لا يتحدثون عنه، أو يتحدثون عنه قليلاً، لأنهم يخجلون من أن يُنظر إليهم على أنهم غير أكفاء في ممارسة وظيفتهم.
لا يوجد مبرر واحد لهذا العنف بين التلاميذ ومدرسيهم، وهو غالبًا ما يكون لفظيًا أو نفسيًا، ولا يوجد مبرر واحد لهذا العنف بين التلاميذ ومدرسيهم. وقد حددنا بعضًا من أسباب ذلك ونضيف إليها تراجع مكانة المدرس وفقدانه بعضًا من هيبته، وعدم اعتياد بعض التلاميذ على مفهوم احترام المدرس والمؤسسة المدرسية، وهو ما يمكن أن يُنظر إليه في حد ذاته على أنه عنف. ويعتبر تدبير الفصل الدراسي وحالات العنف فيه محنة حقيقية لبعض المدرسين.
وقد رأينا أن من عواقب هذا العنف فقدان الدافعية لدى المدرس، بل وغيابه لفترات متفاوتة من الزمن. وثمة أثر آخر يتمثل في خلق مناخ مدرسي سيئ يضر ببيئة التعلم لدى المتعلمين. لذلك فإن الاهتمام بالمناخ الصفي والمدرسي هو جزء من دور المدرس، لكنه لا يؤخذ في الاعتبار بشكل كافٍ في فترة التكوين والتدريب.
وتجدر الإشارة إلى أن المناخ الإيجابي هو أيضًا مسؤولية كل تلميذ.
إن إشراك التلاميذ في الحياة المدرسية وتدريبهم على المواطنة هو وسيلة أخرى للحد من العنف، وقد حان الوقت لإنشاء هياكل تشجع على التعليم في مجال المواطنة. نحن نعتقد أن التلاميذ الذين يتدربون على المواطنة، ويتعلمون التعبير عن آرائهم وهويتهم والدفاع عنها، وكذلك احترام آراء الآخرين، سيكونون أقل ميلاً للعنف وعدم اللياقة، سواء داخل المدرسة أو في المجتمع ككل.
أعتقد أن الحل للعنف رغم أن سببه قد يكون بسبب العائلة التي انسحبت من دورها للتتركه للشارغ او لوسائل التواصل الاجتماعي. الحل هو المدارس العسكرية.