يبدو أن الجزائر اقتربت من الاعتماد الرسمي لمشروع قانون التعبئة العامة، خاصة بعد مصادقة المجلس الشعبي الوطني عليه (الغرفة الأولى للبرلمان)، بإجماع الغالبية الساحقة من النواب الذين أبدى معظمهم حماسا كبيرا للمشروع.
وبعد المصادقة عليه في المجلس الشعبي الوطني، سيمر المشروع قريبا على مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليصبح بذلك ساري المفعول بعد توقيع رئيس الجمهورية عليه ونشره في الجريدة الرسمية.
وسيكون هذا المشروع، بالنظر للوقت المختصر الذي استغرقه الإعلان عنه ومناقشته والمصادقة عليه، من أسرع القوانين التي يتم اعتمادها.
واللافت أن التصويت لم يشهد لا معارضة أو امتناعا من قبل كل الكتل البرلمانية، بما في ذلك ذات الخط الذي يتبنى بعض المقاربات المعارضة لسياسات الحكومة، مثل حركة مجتمع السلم التي أعلنت عن مباركتها لمشروع القانون.
وفي كلمته عقب المصادقة على المشروع، أكد وزير العدل لطفي بوجمعة، أن النص المتعلق بالتعبئة العامة سيساهم في تعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بـ”الاستعداد الاستباقي” لمواجهة الأزمات والأخطار وتوفير عوامل الدفاع عن المصالح العليا للوطن.
وأعرب بوجمعة عن يقينه أنه “بفضل كافة جهود الوطنيين وفي ظل تجانس المجتمع الجزائري وتضامنه، سوف تتمكن جزائر الشهداء من دحر كل المكائد والمؤامرات وإفشال كل المخططات المناوئة للجزائر ولنظامها الجمهوري”.
وكان المشروع، قد أثار جدلا واسعا، في ظل سياق إقليمي متوتر يحيط بالجزائر من كل جانب. وتضاربت التكهنات حول الغايات من طرحه وما إذا كان يتحسب لدخول البلاد في حرب أو مواجهة عسكرية، إلا أن تصريحات ممثل الحكومة أكدت أن الهدف استباقي يجعل الجزائر جاهزة من الناحية القانونية في حال واجهت أي طارئ.
ويحدد المشروع الذي يتضمن 69 مادة موزعة على سبعة فصول، بدقة كيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة المنصوص عليها في المادة 90 من الدستور، وذلك في إطار “تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة لمواجهة أي خطر محتمل يهدد استقرار البلاد واستقلالها وسلامتها الترابية”.
وينص المشروع، على أن رئيس الجمهورية يقرر التعبئة العامة بموجب مداولات مجلس الوزراء، وينهيها بنفس الأشكال. ويؤكد أن التعبئة العامة ترتكز على منظومة شاملة ومتكاملة تشرف عليها الدولة، مع تعبئة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمواطنين، لضمان الانتقال الفعّال من حالة السلم إلى حالة الحرب، سواء بالنسبة للقوات المسلحة أو أجهزة الدولة والاقتصاد الوطني.
وعرّف المشروع “التعبئة العامة” بأنها مجموع التدابير اللازمة لضمان انتقال القوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية، إضافة إلى الاقتصاد الوطني، من حالة السلم إلى حالة الحرب، مع وضع القدرات الوطنية تحت تصرف المجهود الحربي (المادة 2).
وتهدف التعبئة العامة، حسب المادة 3، إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة، ورفع جاهزية القوات المسلحة عبر توفير الموارد البشرية والوسائل المادية الضرورية، بما يسمح لها بأداء مهامها في الدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية، وحماية المجال البري والجوي والبحري بأفضل الظروف.
وحسب نص المشروع، تقرر التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، في حال تعرض البلاد لتهديد وشيك لمؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها، أو في حالة وقوع عدوان فعلي أو وشيك (المادة 5). كما يتم إنهاء حالة التعبئة بنفس الآلية. ويخول لرئيس الجمهورية، بموجب مرسوم رئاسي، تحديد المحاور الأساسية للاستراتيجية الوطنية للتعبئة العامة، والتوجيهات الخاصة بها (المادة 6).
وفي مرحلة تنفيذ التعبئة العامة، فينظم المشروع بدقة عملية انتقال القوات المسلحة من حالة السلم إلى حالة الحرب، حيث يتم تعليق إنهاء الخدمة للضباط والعسكريين، وإعادة استدعاء عسكريي الاحتياط، وتطبيق تدابير الدفاع الشعبي والتسخير. ويمنح المشروع (المادة 33) الأولوية لاحتياجات القوات المسلحة، مع مواصلة الأجهزة والمؤسسات الوطنية والقطاعات العامة والخاصة أداء مهامها بشكل عادي.
وفي الشق الجزائي، نص مشروع القانون على عقوبات مشددة لحماية فعالية التعبئة العامة، إذ يعاقب بالحبس من 3 إلى 10 سنوات وغرامة تصل إلى مليون دينار، كل من استغل الممتلكات المسخرة أو أساء استعمال سلطة التسخير (المادة 51). كما يعاقب بالسجن من شهرين إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى 300 ألف دينار، كل من يمتنع عن تقديم معلومات صحيحة أو يحاول إخفاء تجهيزات معدة للتعبئة (المادة 52).