أسرار من مطبخ الوزارة الأولى.. عندما انزعج القصر الملكي من النويضي بسبب حوار صحافي



 

تعددت المهام التي تقلدها الأستاذ الجامعي والمحامي الحقوقي المغربي الراحل عبد العزيز النويضي على مدى عقود من الزمن نذرها للترافع والنضال من أجل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمملكة، لكن يبقى من بين أبرز التجارب التي عاشها، احتكاكه بقائد “حكومة التناوب” الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، وعمله إلى جانبه كمستشار في حقوق الإنسان من 1998 إلى 2002، ما يعني أنه كان مطلعا على أسرار مطبخ الوزارة الأولى وعلى جوانب خفية من هذه التجربة السياسية المثيرة، وثّق ما بدى له مهما منها في مذكرات مهمة أصدرها قبل أزيد من سنتين.

 

 

ويحفل كتاب الراحل النويضي “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها” بعدد من المواقف والأسرار التي عاشها الفقيد عندما كان في قلب مربع السلطة، قريبا من الوزير الأول الراحل عبد الرحمان اليوسفي وشاهدا على أحداث وشمت حقبة مفصلية من تاريخ المغرب.

 

 

إلى جانب عمله الحقوقي والأكاديمي والسياسي، نسج النويضي علاقة خاصة ومتينة بالصحافة وبوسائل الإعلام، حتى أنه كان يوصف بـ”صديق الصحافيين”، فقد رافع باستمرار داخل ردهات المحاكم وخارجها أمام عدسات الكاميرا والميكروفونات عن الحق في الرأي والتعبير، لذلك ربما ليس عجبا أن تكون آخر كلماته وهو على أعتاب الموت، عبر مقابلة صحافية لم تكن من اقتراحه فقط، بل إنه هو من حدَّد تاريخها ووقتها ومَحاورها أيضا، غير أن القدر المحتوم لم يمهله مزيدا من الوقت لإنهائها وإفراغ جميع ما علق بصدره، فقد أسلم الروح إلى بارئها إثر سكتة قلبية، في حادث تراجيدي أحزن جميع معارفه من مشارب مختلفة.

 

 

علاقة النويضي بالحوارات الصحافية مثيرة للغاية، إذ يحكي في وثيقته التاريخية كيف تسبب حوار أجرته معه “الصحيفة” عام 2001، في غضب القصر، لكونه حمل نقدا شديدا لتجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، خصوصا التوصية الصادرة عنه بشأن قضايا الاختفاء. “أدى الاستجواب إلى انزعاج بعض رجالات القصر”، يقول مستشار اليوسفي، متابعا وهو يبوح بتفاصيل هذه الواقعة ضمن كتابه: “استدعاني الوزير أحمد لحليمي (المندوب السامي للتخطيط حاليا) وبلّغني ملاحظة وصلت إلى علمه مفادها بأن مستشاري الملك لا يتكلمون بينما مستشارو الوزير الأول يتكلمون!”.

 

 

ودافع النويضي عن استقلاليته، وهو ما يظهر من خلال ما نقله كجواب على هذه الملاحظة أبلغه حينها إلى مبعوث القصر قائلا: “لم يكن ذلك صحيحا، فقد انتقد المستشار الملكي أندريه أزولاي الحصيلة الاقتصادية للحكومة، كما انتقد وزير العدل آنذاك حصيلتها الاجتماعية”. وأكمل: “لذلك سألتُ لحليمي إن كان قرأ الاستجواب فأجابني بالنفي. قلت له اطلع عليه وأنا مستعد لمناقشة محتواه”.

 

 

وبخصوص موقف الراحل اليوسفي من هذه الملاحظة، أكد النويضي أن الوزير الأول كان حريصا على احترام استقلاليته الفكرية، لافتا إلى أنه طلب حينها لقاءه ليناقش الموضوع معه، وكذلك كان. خلال لقائهما أبلغ النويضي اليوسفي برسالة القصر، لكنه قابل ذلك بالصمت قبل أن يؤكد له أمام إلحاح النويضي على معرفة موقفه أنه تصرف. “أخبرتهم أن مستشاري الوزير الأول أناس جديون”، يرد اليوسفي، وهو ما نال استحسان النويضي، يقول الأخير :”شكرته وذهبت إلى حال سبيلي وأنا أفكر في الحنكة التي يدبر بها اليوسفي قضايا اختلافية شائكة مع بعض دوائر الجهات العليا دون أن يخلّ بالأدب والاحترام الواجب”.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق


إقرأ أيضاً