الصحراء المغربية في النظر الملكي السامي
بقلم عبد النبي عيدودي
مقدمة: حكمة ملك… ومبادرة دولة
منذ أن أطلق جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، والمغرب يمضي بثقة في مسار لم يرسم على عجل، بل بني على أسس الحكمة، والتبصر، والاستشراف العميق لمآلات النزاعات الجيوسياسية، سواء على مستوى الجوار المغاربي، أو في عمق القارة الإفريقية، أو ضمن التوازنات الدولية في الشرق الأوسط.
لقد كان جلالة الملك، ولا يزال، عنوانا للحكمة في تدبير الخلافات، بعقل راجح، ونفس دبلوماسي طويل، ورؤية تؤمن بأن السلم هو الخيار الاستراتيجي، دون تفريط في الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها الوحدة الترابية للمملكة.
أولا: اعترافات دولية تتوج المقترح المغربي
منذ تقديم المغرب لمشروع الحكم الذاتي، توالت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وارتفعت الأصوات المؤيدة لواقعية ووجاهة المقترح المغربي. فقد عبرت دول عديدة عن دعمها الصريح، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، البحرين، الأردن، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، رومانيا، هولندا، وصربيا، اسرائيل…
أما على المستوى القنصلي، فقد افتتحت أزيد من 30 دولة قنصليات عامة لها بمدينتي العيون والداخلة، في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة، تجسد أعترافا عملي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتعزز الحضور الدولي في قلب الصحراء المغربية.
ثانيا: مشاريع تنموية على الأرض… الصحراء تتحول
لم تكن المبادرة المغربية للحكم الذاتي وعدا فقط، بل رافقتها إرادة تنموية استثنائية، تجسدها المشاريع الكبرى التي تم تنفيذها على الأرض.تم تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز،وبناء شبكات التطهير السائل وتوسيع الطرق والبنية التحتية، إضافة إلى تشييد المستشفيات و المدارس و المعاهد و الجامعات ،وبناء ملاعب رياضية ومرافق شبابية،وتعزيز الإنارة العمومية،وإنشاء محطات لتحلية المياه والطاقات المتجددة.
وقد أصبحت مدن مثل العيون والداخلة نموذجا للمدن الذكية،المندمجة، والمتقدمة على مستوى البنيات والخدمات، بما يفوق حتى العديد من العواصم الإفريقية.
ثالثا: اتفاق أبراهام والاعتراف الأمريكي… زلزال دبلوماسي
جاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، في سياق توقيع اتفاق أبراهام، ليشكل تحولا جيواستراتيجيا في النزاع الإقليمي، ويمنح المغرب دفعة غير مسبوقة على الساحة الدولية.
لم يكن الأمر رمزيا فقط، بل تبعته إسبانيا وفرنسا في تبني مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع، وهو ما زاد من عزلة النظام الجزائري وأطروحته، التي لم تعد تقنع أحدا، حتى في المحافل الأممية.
رابعا: إحاطة ديمستورا… الضربة القاضية وبداية التنزيل
لقد جاءت إحاطة المبعوث الأممي ستافان ديمستورا الأخيرة، لتكون لحظة حاسمة في تاريخ الملف، إذ وصف فيها الوضع بـ”المتغير”، وأشاد بالمساعي المغربية الجادة، واضعا الكرة في ملعب من يعرقل الحل.
إنها إحاطة مفصلية، قوضت أكذوبة “تقرير المصير” وعرت المناورات الجزائرية، وهي في جوهرها تمهد لنهاية مرحلة التنازع، وبداية مرحلة التنزيل العملي لمقترح الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية الكاملة.
خاتمة: من التبصر الملكي… إلى الحسم الميداني
إن مآلات ملف الصحراء اليوم ليست إلا ثمرة من ثمار التبصر الملكي السامي، الذي جعل من الوحدة الترابية خيار لا يقاوم ولا يساوم عليه، وبنى استراتيجية مرنة لكنها حازمة، دبلوماسية ولكن واقعية، سلمية ولكن مشروعة.
فكل قراءة ملكية لملف الصحراء كانت تتلوها انتصارات ميدانية: من خطابات المسيرة الخضراء إلى دعوة الشراكات جنوب–جنوب، و من رؤية السلم الإفريقي إلى مبادرة الحكم الذاتي، و من الاعترافات الدولية إلى إحاطة ديمستورا…
اليوم، ومع هذا الزخم الدولي، يبدو أن مشروع الحكم الذاتي لم يعد فقط مقترحا، بل أصبح خيارا أمميا في طور التفعيل… والنزاع المفتعل يكتب فصله الأخير برؤية ملكية متبصرة، حكيمة، سامية.