جيل “زد” في المغرب.. بين شرعية الاحتجاج وضرورات صون الثوابت


 

عادل الحامدي/ كاتب وإعلامي

 

 

 

لم يكن خروج آلاف الشباب المغاربة، ممن ينتمون إلى ما يُعرف بجيل “زد”، مجرّد حدث عابر أو انفعال لحظة يمكن احتواؤه ببعض الخطابات التهدوية. فما ظهر في الشارع هو تعبير عن وعي جديد تشكّل خارج القوالب التقليدية، ورفض واضح لواقع لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشباب في تعليم عمومي يحفظ الكرامة، وخدمات صحية تليق بمقام الإنسان، وفرص عمل تفتح أبواب الأمل بدل أن تدفع إلى الهجرة أو الاحتراق الصامت داخل حدود الوطن.

 

 

 

لقد مارس المغاربة، وهم يحتجون، واحدًا من أنبل أشكال التعبير السلمي، حيث أظهر الشباب قدرة على الانضباط وضبط الإيقاع ومنع الانزلاق نحو الفوضى، رغم بعض الأخطاء والتجاوزات التي تظل هامشية ولا تنال من الجوهر الحضاري للحراك. ولعل أبرز ما ميّز هذه الاحتجاجات أنها قامت على قناعة بأن الحرية مسؤولية، وأن الحفاظ على السلم الاجتماعي ليس منّة من أحد، بل واجب وطني يوازي في أهميته المطالبة بالحقوق.

 

 

 

ومع الاعتراف بشرعية المطالب، لا يجوز أن يُحجب الوجه الآخر من الصورة؛ فالمغرب استطاع خلال العقدين الأخيرين أن ينجز مشاريع بنى تحتية عملاقة، من موانئ وطرق وشبكات قطارات ومناطق صناعية متقدمة، جعلته في طليعة الدول العربية والإفريقية من حيث الجاهزية اللوجستية واستقطاب الاستثمارات. هذه المنجزات لا تُغني بطبيعة الحال عن مطلب العدالة الاجتماعية، لكنها دليل على قدرة الدولة على الإنجاز حين تتضافر الإرادة مع الرؤية والتخطيط.

 

 

 

ومما يدعو إلى الاطمئنان على المغرب وأهله، أن البلاد ما تزال تمتلك قيادة عاقلة ومدركة أن الوطن يتسع للجميع، وأن قوة الدولة لا تكون بإسكات الأصوات بل بفتح نوافذ الإصغاء وتوسيع مساحات المشاركة. وقد برهن المغرب، رسميًا وشعبيًا، أنه من أكثر الدول العربية حضورًا في القضايا الكبرى للأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؛ إذ شهدت الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش مظاهرات شعبية حاشدة خرج فيها الناس بكل أطيافهم نصرة لغزة ورفضًا لحرب الإبادة، في مشهد يختزل عمق الانتماء القومي والإسلامي للمغاربة، ويؤكد أن هذا الشعب حين يتحرك، يفعل ذلك بضمير حي وإحساس عميق بالكرامة والعدل.

 

 

 

غير أن المقلق في المقابل هو بروز اتجاه يسعى إلى تجاوز الأجسام الوسيطة من أحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني، والقفز مباشرة إلى مخاطبة الملك أو تحميل المؤسسة الملكية وحدها مسؤولية كل الأزمات. إن هذا المسار، وإن بدا للبعض ضربًا من الفعالية السياسية، فإنه يحمل في طياته خطرًا على التوازنات العميقة التي يقوم عليها استقرار الدولة المغربية، لأن الملكية في المغرب ليست مجرد جهاز حكم، بل هي مؤسسة تاريخية وروحية متجذرة في بيعة الأمة، وفي إمارة المؤمنين التي حافظت على وحدة المغاربة الدينية والوطنية في أزمنة الاضطراب والتيه السياسي.

 

 

 

من يريد الإصلاح حقًا لا يضرب المؤسسات، بل يطالب بإصلاحها وإعادة الروح إليها لتقوم بدورها التمثيلي، ويضغط لتجديد نخبها وفتح قنوات المشاركة أمام الشباب بدل دفعهم إلى اليأس أو مواجهة رأس الدولة مباشرة دون وسائط أو تدرج سياسي طبيعي.

 

 

 

إن جيل “زد” في المغرب لا يطالب بالمستحيل، بل يطلب ببساطة أن يشعر أن هذا الوطن يستمع إليه ويمنحه فرصة للحياة الكريمة. والمغرب، وهو يدخل هذه المرحلة الدقيقة، بحاجة إلى معادلة دقيقة: احتجاج واعٍ يضغط دون أن يهدم، ودولة منفتحة تستمع دون أن تتوجس، وثوابت تُصان لا لأنها خط أحمر تعسفي، بل لأنها العمود الفقري الذي بدونه لا تقوم للأوطان قائمة.

 

 

 

وإذا كان من نصيحة لإعلاميي وسياسيي الشرق الأوسط المهتمين بما يجري في المغرب، فهي أن يدركوا أن الملكية في المغرب ليست تفصيلاً سياسيًا يمكن تجاوزه أو مقارنته بنماذج أخرى في المنطقة، بل هي عنصر تأسيسي في الهوية الوطنية المغربية، ورافعة للاستقرار في سياقٍ إقليمي مضطرب. فهمُ هذا المعطى أساسي لفهم ديناميات المجتمع المغربي وتعقيد توازناته، لأن النقاش حول الإصلاح أو التغيير في المغرب لا يمكن أن يُقاس بمقاييس الصدام مع السلطة، بل بمقدار القدرة على تجديد المؤسسات في ظل الثوابت الجامعة التي تمثلها الملكية وإمارة المؤمنين.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً