في خطوة إستراتيجية تعكس عمق العلاقات الثنائية، وقّع المغرب وإثيوبيا اتفاقا للتعاون العسكري يوم الثلاثاء الماضي. جاء ذلك خلال زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية، عائشة محمد موسى، للرباط، حيث استقبلها الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي. ويظهر هذا الاتفاق رغبة البلدين في التقارب.
الاتفاقية، التي جرى توقيعها بحضور الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، تغطي مجموعة واسعة من المجالات، تشمل التكوين، والتدريب والتمارين، والبحث العلمي، والصحة العسكرية، إضافة إلى تبادل الخبرات والتجارب في الميادين ذات الاهتمام المشترك.
كما ينص الاتفاق على إنشاء لجنة عسكرية مشتركة تجتمع بالتناوب بين الرباط وأديس أبابا لتحديد محاور التعاون وتتبع تنفيذهاولضمان فعالية هذا التعاون.
زخم في العلاقات العسكرية
تعكس هذه الزيارة وتوقيع الاتفاق تواترًا ملحوظًا في تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين العسكريين في البلدين على مدار العام الماضي.
ففي أواخر أبريل الماضي، أجرى الفريق أول محمد بريظ زيارة عمل إلى إثيوبيا، حيث أجرى مباحثات مع رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، المشير برهانو جولا، تناولت جوانب التعاون العسكري.
كما سبقت هذه الزيارة، زيارة لوفد عسكري مغربي بقيادة اللواء عزيز الإدريسي لإثيوبيا، حيث أكد المسؤولون الإثيوبيون حينها على أهمية الارتقاء بالتعاون العسكري مع المغرب إلى مستويات أعلى.
هذا الزخم المتزايد في العلاقات العسكرية يمهد الطريق لتعاون استراتيجي أوسع بين الرباط وأديس أبابا، بهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل الإرهاب والتهديدات الحدودية.
أبعاد جيوسياسية عميقة
حول الأبعاد الجيوسياسية لهذا التقارب، يرى الباحث الإريتري المتخصص بقضايا القرن الإفريقي عبد القادر محمد علي في تصريحه لـ “الأيام 24″، أن زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى المغرب لافتة ومهمة للغاية” وتنبع أهميتها من عاملين رئيسيين في تقديري. العامل الأول، أنها دلالة على تصاعد زخم العلاقات بين البلدين، بالنظر إلى الزيارات المتبادلة بين كبار القادة العسكريين خلال العام المنصرم، بدءًا من زيارة برهانو جولا إلى المغرب”.
والعامل الثاني، حسب الباحث الإريتري متمثل في “الاتفاقية التي تم توقيعها بين الطرفين، والتي شملت العديد من مجالات التعاون، والنقطة الأهم -في تقديري- هي الاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لتطبيق هذه الاتفاقية، وهو ما يعكس رغبة الطرفين في نقل العلاقة إلى بُعد استراتيجي، وهذا يشير مجددًا إلى زيادة التعاون العسكري والأمني بين الطرفين”.
ويعتقد عبد القادر محمد علي أن هذا التطور في العلاقة بين البلدين يتجاوز البعد العسكري البحت، ليلامس قضايا جيوسياسية أعمق.
رسائل إلى الجزائر ومصر
من زاوية الجغرافيا السياسية، يبدو أن التعاون العسكري المغربي الإثيوبي يبعث برسائل مقلقة إلى الجزائر، التي ترتبط مباشرة بملف الصحراء.
ويعتقد عبد القادر محمد أن الرباط تسعى إلى تعديل موازين القوى في القارة، عبر استمالة دول مثل إثيوبيا لتبني مواقف متوازنة أو داعمة لها في هذا الملف.
أما على الجبهة المصرية، فرغم التوتر الكبير بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية سد النهضة، فإن المغرب حسب الباحث المتخصص في قضايا القرن الإفريقي، يحرص على الإبقاء على علاقاته الاستراتيجية مع مصر دون مساس.
وهو ما تؤكده تصريحات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال زيارة نظيره المصري بدر عبد العاطي إلى الرباط الشهر الماضي، والتي شدد فيها على دعم المغرب للأمن المائي المصري وضرورة الحلول التوافقية بشأن سد النهضة.
إثيوبيا والمناورة بين المحاور
في السياق نفسه، يؤكد الباحث الإريتري أن إثيوبيا تنتهج سياسة خارجية مرنة تحاول من خلالها الاستفادة من علاقات متوازنة مع مختلف المحاور المتنافسة في إفريقيا، بما فيها الدول العربية، رغم التوترات القائمة.
وأشار إلى أن إثيوبيا أبدت استعدادًا لاتخاذ خطوات جريئة، كما حدث سابقًا في توقيع مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، وهو ما قد يتكرر مع المغرب من خلال توسيع التعاون الأمني والعسكري إلى مستويات أعلى، دون بالضرورة معاداة مصر.
موازنة إقليمية دقيقة
في ضوء كل هذه المعطيات، يبرز الدور المغربي حسب الباحث الإريتري عبد القادر محمد علي كلاعب إقليمي قادر على تحقيق التوازن بين تحالفاته، وبناء شبكة علاقات متعددة دون الانحياز لطرف على حساب آخر.
فالرباط، وفق مراقبين، تدير تحالفاتها بدقة، وتوظف تعاونها مع إثيوبيا ضمن رؤية أوسع لتعزيز أمن القارة الإفريقية، مع مراعاة مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات متينة مع مصر.
اقتراب اعتراف أديس أبابا
يرى بعض المحللين أن التقارب المتنامي بين المغرب وإثيوبيا قد يُتوَّج في نهاية المطاف باعتراف إثيوبي بمغربية الصحراء، خاصة أن أديس أبابا تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، ما يمنح موقفها رمزية مؤسساتية مؤثرة داخل القارة.
ويرجّح هؤلاء أن المغرب يسعى من خلال تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع إثيوبيا إلى كسب دعمها في ملف الصحراء، أو على الأقل دفعها نحو اتخاذ موقف متوازن داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، بما يقلّص من نفوذ خصوم المغرب ويعزز حضوره في المنظمة القارية.
عثمان أمكور