من قلب العيون.. الهشومي يستعرض فلسفة المبادرة الملكية في إعادة رسم خرائط القوة بالساحل الأطلسي



 

أكد كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال بالرباط، أن المبادرة الملكية الأطلسية تمثل هندسة استراتيجية لممرات القرار الجيوسياسي في إفريقيا، وليست مجرد مشروع اقتصادي عابر، مبرزا أن المغرب، عبر هذه المبادرة، يتحول من دولة تطل على الأطلسي إلى دولة تصنع الأطلسي الإفريقي، قائلا إن “مغرب المستقبل هو مغرب الأطلسي، ومغرب الأطلسي هو قاطرة إفريقيا الصاعدة”.

 

 

جاء ذلك خلال أشغال المؤتمر الدولي الأول لمنتدى التحليل الاستراتيجي لشؤون الأطلسي والساحل، المنعقد أيام 28 و29 و30 أبريل 2025 بمدن العيون والسمارة وبوجدور، تحت شعار: “نحو تصور استراتيجي جديد للأطلسي والساحل”، بحضور نخبة من الأكاديميين والباحثين والدبلوماسيين والطلبة.

 

 

وفي مداخلته التي حملت عنوان: “البعد الجيوسياسي للمبادرة الملكية الأطلسية: نحو إعادة هندسة خرائط القوة والاستقرار في الساحل الأطلسي”، أوضح الهشومي أن هذه المبادرة لا تندرج فقط ضمن مشاريع التنمية، بل تؤسس لما وصفه بـ”الهندسة الجيوسياسية الجديدة للقارة الإفريقية”، حيث تُعيد دول الساحل التي ظلت رهينة جغرافية مغلقة إلى واجهة الأطلسي، في سياق دولي يشهد تنافسا متصاعدا حول الممرات البحرية والمعابر الاقتصادية الحيوية.

 

 

وأضاف المتحدث أن المبادرة الملكية تشكل “استراتيجية ربط جيواقتصادي وجيوبوليتيكي”، قوامها تحرير الساحل من متلازمة الانغلاق الجغرافي، وكسر البنى الكولونيالية الكلاسيكية للارتباط العمودي مع شمال المتوسط، وبناء شبكات أفقية جديدة داخل المجال الأطلسي الإفريقي، مؤكدا أنها “فعل سيادي لمغربة الأطلسي الإفريقي” أو ما سماه بوضوح: “Appropriation marocaine de l’espace atlantique africain”.

 

 

وفي تحليله للأبعاد الأمنية للمبادرة، شدد الهشومي على أن المغرب يتبنى من خلالها مقاربة للاستقرار البنيوي تتجاوز المنظور الأمني التقليدي القائم على التدخلات العسكرية أو بناء قدرات هشة، موضحا أن المبادرة ترتكز على ثلاثة محاور مترابطة، تشمل التنمية الاقتصادية عبر فتح منفذ أطلسي أمام دول الساحل، والهندسة الروحية والثقافية من خلال تعزيز مرجعية إمارة المؤمنين كنموذج للاعتدال، ثم بناء مقاربة أمنية وقائية تستبق مسارات التطرف والفوضى بدل الاكتفاء بالرد عليها.

 

وقال في هذا الصدد إن فلسفة المبادرة تتجسد في تحويل “الهشاشة البنيوية” لدول الساحل إلى “هشاشة منتجة للتنمية”، ضمن ما سماه “هندسة المناعة الجيوسياسية” أو “l’architecture de la résilience géopolitique”.

 

 

وتوقع الهشومي أن تؤدي المبادرة الملكية إلى تحولات استراتيجية كبرى، على رأسها تفكيك الارتباط الأحادي التقليدي مع القوى الشمالية، وصعود محور مغربي-ساحلي-أطلسي كقوة توازن جديدة في وجه محاولات التغلغل الصيني والروسي والتركي، فضلا عن تحويل الأطلسي الإفريقي إلى واجهة دولية صاعدة في مجالات الطاقة والمواد الخام.

 

 

كما اعتبر أن المغرب يرسخ موقعه كـ”فاعل وسيط استراتيجي” بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية عبر الأطلسي، متجاوزًا بذلك منطق الدولة الممر إلى منطق الدولة المصممة للأطر الجيوسياسية.

 

 

ورغم أهمية هذه الديناميات، لم يغفل الهشومي الإشارة إلى التحديات الصلبة التي تواجه هذا المسار، مشيرا إلى هشاشة الدول الساحلية أمام الانقلابات والمليشيات العابرة للحدود، واشتداد التنافس الدولي لإعادة رسم خرائط النفوذ بالمنطقة، والحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنى التحتية لضمان الربط الفعلي مع الأطلسي.

 

 

بالمقابل، أكد على وجود فرص كبرى لبناء مجال أطلسي إفريقي مشترك يقوم على تبادل المصالح، وتحويل العمق الإفريقي إلى شريك استراتيجي اقتصادي وأمني للمغرب، مع تكريس نموذج “القيادة الهادئة” للمملكة وسط محيط متقلب.

 

 

وختم الهشومي مداخلته بالتأكيد على أن المبادرة الملكية الأطلسية تؤسس لظهور مجال أطلسي إفريقي ثالث، متحرر من الثقل التاريخي للاستقطابات التقليدية، مشددا على أن المغرب، عبر هذه الرؤية، ينتقل من موقع المتلقي إلى موقع المصمم لمعادلات القوة والهيمنة في الفضاء الإفريقي الأطلسي، قائلا إن المبادرة تشكل رسالة استراتيجية للعالم مفادها أن مغرب المستقبل هو مغرب الأطلسي، والقاطرة الجديدة لإفريقيا الصاعدة.

 

 

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً